وصية عيد الأم 2024: أبذل البر بمعناه الواسع الكبير

وصية عيد الأم

عندما نتحدَّث عن عيد الأم 2024؛ فإننا بذلك نتحدث عن بحر الحب الذي في قلوب أمهاتنا؛ ونهر الحنان الذي تدفَّق من عروقهنَّ؛ وماء الحياة يوم أن سقونا في صغيرنا. نتكلم عن حلوة اللبن؛ وعن وصيتنا لكل الأبناء في هذه المُناسَبة.

هل تعتقدون أن الأم والأب لا يخطئون؟

لكن أين الابن الذي لا يرى من أمه وأبيه إلا الصواب؟ حتى لو أخطأوا؛ لو خالفوا هوانا؛ لو أغضبونا؛ هم على صواب. حتى لو أخذوا أموالنا.

أليس الحبيب ﷺ يقول “أنت ومالك لأبيك”. ويقول “الولد من كسب أبيه”.

الأم قدمت لك هذا الدم بأمر الله في عروقك؛ فقد تغضبك يومًا من الأيام؛ وقد تختلف مع زوجتك أحيانا؛ وقد تختلف مع أبنائك أحيانا. بل وقد تخالف هواك أنت أحيانًا.

قد يرتفع صوتها عليك؛ قد تشتمك، تلعنك، ترميك، تهجرك، تقل لك في يوم من الأيام: أخرج لا أريد أن أراك.

ما هو من موقفك أيها الابن؟

إخضع، واخفض جناح الذل، وانكسر بين يديها وبين يدي والدك.

إن من الاختبارات في البر يا معاشر الأبناء، أن يرزق أحدنا أُم أو أب ليس على هواه.

فليس البر أن والدي ووالدتي يأتون على هواي؛ البر أن أُمشّي أنا هواهم وفق رغباتهم حتى ولو خالفت هواي واحتياجي.

ما أجمل أن يكون أحدنا موطنًا نفسه أنه لا يغضب قطّ مدى عمر الوالدين.

لا تغضب

قد يرمي عليك كلمة، ينسى جميلا لك، ينسى معروف لك؛ قد يمدح والدك أو والدتك شقيقك الأصغر، أو يثني على شقيقك الأكبر؛ وأنت لا أحد يمدحك، ولا يُثنى عليك، ولا يُذكَر لك معروف؛ ومع ذلك اصبر عليهم ورابط وجاهد.

واعلم أن الكبير إذا كبُر في السن تضعف قواه ويُرد إلى أرذل العُمر.

السلف القدوة

من السلف من رافق ولده عشرات السنين، وقد زال عقله. ومنهم من حجَّ بأمه وقضت حاجتها على ظهره وما اشمئز. ومنهم من تضربه أمه ضرب الأطفال وهو عالم من علماء المسلمين؛ وما تغير وما بدَّل وما تحوّل.

فلننظر إلى نهر الحنان؛ أمي وأمك، وأبي وأبوك؛ فلنذهب إليهم، نقبل الأيادي؛ بل نُقبِّل الإقدام عند المراضات، وننظُر إليهم ونقول “الحق لكم؛ وليس لنا عليكم حقٌ”.

صِدق البِرَ

إذا صدق الابن في البِرَ؛ فسيتحمَّل كثيرًا من الآلام التي قد يشعر بها الأب والأم. سيفديهم بنفسه.

هناك آلامٌ تقع على بدن الأم والأب؛ هناك آلام تقع عليها تحتاج إلى ابن بَرْ يكون حِذاءً دون كُل شوكةٍ يطأونها.

بِرُّ الفضل بن يحيى البرمكي لأبيه في السجن

الفضل بن يحيى البرمكي؛ عندما سجنتهم هارون الرشيد رحمه الله. سجن الفضل مع والده في زنزانة في قلعةٍ سخرية؛ وكان الجو شاتيًا بارِدًا جدًا.

وكان الأب متعود على ألا يستخدم إلا الماء الدافئ؛ كان مُنعَّم؛ لكن غضب عليهم هارون رحمه الله.

فلما أن رأى والده يريد الوضوء؛ وليس عنده في الزنزانة إلا ماء زمهرير بارد، ما كان منه إلا أن الحف والده، ثم أخذ إبريق الماء ثم وضعه على شمعةٍ.

جلس الليل كله يسخن ماء وضوء والده على شمعة. فلما استيقظ والده لصلاة الفجر، إذا هو يوضيه بماءٍ دافئ.

رأى السجّانُ هذا الواقع من الابن مع أبيه؛ فقال: لأخذنَّ الشمعة منهم. وفي الليلة القابلة إذا بالسجان يأخذ الشمعة منهم؛ والتفت الفضلُ إلى أبيه وهو يكاد يموت بردًا؛ وقد الحفه لحافه؛ لكن لا يكفي؛ الماء لا بد من أن يكون دافئا، كيف دفّأ الفضل بن يحيى البرمكي الماء الذي توفى به والده؟

فتح القميص والصق إبريق الماء الذي هو في شدة درجات البرودة في بطنه، وحضنه الليل كله.

فلما استيقظ والده؛ فإذا ببدن الفضل قد دفَّأ الماء لأبيه.

الفضل الحق نفسه بالأذى، وما التفت إلى البرد الذي أكل بدنه؛ بما أن والده قد نام دافئا وتوضأ بماء دافئ.

وصية عيد الأم 2024

أحبابي؛ نُذكِّركُم بمناسبة عيد الأم 2024 بأن هؤلاء البررة كانوا ينسون أنفسهم وتعبهم. ولكن انظر إلى بعضنا الآن؛ إذا لبّى أو قضى مشوارًا لأبيه أو أمه لربما ظن أنه قد بلغ البر كُلَّه.

كان سلف الأمة عليهم رحمة الله يرون الآباء والأمهات؛ لا يرونهم أنهم بشر فقط؛ إنما يرون أن الله أنزل لهم أبواب الجنان تمشي على الأرض وتجري تحتها الأنهار البر؛ لذلك كانوا يلزمونهم.

فيا من يريد السعادة؛ إياك أن تُحزِن قلب أبٍ أو أُم؛ وإياك أن يتمنوا برك ثم لا يجدوه؛ وإياك أن تبخل على نفسك أنت بالبِر.

وتذكَّر: أُمك لا تريد من هدايا عظيمة وباهِظة الثمن، بقدر ما تُريدُ مِنك حُبًا وحنانًا.

  • يا رب اجعل جزاء والدينا عليك يا رب العالمين.
  • يا رب جازِ والدينا عنا خير ما جازيت والدًا عن ولده.

كَم صبروا علينا؟ نحن نسينا المواقف المؤلمة لهم؛ فطفولتنا لربما كانت ليس طفولة هادئة؛ بعضنا طفولته كانت طفولة عنف وشقاء وفرط حركة؛ لكن بعضنا ينسى ما صبر عليه والدهُ ووالدته.

من أجمل القصص

قصة مشتهرة، لكن بها مغزى جميل. أنَّ بعض بالآباء في كبرهم إذا ضاقت بهم الحيل ومرضوا ووهنوا وشاخوا وسكنت الأمراض أبدانهم؛ ابتدأوا يغضبون أحيانا، يرفعون أصواتهم، يكررون القصة مرة ومرة ومرة.

ومع ذلك؛ الأبناء قد يضجرون ويغضبون؛ أما الأب والأم فإنهم في هدوءٍ وسكينه -في العموم الغالب-.

يُروى أن رجلا كبير سِنْ، جلس مع ابنه الثلاثيني؛ وقد نزل في حديقة المنزل غراب.

فالتفت هذا الأب لابنه، وقال: ما هذا؟ قال الابن: غراب.

والابن معه كتاب يقرأه؛ وبعد قليل كرر الأب عليه السؤال: ما هذا؟ قال: غراب. فسكت الأب؛ وبعد قليل ناداه، ما هذا؟ قال: أما تسمع؟ غراب.. غراب.. ثم سكت الأب قليلا ثم التفت إلى ابنه وقال: يا بني، ما هذا الطائر؟ قال: أما تسمع؟ أما تفهم؟ قلت لك: غرااااب، ثم رمى بالذي في يده ودخل البيت.

قام هذا الاب ودخل البيت وأحضر مذكرة أو مفكرة قديمة، لها عمر كعمر عمر  هذا الابن.

فدخل عليه وهو يُزمجِر؛ ففتح عليه صفحة من صفحات المفكرة التي تذكره بالتاريخ الماضي؛ قال: اقرأ.

فقرأ الابن -ما كتبه الأب عنه عندما كان صغيرًا-: قال لي ابني عند صغيرة لغراب نزل في الحديقة: ما هذا؟ فقلت له: غراب. وكررها: ما هذا؟ قلت له غراب… تكرر عليَّ السؤال أكثر من ثلاثين مرة، ولازلتُ أقول: غراب.. غراب.. غراب. فلما سكت من السؤال ضممته وقبلته.

ختامًا

هل نصبر على آبائنا هذا الصبر؟ والله لقد صبروا علينا صبرا كالجبال الراسيات.

فادعوا لهم عند الكِبَر واصبروا؛ وعليكم بالحِلم، وجاهدوا، وابتسموا؛ وانظروا إليهم بعين الرحمة؛ فطال ما تعبوا وهم يصبرون علينا في النشأة الأولى.

أضف تعليق

error: