واسجد واقترب – خطبة جميلة وبسيطة

تمت الكتابة بواسطة:

واسجد واقترب , خطبة جميلة وبسيطة

حدث وأن طَلب الإخوة خطبة جميلة وبسيطة تكون بمثابة حل يُلجأ إليه عند ضيق الوقت المُتاح لإعداد خطبة الجمعة. ولذلك؛ فبين يديكم الآن خطبة بعنوان: واسجد واقترب. اقرؤوها واعطونا رأيكم.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله، أحمده ﷻ جل في علاه، وأتولى من تولاه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تبلغنا رضاه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: أيها المؤمنون؛ اتقوا ربكم، اتقوا ربكم وكونوا مع الصادقين.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الحشر].

{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [سورة النساء: الآية 131].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران].

الخطبة الأولى

عباد الله؛ اعلموا- رحمكم الله- أن الناس بهم فاقةٌ شديدةٌ، وحاجةٌ عظيمةٌ؛ ذكرها الله ﷻ في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [سورة فاطر]؛ فوصف ﷻ نفسه بالغنى، ووصف خلقه بالافتقار إليه.

وفي الجمع بينهما بيان أمرين:

  • أحدهما: كمال الخالق بغناه، ونقص المخلوق بفقره.
  • والآخر: أن حصول غنى العبد الفقير لا يكون إلا باستمناحه العطاء من الله ﷻ.

فسد حاجة الخلق وإغناؤه يكون بعبادتهم ربهم ﷻ.

وتتجلى تلك العبادة: في مقام طلب القرب منه ﷻ؛ فإن العابدين الله يبتغون القرب منه.

وقد قال الله ﷻ في الحديث القدسي: «وما تقرب إلى عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبة»[1].

فأخبر ﷻ أن من التقرب الذي يحصل به الغنى: التقرب إليه ﷻ بالفرائض تارةً، وبالنوافل تارةً.

وأكمل تلك القرب: هي القرب التي تجمع في أحوالها بين الفريضة والنفل؛ فإن أوامر الله ﷻ تكون تارةً فرضًا، وتكون تارةً أخرى نفلًا.

ويكون من تلك القرب: ما جنسه الفرض تارةً، وما جنسه النفل تارةً.

ومن تلك القرب: السجود لله ﷻ؛ فإنه يكون فرضًا في أحوالٍ، ويكون نفلًا في أحوالٍ أخرى.

ولجلالة هذا؛ أمر النبي ﷺ بأن يكون من تقربه لربه: السجود له ﷻ؛ فقال ﷻ في خاتمة سورة العلق: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [سورة العلق].

فمما يحصل به القرب من الله ﷻ باجتهاد العبد فيه: السجود له ﷻ؛ ولهذا أمر الله ﷻ به في مواضع عدةٍ إفرادًا وعمومًا:

  • فقال ﷻ: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [سورة العلق: الآية 19].
  • وقال ﷻ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [سورة الإنسان].
  • وقال ﷻ: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [سورة فصلت: الآية 37].
  • وقال ﷻ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة الحج].

فذكر الله ﷻ الأمر بالسجود في مواضع عدةٍ؛ لجلالة ما فيه من طلب القرب إلى الله ﷻ؛ المأمور به في آخر آيةٍ من سورة العلق في قوله ﷻ: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [سورة العلق].

وإن السجود لله ﷻ من أجل الأحوال التي يحصل بها القرب له ﷻ.

وفي هذا: قال النبي ﷺ: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ»[2]؛ فإذا سجد العبد كان مقتربًا إلى الله، قريبًا من ربه ﷻ.

وإنما خص السجود بهذا لجمعه بين أمرين:

  • أحدهما: في الفعل.
  • والآخر: في القول.

فأما الفعل: فذاك أن العبد يجمع نفسه منطرحًا بين يدي الله ﷻ، ملصقًا جبهته وأنفه على الأرض، ثاويًا بأركانه وأعضائه عليها؛ وذلك غاية الخضوع؛ فإنه لا توجد صورةٌ في الخضوع أعظم من كون العبد منطرحًا بين يدي الله ﷻ، ملصقًا نفسه للأرض؛ فصار هذا الفعل مقربًا لله ﷻ، جاعلًا العبد قريبًا من الله.

وأما القول: فذاك أن العبد في سجوده يقول: (سبحان ربي الأعلى)؛ فهو إذا طأطأ رأسه وخفض بدنه، أعلن أن العلو كله لله ﷻ؛ فيقول: (سبحان ربي الأعلى).

وبجريان هذه الكلمات على لسانه، يستحضر أن كل عالٍ فالله أعلى منه، وأن كل عظيم فالله أعظم منه.

فلما اجتمع هذان المعنيان في الفعل والقول ، صار العبد في سجوده أقرب ما يكون إلى ربه ﷻ.

وإذا هيئ للعبد أن يكون قريبًا من الله، فإنه ينبغي أن يغتنم قربه في أعظم شيءٍ فيه؛ وهو دعاؤه ﷻ؛ ولذلك قال النبي ﷺ في الحديث المتقدم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ فأكثروا الدعاء»[3].

وقال النبي ﷺ: «وأما السجود: فاجتهدوا في الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم»[4]؛ أي جديرٌ أن يستجاب لكم.

فإذا حظي العبد بقربه من الله ﷻ في سجوده خاضعًا له؛ فإنه ينبغي أن يغتنم سجوده بدعاء الله ﷻ؛ لأن الدعاء بعد السجود خضوعٌ بعد خضوعٍ، فهو خاضعٌ في فعله بسجوده، وخاضعٌ في قوله: (سبحان ربي الأعلى)، ثم يزداد هذا الخضوع خضوعًا بسؤال الله ﷻ ودعائه.

وقد قال الله ﷻ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [سورة البقرة].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

وهنا نجِد خطبة جمعة مكتوبة قصيرة بعنوان: أولويات العِلم والتعليم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، رب السماوات رب الأرض، رب العرش العظيم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الحي الذي لا يموت، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم محسنً إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المؤمنون! إن التقرب إلى الله ﷻ غناء فاقتنا، وسداد حاجتنا.

ومن أعظم التقرب له ﷻ: السجود له؛ كما قال الله ﷻ: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [سورة العلق].

وفيه أمرنا بالدعاء، ووعدنا بالإجابة؛ فقال النبي ﷺ: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ؛ فأكثروا الدعاء»[5]، وقال ﷺ: «وأما السجود: فاجتهدوا في الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم»[6].

وهذا السجود المأمور به له ثلاث مقاماتٍ:

  • المقام الأول: سجود الصلاة.
  • المقام الثاني: سجود التلاوة.
  • المقام الثالث: سجود الشكر.

فهذه المقامات الثلاثة يتحقق بها السجود لله ﷻ.

فأما السجود في الصلاة: فهو أعظمها وأجلها؛ ويكون تارةً فرضًا في الصلوات الخمس المكتوبة، ويكون تارةً نفلًا في سائر الصلوات النوافل؛ فيتقرب العبد لربه ﷻ ساجدًا له في صلاته.

وأما سجود التلاوة: فهو السجود في المواضع التي جعلت لذلك في القرآن الكريم؛ فإن في القرآن مواضع يسجد فيها العبد استحبابًا، ويكون هذا تارةً في الصلاة، وتارةً خارج الصلاة.

فإذا قرأ آيةً وافق فيها سجودًا استحب له أن يسجد؛ إن كان في صلاةٍ سجد في صلاته، وإن كان خارج الصلاة سجد خارج صلاته.

وأما سجود الشكر: فهو أن يسجد العبد إذا حصلت له نعمةٌ غير متوقعةٍ لم تجر بها العادة، فيسجد العبد شكرًا لله ﷻ.

فاطلبوا- أيها المؤمنون- قربكم من الله ﷻ بالسجود له في هذه المقامات الثلاثة.

واعلموا أن أولاها بالاعتناء: السجود في الصلاة؛ لأنها فرضٌ علينا.

وقد تقدم قوله ﷻ في الحديث القدسي: «وما تقرب إلى عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبة»[7].

فتقربوا لربكم ﷻ بالسجود له في المقامات الثلاثة المذكورة آنفًا، واحرصوا على السجود في صلاتكم؛ فتعاهدوها.

واعلموا أن تفويت أحدنا الصلاة = تفويتٌ للقرب من الله ﷻ.

وهذه خطبة عن موت الفجأة

الدعاء

  • اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
  • اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى.
  • اللهم اجعلنا من عبادك الساجدين، اللهم اجعلنا من عبادك الساجدين، اللهم اجعلنا من عبادك الساجدين.
  • اللهم أحينا على (لا إله إلا الله)، وأمتنا على (لا إله إلا الله)، واحشرنا جميعً في حزب (لا إله إلا الله).
  • اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام نائمين.
  • اللهم احينا على خير حال، وتوفنا على خير حال، واقلبنا جميعًا إلى خير المآل.
  • اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، وخذ بناصيته للبر والتقوى.
  • اللهم ارزقه البطانة الناصحة الصالحة، وجنبه بطانة السوء.
  • اللهم فرج كروب المكروبين، ونفس هموم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضنا ومرضانا ومرضى المسلمين.

والحمد لله رب العالمين.

  • [1] أخرجه البخاري (6502)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
  • [2] أخرجه مسلمٌ (482)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
  • [3] تقدم تخريجه.
  • [4] أخرجه مسلمٌ (479)، من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما.
  • [5] تقدم تخريجه.
  • [6] تقديم تخريجه.
  • [7] تقديم تخريجه.

وبعد؛ فقد قدَّمنا لكم -أيها الخطباء- خطبة جميلة وبسيطة؛ بعنوان: واسجد واقترب. والتي قد ألقاها الشيخ الدكتور صالح عبدالله بن حمد العصيمي -غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين-. ويُمكنكم التوجّه تاليًا إلى خطبة عن موت الصالحين. سائلين الله -الحليم الكريم- لنا ولكم كل التوفيق والسداد.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: