خطبة عن فلسطين الجريحة.. الأرض الإسلامية المباركة

خطبة عن فلسطين الجريحة.. الأرض الإسلامية المباركة

عناصر الخطبة

  • مكة المكرمة والمدينة المنورة مدينتان معظمتان عند المسلمين وتأتي القدس الشريف بعدهما في التقديس.
  • مدينة القدس الشريف غاية إسراء أكرم الأنبياء والرسل سيدنا محمد ﷺ ومنطلق معراجه الشريف الى السموات العُلى.
  • القدس الشريف مكان إعلان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول وثيقة دولية يشهد عليها أربعة من صحابة رسول الله ﷺ وتكتب باللغة العربية لغة القرآن العظيم.
  • وثيقة بيت المقدس فيها العهد والذمة والأمن والأمان لغير المسلمين في القدس لتظل القدس مدينة السلام.
  • القدس في الأرض كالشمس في السماء ستبقى تشع نور الإيمان ما بقيت الشمس في السماء.
  • المسجد الأقصى المبارك نال شرف الاسم وبركة المكان بنص القرآن (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله).

الخطبة الأولى

خلق الله ﷻ الإنسان لمهمة عظيمة واستخلفه في الأرض ليقوم بعمارتها ونشر الخير في أرجائها فقال ﷻ: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ هود: 61، وأمرنا الله ﷻ أن تكون العلاقة بين البشر قائمة على أساس من الحق والعدل، والالتزام بالأخلاق والقيم السامية، قال ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل: 90.

وجعل الله ﷻ لهذه القيم السامية حراساً يقومون بواجب الدفاع عنها والذبّ عن حياضها فقال ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» ← متفق عليه.

ثم وعد الله ﷻ هذه الطائفة بالتمكين والنصر حتى يقوم أمر الله ﷻ، فقال ﷻ ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ الصافات: 171-173.

وقد شاءت حكمة الله ﷻ أن تدور رحى المعركة بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، بين الخير والشر على أرض طيبة مباركة هي أرض فلسطين المقدسة، أرض الرسالات، ومجمع الأنبياء، وبوابة السماء، وقبلة المسلمين الأولى، منتهى إسراء نبينا ﷺ ومبتدأ معراجه، وهي أرض المحشر والمنشر، فحين سُئل نبينا ﷺ عن تلك الطائفة التي تقاتل في سبيل الحق والعدل، أجاب ﷺ «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس» ← رواه الإمام أحمد.

وهذا يؤكد الحقيقة الربانية التي لا يختلف عليها اثنان من المسلمين أن وعد الله حق، وأن القدس فسطاط المسلمين المؤمنين بربهم، وذلك ما قرره الله ﷻ في سورة الإسراء ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾ الإسراء: 4-5.

ثم يأتي الوعد الإلهي في تتمة الآيات، ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ الإسراء: 7، وعد الله – ومن أصدق من الله حديثاً – آت لا محالة، فإن الله ﷻ ناصرٌ عباده، فلنكن عباداً لله، لنكون أهلاً لتحقيق موعود الله ﷻ في النصر والتمكين ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ محمد:7.

عباد الله: لقد مثّلت فلسطين على امتداد عصور الحكم الإسلامي لها حالة فريدة ومشرقة من السلام والحرية لجميع ساكنيها من مختلف العقائد والاتجاهات، فكانت بحق مدينة السلام، ومدينة حقوق الإنسان، فحين دخلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاتحاً دخلها سلماً دون حرب أو سفك دماء، وسلّم له أهلها مفاتيح المدينة طوعاً منهم لما رأوا وسمعوا من سماحة الإسلام وعدله ورحمته، فكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهلها وثيقة تضمن لهم حق الحياة، وحق العبادة وحق العيش المشترك، فكانت العهدة العمرية، مثالاً حياً ودليلاً واضحاً على أن أرض فلسطين هي قبلة حقوق الإنسان، كما كانت قبلة لأصحاب الديانات، وعلينا أن نحافظ على هذا الإرث المشرق، والتاريخ الناصع لأمتنا، فالدفاع عن حقوق الإنسان عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، وجزء من عقيدة كل مسلم ومسلمة.

واليوم فلسطين تتعرض لهجمات تستهدف هويتها وتزور الحقائق وتطمس التاريخ، ففي الوقت الذي يحتفل به العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر لعام 1948م، نشاهد على أرض فلسطين الحبيبة الانتهاكات الصارخة لجميع معايير الكرامة الإنسانية، واعتداء على الأرض والعرض، اعتداءات لم تراعِ حق الإنسان في الحياة والعبادة والاعتقاد، فسلبت الأراضي، وسفكت الدماء، واعتدت على الأعراض، وقمعت الحريات، لذلك كان الدفاع من العرب والمسلمين عن المسجد الأقصى، وصمود أهل فلسطين ودفاعهم عن المقدسات الدينية والرباط فيه والذبّ عن حياضه، هو حماية لحقّ الإنسان في الاعتقاد، وهو أيضاً دفاع عن شرف الأمة وعقيدتها، دفاع عن حق الإنسان في صون كرامته من الانتهاك.

وصمود أهل فلسطين في وجه الجرائم البشعة، هو حماية لحق الإنسان بالحياة، ففلسطين هي عنوان حقوق الإنسان في العالم، وشعبها الصامد على أسوارها هو المدافع عن هذه الحقوق، والله ﷻ أمرنا بالرباط لحماية الدين والوطن، فالمرابطون لا ينقطع أجر رباطهم وعملهم حتى بعد رحيلهم باستشهادهم أو وفاتهم كما بين ذلك النبي ﷺ: «كل الميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتان القبر» ← رواه أبو داود في السنن.

غير أن هذه الأرض المباركة ستبقى صامدة بإذن الله ﷻ في وجه المحتلين الغاصبين، وستبقى عقيدتنا كمسلمين اتُجاهَ الحرمِ القدسيِ الشريف أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالثِ الحرمينِ الشريفين، أنَّهُ مُحتَلٌّ ومُغتَصَبٌ مِن قِبَلِ اليهود الصهاينة المعتدين، فَكَّ اللهُ أسرَهُ ودَحَرَ عنه عدُوَّهُ وعدُوَّ المسلمين، ولا يستطيع أحد من الناسِ نَزعَ هذا الرابطِ العقائدي الوَثيقِ من قلوبِ المسلمين، أو حتى استبدالَه برابطٍ قوميٍ تضاريسي، وقضية القدس هي قضية المسلمين جميعاً، يبذلون لأجلها المهج والأرواح.

⬛️ مُقترح: خطبة عن المسجد الأقصى وما جرى فيه من أحداث مؤسفة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

عباد الله: إن تضامن جميع المسلمين اليوم مع الشعب الفلسطيني يكون من خلال دعم صمود الشعب الفلسطيني وحقه في الدفاع عن كرامته وحقه الإنساني، تنفيذاً لوصية النبي ﷺ عندما حث على الإقامة: قال ذي الأصابع: يا نبي الله إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا، فقال: «عليك ببيت المقدس فلعل أن ينشأ الله لك ذرية تغدو إلى ذلك المسجد وتروح» ← رواه الإمام أحمد.

فيجبُ على أمةِ الإسلامِ اليومَ، القيامُ بالعملِ الجادِّ على تربيةِ هذا الجيلِ الجديدِ تربيةً إسلاميةً صحيحة، والرغبةِ في الدفاع عن حقوق الإنسان واسترجاعِ الحقِّ الضائع، من خلال ربط الأجيال بالمسجد الأقصى المبارك ليبقى مهوى الأفئدة، وأحد أقدس مقدساتهم، والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في العيش على ترابه الوطني حياةً ملؤها العزة والكرامة والحرية.

وإننا كمسلمين في هذا الوطن الأشم، نستبشر خيرا ًونحن في أرض الحشد والرباط وتحت الراية الهاشمية المباركة بعودة المسجد الأقصى إلى حوزة المسلمين.

والحمد لله رب العالمين..

أضف تعليق

error: