خطبة عن مراقبة الله ﷻ

خطبة عن مراقبة الله ﷻ

نحتاج جميعًا إلى نُذكَّر دومًا بهذا الأمر العظيم. لذلك؛ نجتمع الآن لنطَّلِع على خطبة عن مراقبة الله ﷻ. وما يعقب ذلك من آثار وعواقِب. بالطَّبع هذا الموضوع جَدّ خطير وهام وحيوي. ولهذا؛ أتيناكم ومعنا خطبة جمعة قويَّة ومؤثرة ومُحْكَمة تتناسب مع عِظَم هذا الموضوع وهذا العنوان.

نتحدَّث عن مراقبة الله ﷻ في السر والعلن، في الخلوات، في العمل، في التعامل مع الناس. مما يكون له ثمرات طيبة، وأثر طيّب في دنيا المؤمن وآخِرته.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله ﷻ نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله لا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ.

الخطبة الأولى

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد؛ عباد الله، فقد أخرج ابن ماجة في سننه بإسناد صحيح، عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ «لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال كأمثال جبال تِهامة بيضا، فيجعلها الله ﷻ هباءاً منثورا».

فقال ثوبان -رضي الله ﷻ عنه-: يا رسول الله جلهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم، فقال ﷺ «أما إنهم منكم، ومن بني جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوامٌ إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها».

فيخبر النبي ﷺ في هذا الخبر الصادق الذي حدثنا به الذي لا ينطق عن الهوى، يخبر عن أقوام من أمته ﷺ يأتون في يوم القيامة في يوم العرض على الله بأعمال كثيرةٍ عظيمة كأمثال الجبال كما وصف النبي ﷺ.

يعني في الكثرة والتعظيم والضخامة، يأتون بصلاة، ويأتون بصيام، ويأتون بصدقات.

وتأتي هذه الأعمال يوم العرض على الله ﷻ على هذه الصورة لأنهم كانوا في الدنيا يعملون، وكانوا لله ﷻ يتعبدون، وكانوا على الله رب العالمين يقبلون يصومون ويصلون ويتصدقون.

ولكن يجعل الله رب العالمين هذه الأعمال لا وزن لها ولا قيمة، يجعلها الله ﷻ هباءاً منثورا.

وها هنا يتعجب الصحابة -رضي الله ﷻ عنهم- ما بال هؤلاء يا رسول الله؟ بين لنا أمرهم، وصف لنا أحوالهم، جلهم لنا، ألا نكون منهم ونحن لا نعلم.

حتى نحذر طريقه، وحتى لا نسير سيره، وحتى لا نعمل بأعماله، فقال النبي ﷺ «أما إنهم منكم، ومن بني جلدتكم» يعني من بني جنسكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، يتعبون في الليل قياماً بين يدي الله رب العالمين.

ولكن هذه الأعمال كانت في الظاهر أمام الناس، وأما في الخلوة مع الله رب العالمين.

وأما في السر إذا خلوا بمحارم الله ﷻ انتهكوها، يعني تجرأوا على المحارم، وفعلوا المعاصي، فحالهم كالقبر سواء بسواء.

لهم ظاهر يسر، وباطن من دونه يضر، وهكذا حال الخلق في دنيا الله ﷻ لهم عناية خاصة بالشكل الظاهر، بالملبس الحسن وباللون الجميل، وليس لهم عناية بحقائق ما في القلوب من عبادات وأعمال.

الحكم على الناس بالظاهر

كهذا الصبي الذي أنطقه الله رب العالمين في الماء لما مرت على أمه وكان قد التقم الثدي وأخذت في رضاعه، مرت عليها امرأة، والناس يضربونها ويقذفونها بالحجارة.

ويقولون يا سارقة، تقول والله ما فعلت، يا زانية، تقول والله ما فعلت، فلما رأت هذه المذلة وهذه المهانة.

قالت أم الصبي: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الثدي وقال: اللهم اجعلني مثلها.

ثم انتقلت بعد ذلك إلى مشهد آخر، رجل في مشهد عظيم، ملك من الملوك، فلما رأت ما حوله من خدم وحشم وحراسة قالت: اللهم اجعل ابني كهذا الرجل في الملك والعظمة وما عليه من القوة والسلطان.

فترك الثدي وقال: اللهم لا تجعلني مثله، فقالت: مالك؟

أما الأولى فقلت: اللهم لا تجعله مثلها فدعوت أن تكون مثلها، قال: هي امرأة صالحة، وهي امرأة مظلومة، يرمونها الناس بالأكاذيب، والله ﷻ ببراءتها عليم.

فقال: اللهم اجعلني مثلها؛ يعني في الخير والصلاح، وأما الرجل الآخر فكان ملكًا ظالما ظلوما غشومًا، يخافه الناس من بأسه وبطشه، فدعوتي لي أن أكون مثله فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، يعني اللهم لا تجعلني ظالمًا.

الناس في جملتهم لهم عناية بالصورة الظاهرة، ولهم عناية بما يكون في العلن.

وأما ما يكون في حال السر، في حال الخفاء حيث لا يطلع على العبد إلا من خلقه ﷻ فلا عناية بذلك ولا اهتمام.

أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، فأحبط الله أعمالهم، وجعلها الله ﷻ هباءاً منثورا.

مراقبة الله رب العالمين في السر والعلن

في مدرسة الصيام، في هذا الشهر الفضيل الكريم العظيم المبارك نتعلم في هذه المدرسة درسا عظيما وحكمة بالغة ألا وهي مراقبة الله رب العالمين في السر والعلن.

وهذا أخذه أهل العلم من أن الصيام هو ترك الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله رب العالمين.

العبد في الظاهر مع الناس لا يأكل ولا يشرب، ولا يأتي أهله ولكن إذا خلا في بيته حيث لا يطلع عليه إلا الله، الطعام أمامه، والشراب بين عينيه وبين يديه، وهو مشتاق إليه، والزوجة بين عينيه، ومع ذلك يعلم أن الله رب العالمين يراه.

ويعلم أن ﷻ يطلع عليه، ويعلم أن الله ﷻ لا يخفى عليه شيء من حاله فإذا ما علم أن الله معه وأن الله يراه وأن الله مطلع عليه، وأن الله ناظر إليه أورثه ذلك المراقبة لله رب العالمين.

إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء

فمراقبة الله ﷻ هي دواء عِلم العبد، وتيقنه باطلاع الله ﷻ عليه في السر والعلن، في الجهر والخفاء فمن علم أن الله معه وأن الله يراه حيث كان.

وأن الله لا يخفى عليه شيء من حال عباده، سميع لأقوالهم، بصير بأعمالهم، عليم بأحوالهم، معهم أينما كانوا أحدث ذلك للعبد خشية، وأحدث في قلبه الخوف والمراقبة لربه ﷻ.

فإذا ما تكلم علم أن الله يسمع قوله، وإذا فعل علم أن الله ﷻ يرى فعله، وإذا سكت علم أن الله ﷻ علم ما في قلبه وما في ضميره لأن الله ﷻ ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾، كما أخبر عن نفسه ﷻ.

إن العبد إذا لم يراقب ربه ﷻ سرا وعلنا، جهرا وخفاءً، ضيع عمله، وأحبط في الآخرة سعيه، وذهبت الحسنات فكانت يوم العرض على الله هباءاً منثورا ولو كانت كثيرة عظيمة كأمثال الجبال كما بين النبي ﷺ.

إن مراقبة الله ﷻ هي سببٌ عظيم، وهي أمر جليل في ترك العبد لمعصية الله رب العالمين.

النفس داعية إلى فعل المعاصي، والهوى يميل إلى ما تهواه النفس مما يُغضب الله ﷻ.

فإذا ما علم العبد أن الله معه، وأن الله يراه، وأن الله مطلع عليه حمله ذلك على أن يترك معصية الله رب العالمين.

قصة يوسف -عليه السلام- ومراقبة الله

وهذا هو نبي الله يوسف -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لما دعته المرأة ذات المنصب والجمال ﴿وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾.

قال ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾، لأنه يعلم علم اليقين أن الله ﷻ يراه، وان الله مطلع عليه.

والعبد كذلك ينبغي أن يعلم، إن أردت أن تعصي الله رب العالمين كما قال الرجل الصالح لمن طلب الموعظة، قال: إذا أردت أن تعصي الله ﷻ فاعصي الله في مكان لا يراك الله ﷻ فيه.

قال: كيف ذلك؟ والله رب العالمين عليم بأحوال العباد خبير بنواياهم، عليم بخفاياهم، مطلع على ما في الضمائر، ويعلم السر والسرائر، وكل ما في الأرض ملكه والكون كونه والسماء سماؤه.

قال: إن أردت أن تعصي الله رب العالمين فاعصي الله في مكان لا يراك الله رب العالمين فيه.

استحي من الله كما تستحي من الناس

إذا كنت تعلم أن الله رب العالمين لا يراك فقد كفرت بالله رب العالمين لأن الله يرى، لأن الله سميعٌ بصير.

وإن كنت على يقين أن الله يراك فلا تجعل ربك أهون الناظرين إليك كما قال ﷻ ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾.

والناس في الغالب كذلك، العبد يستحي من الناس، إذا هم بذنب أو خطيئة أو معصية يستحي أن يراه أحد من الخلق، أو أن يدخل عليه أحد من الناس ولو كان طفلا صغيرا صبيًا رضيعا، لأن العبد لا يريد أن تسقط مهابته بين الخلق، ولا مكانته في أعين العباد.

فالعبد يخاف أن يدخل عليه أحد وهو على الجرأة على محارم الله ﷻ لذلك لما وصى النبي ﷺ قال «أستحي من الله، كما تستحي من الرجل الصالح من قومك».

يعني؛ اجعل حيائك من الله كحيائك من عبد صالح إذا ما دخل عليك، وإذا ما جلست بين يديه، وإذا كان ينظر إليك، كيف يكون الحياء منه؟ وكيف يكون الخوف منه.

إن العبد ليتجمل للناس إذا ما نظروا إليه، وإن العبد ليبلغ للناس في صورة كأنه من الخطايا معصومٌ.

وأما إذا ما خلا بمحارم الله ﷻ تجرأ عليها، وبارز الله ﷻ بالمعاصي، وجعل ربه أهون ناظر إليه، فما حققت المراقبة في القلب، وإذا ما تيقنت بقرب الله منك، وباطلاع الله ﷻ عليك وبرؤية الله لك ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾.

هذا العلم يمنع العبد من فعل معصية الله رب العالمين، المعاصي التي تُحبط الأعمال، وتحرم من الغفران، وتحرم من عتق الرقاب من النيران.

مراقبة الله أعظم دواء وأنفع علاج

إن أعظم دواءٍ وأنفع علاج هو أن يراقب العبد ربه ﷻ، ومراقبة الله ﷻ تجعل العبد يوم القيامة، يوم العرض على الله رب العالمين، في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله.

يوم تدنو الشمس من الرؤوس، والناس يتصببون عرق، وقد جمعهم الله ﷻ من أول آدم إلى قيام الساعة، في مكانٍ واحد إنساً وجنَّ.

والناس منهم من يتمنى أن ينصرف ولو إلى النار من هول الموقف وشدته. في هذا المشهد وهذا الكرب العصيب هناك من الناس من يكون في ظل عرش الله رب العالمين.

سبعة يظلهم الله في ظله يوم القيامة

من هؤلاء؟ قوم كانوا يراقبون الله، وقوم كانوا يخافون من الله، وأقوامٌ كانوا يخشون الله رب العالمين؛ منهم رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين.

رجل دعته، فهو المدعو لا الداعي، وهي امرأة ذات منصب وجمال فهو في مأمن من العقوبة لأن لها منع ولأن لها قوة ولأن لها سلطان فلا عقوبة هنالك لأنها ذات ملك وذات عز وذات سلطان ومع ذلك هي ذات جمال وهي التي دعت.

وليس هناك من أحد فلا يخاف أحدا من الخلق ولا يخشى أحداً من الناس، ولا عقوبة في دنيا الله رب العالمين.

مع هذا هي الداعية، ذات ملك، ذات سلطان، ذات جمال لا عقوبة ولا فضيحة ولا شيء.

ومع ذلك يقول: إني أخاف الله رب العالمين، يعلم أن الله ﷻ يراه، ويعلم أن الله ناظر إليه، ويعلم أن الله مطلع عليه، شهيد على أعماله، رقيبٌ على أقواله.

فلما خاف من الله وكان لله مراقبا كافأه الله رب العالمين بهذه المكافأة العظيمة وبهذا الثواب الجليل الكبير فكان في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله.

وغالب السبعة كانوا يراقبون الله رب العالمين، العبد الذي تعلق قلبه بالمساجد ما كان يريد عطاء من أحد، وما كان يريد مكافأة من أحد، وأمر القلب لا يعلمه إلا الله، فكان يراقب الله رب العالمين.

الذي تصدق بالصدقة فأخفاها، لا يتحدث بها حتى مع نفسه، لا تعلم الجوارح بأي شيء فعلت الجوارح، فيخفي العمل إخفاء شديدا مراقبة لله رب العالمين.

وإنما حصلوا هذه المكانة يوم العرض على الله لمراقبتهم لله رب العالمين.

أسأل الله رب العالمين، وهو يرى مكاننا، ويسمع كلامنا أن يملأ قلوبنا مهابة وإجلالا وتعظيما له، وخشية وخوفًا ومراقبة لجلاله وعظمته. وأن يجعلنا نخشاه كأننا نراه، وألا نجعله أهون الناظرين إلينا.

وصلى الله وسلم وبارك على إمامنا ونبينا محمد ﷺ.

وهنا أيضًا -خطبائنا الأجِلاء- نجِد خطبة عن أحب الكلام إلى الله

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، وصلاة وسلاما على من لا نبي بعده، إمامنا ونبينا محمد ﷺ وعلى من تبعه وسار على نهجه.

أما بعد؛ عباد الله فإن العبد في دنيا الله رب العالمين يقع في كثير من الكربات، ولا مفرج لكربه إلا الله، ولا ميسر لأمره إلا الله، ولا مُذهب لهمهِ وغمهِ إلا الله.

مراقبة الله تُفرّج الكرب وتُذهب الهم

وإن من أعظم الأسباب التي يذهب الله رب العالمين بها الهم، ويفرج الله رب العالمين بها الكرب، هي مراقبة الله رب العالمين.

وعندنا خبر النفر الثلاث، الذين ذكرهم لنا النبي ﷺ، ما كانوا يسيرون في ليلة ظلماء، ونزلت الأمطار تنهمر من السماء، وأواهم المبيت إلى غار فجاءت صخرة بقدر الله ﷻ على بني الغار فأغلقته.

فهم الآن في شدة، وهم الآن في كرب، وهم الآن في هم وغم، لا يسمع دعاءهم إلا الله، ولا يعلم بحالهم إلا الله.

فكانوا بمعزل عن الخلق، لا يسمع أحد لهم صوتا، ولا يسمع أحد لهم همسا فأخذوا يتوسلون إلى الله بصالح الأعمال.

فكان من الثلاثة، كان منهم رجل، كانت له ابنة عم وكان يحبها حبًا شديدا، كما قال هو في بعض الروايات التي أخبرنا بها النبي ﷺ.

قال: وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وقال مرة وكانت من أحب الخلق إليه، وكان يراودها عن نفسها كثيرا، وهي كانت تخاف من الله رب العالمين.

فلما أن وقعت في مأزقٍ، وجاء بها الجلب وجاءت بها المجاعة، وألم بها القهر، ونزلت بها الحاجة، فانتهزها فرصة فأخذت تبحث في الناس عن صاحب مروءة وشهامة، فتوسمت الخير في ابن عمها.

فذهبت إليه، تطلب منه عطاء من مال الله الذي عنده، وهي على قناعة ويقين أنه لا ريبة هنالك في قلبه، فهي ابنة عمه، وهو من أحرص الناس على عرضها وعلى شرفها.

فلما جاءت إليه على هذا الحال، وجدت الفرصة سانحة، ووجد الفرصة سامحة، فقال: أعطيك ما تشائين على أن تخلي بيني وبين ما أريد.

والمرأة في حالة ضرورة واضطراب، ما كان هذا حالها، ولكن ألجأتها الضرورة، ونزلت بها الحاجة، فلما جلس بين شعبها الأربع، وكان معها كما يكون الرجل مع زوجته.

فلما أن هم أن يفعل الفاحشة، والمرأة كانت تخاف من الله رب العالمين.

قالت: يا هذا اتق، ولا تخض الخاتم إلا بحقه، وليس هنالك من أحد، ليس هناك من رقيب عليه من الخلق، وليس هناك من يدخل عليه.

وليس هناك من يشاهد، وهي في بيته، وهي محتاجة، ولا يطلع عليه أحد من الخلق، وغلبته الشهوة فلما ذكرته بالله رب العالمين تذكر.

يا لله العدل، من يقدر على نفسه إذا كان في مثل هذا المقام، يقول: يا رب، يا رب أنت بحالي عليم، وأنت تعلم ما في الضمائر والسرائر فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك وخوفًا من لقائك، وطمعا في ثوابك.

إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ يعني لا رياء، ولا سمعة، ولا طمعا ولا لشيء وإنما ابتغاء وجهك أنت ففرج عنا ما نحن فيه.

فانفرجت الصخرة بأمر من يقول للشيء كن فيكون، فخرجوا يمشون بأمر الله رب العالمين.

الذي فرج عنهم الكرب، وما الذي أخرجهم إلى الحياة بعدما دفنوا أحياء في باطن الغار؟ إنه العمل الصالح، ومنه مراقبة الله رب العالمين.

قصة ابن عمر وراعي الغنم الأمين

وهذا هو ابن عمر -رضي الله ﷻ عنه وعن أبيه كان يمشي يومًا في الصحراء فاشتد به العطش، وضربه الجوع بأنيابه، فوجد راعيا يرعى غنما، فأراد أن يختبر خوفه، وأراد أن يختبر جهده وورعه.

فقال: يا راعي، أعطنا شاة.

فقال: إنها ليست لي، وإنما هي لسيدي.

قال: أعطنا شاة، نشرب من لبنها، ونأكل من لحمها، وكل معنا واشرب.

قال: إنها ليست لي، لا أملك منها شيئا، وإنما هي لسيدي ومولاي.

قال: وأين سيدك؟

قال: في مدينة رسول الله ﷺ.

قال: وما عساك؟ إذا عدت إلى سيدك ومولاك، فسألك عن الشاة فقلت له أكلها الذئب، ما يضرك؟ خذ ثمنها انتفع به، وكل من لحمها واشرب من لبنها، وخذ مالك انتفع به، وقل لسيدك: أكلها الذئب.

فنظر إليه الراعي: راعٍ يرعى غنم لا يطلع عليه أحد، وليس هنالك معه من رقيب.

وليس هنالك معه من سميع ولا بصير، ولكنه يعلم أن الله ﷻ يراه ناظر إليه، مطلع عليه، سميع لأقواله، عليم لأحواله.

فقال: يا سيدي يقول ابن عمر يا سيدي إن قلت: لمولاي أكلها الذئب فأين الله؟ أين أذهب من الله رب العالمين؟

فبكى ابن عمر -رضي الله ﷻ عنه- وقال: أما أنا فأنا أحق أن أقول هذه الكلمة أين الله؟ أين الله؟

ثم عاد إلى المدينة مسرعا فسأل عن الراعي وسأل عن سيده ومولاه فذهب، إليه فاشترى الراعي واشترى الغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم.

فإذا كانت مراقبة العبد لله رب العالمين جعلت عبده يكون سببًا في عتقه من الدنيا فإن الله رب العالمين أكرم وأعز وأجل.

اعلموا أن الله ﷻ معكم أينما كنتم

فمن راقب الله رب العالمين كانت المراقبة سببًا في عتق رقبته في الآخرة، يوم العرض على الله رب العالمين.

يا عباد الله اعلموا أن الله ﷻ يراكم، واعلموا أن الله ﷻ معكم أينما كنتم، واعلموا أن الله ﷻ خبير لأفعالكم، سميع لأقوالكم، مطلع على أحوالكم.

لا يخفى عليه من حالكم شيء، لا سرا ولا علنا، لا خفاءًا ولا جهرا، معكم أينما كنتم.

فلا تجعل ربك أهون الناظرين إليك، واعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، إن لم تكن تراه فاعلم علم اليقين أنه يراك، وأنه مطلع عليك، فإذا ما تكلمت فاعلم أن الله سميع.

وإذا ما فعلت فاعلم أن الله بصير، وإذا سكت فاعلم أن الله رب العالمين عليم.

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا خشيته في السر والعلن.

كما أوصيكم بالاطلاع على خطبة: أخلاقيات البيع والشراء وآدابه

الدعاء

  • اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
  • اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعلى طاعتك أعنا، ومن شر خلقك سلمنا.
  • اللهم اجعل رمضان لنا لا علينا، اللهم تقبل صيامنا، وتقبل قيامنا، وتقبل أعمالنا.
  • اللهم لا ترد علينا صيامنا، ولا ترد علينا قيامنا، ولا ترد علينا أعمالنا، لا تجعل حظنا من صيامنا جوعا وعطشا، ولا تجعل حظنا من قيامنا تعبا وسهرا.
  • اللهم اغفر ذنوبنا، واجعلنا من عتقائك من النار.
  • اللهم حرم أجسادنا على النار ونجنا من دار الخزي والبوار.
  • اللهم اعتق رقاب آبائنا من النار، واعتق رقاب أمهاتنا من النار.
  • اللهم فرج كربنا، ويسر أمرنا، واشرح صدرنا، واقض ديننا، وألف بين قلوبنا، وداوي أمراضنا، وارحم أمواتنا.
  • اللهم اجعل مصر في أمانك وضمانك، احفظ مصر وشعبها، واحفظ مصر وأهلها، واحفظ مصر وجيشها، ووفق ولي أمرها لما فيه صلاح البلاد والعباد.
  • اللهم إنا نسألك حسن الختام، والوفاة على ملة الإسلام، وأدخلنا الجنة بسلام، واجعل آخر كلامنا من الدنيا، لا إله إلا الله، محمد رسول الله ﷺ.

وأقِـم الصَّـلاة..

وبعْد؛ فقد قدَّمنا لكم أعلاه خطبة عن مراقبة الله ﷻ؛ والتي ألقاها فضيلة الشيخ هاني مصطفى نجم -حفظه الله-. وقبل أن نترككم؛ نوَد أن نسوق إليكم المُقترَح الأخير لهذه الصَّفحة؛ وهي خطبة عن الثقة بالله ﷻ؛ مع أجمل القصص المؤثرة للأنبياء والصالحين. ونسأله — التوفيق لكل أئمة وخطباء المسلمين في كل زمان ومكان.

أضف تعليق

error: