معركتنا الأزلية مع الطمأنينة

معركتنا الأزلية مع الطمأنينة

“ربنا يعطي لك ما تتمناه لي”، “ربنا يديك على قد نيتك وضميرك”، دعوات طالما تبادلناها في معظم المناسبات. وكان الرد عليها: “ربنا يرضي علينا على قد حبنا للناس”…

ملحوظة: هذا الكلام كان قبل عقود قبل أن نغرق في مستنقع الكراهية والأحقاد… قبل أن نستجيب لنداهة التفكير المادي والعلاقات النفعية… قبل أن يتحول شعار الكثير منا لـ”المصالح تتصالح”.

نضع على الوجوه أقنعة المحبة التي تسقط مع أول صدام أو تعارض مصالح… نربي أبناءنا على الكراهية فنغرس فيهم أنهم لابد أن يكونوا أفضل من الجميع… لا نهتم بشئوننا بقدر اهتمامنا بشئون الغير لا لشيء إلا لتمني زوال نعم وأفضال الله عنهم… .الفقير يكره الغني حتى لو كان شريفا فمجرد ثرائه تهمة في أعين المرضى النفسيين ممن يعترضون على توزيع الله للأرزاق.

والغني يملك كراهية مضاعفة للفقير حتى ولو كان كفأ وموهوبا ولديه مؤهلات ومهارات تجعله يستحق مراكز ومناصب ومهنا متميزة إذ يري المرضى العقليون من هذا الفريق الثري أن الفقير لابد أن يظل عبد إحساناتهم ولا يتساوي بهم ويتخذون من ثرائهم وسيلة لإذلاله وإفساد حياته بالنمط الاستهلاكي من الحياة الذي يروجون له بين الفقراء باعتباره غاية المني فيفقدوا الفقراء الضعفاء ضميرهم وشرفهم في رحلة السعي للوصول لعتبات هذا النمط الذي التهم صفاء أرواحنا ونقاء سريرتنا وسلامة قلوبنا وحولنا لضباع تركض دون توقف من أجل المال.

يكره بعض المسلمين المسيحيين والعكس صحيح والاثنان يتفقان على كراهية الملحد وكأن الجميع يزايد على الله الذي منح محبته ونعمه للكل بالتساوي ولم يفرق بين أحد من خلقه على أساس دين أو عرق أو لون… ينزل الله المطر والنعم على المؤمن والملحد ونحن ننزل على كل من يختلف معنا في كافة المجالات اللعنات والسباب.. تقطعت بنا سبل المحبة ووقعنا في دوامة الكراهية التي لم ينج الله منها إلا فئة مستضعفة تحارب من كل الاتجاهات.

لم يعد في معظم الأحيان الطبيب ملاك رحمة بل سمسار مرضي وأدوية وتعاقدات مع المعامل والمستشفيات لتوريد الزبائن فـ”الخمس عيون” عنده أهم من شفاء مريض وإعادة الأمل لحياته… .”اللي معهوش ميلزموش” علاج ولا تعليم فالمدرس القدوة ومربي الأجيال تحول لسمسار أيضًا لتوريد رؤوس بشرية لمراكز التعليم الخصوصية والمدارس مجرد أماكن لصيد الزبائن من سن أربعة أعوام… ووسط هذا الكم من العفن النفسي يتألق معظم التجار الذين تحولت تجارتهم لمص دماء الناس والتلاعب بأرزاقهم وأقواتهم.

الفلاح لم يعد –كذلك– مؤتمنا على خيرات الأرض بعد أن تحول هو أيضا لسمسار لتصدير الأمراض نتيجة المبيدات التي يرشها بهستيريا لضمان سرعة نمو المحصول ولو كان الثمن صحة وأرواح أبرياء.

لا لسنا أبرياء تماما فلكل منا جريمة كراهية يمارسها في حياته وعمله فنحن بالفعل بؤساء بحياة لا محبة فيها حتى لشريان حياتنا فالنيل الذي نتباكي ليل نهار على ضياع جزء من حصتنا من مياهه عند اكتمال امتلاء سد النهضة ماذا نفعل به؟ نبث فيه كراهيتنا للحياة.. للأمل والجمال نلقي داخله بكل ضغائننا ضد الكون ثم نصرخ من شرب المياه الملوثة التي تسبب الفشل الكلوي وأمراض الكبد.

لا أحد في مصر بريء كلنا نمارس الكراهية تجاه بعضنا البعض بعد أن نزعت محبة الله من قلوبنا وخشيتنا من لقائه فبعنا الآخرة من أجل الدنيا فظهر الانهيار الأسري والإدمان والانحلال الأخلاقي والتحلل الاجتماعي وظهرت الأمراض النفسية بل استشرت كأنها وباء فلا أعرف كيف يأتي لشخص اكتئاب وأمه على قيد الحياة!!… كيف يفكر شاب في الانتحار وله أسرة تدعمه وتحيطه بمحبتها!! لماذا يتعاطي البعض مهدئات وله أصدقاء لا يشعر معهم بالوحدة أو الغربة!! لقد انتشرت الأمراض النفسية لأنه لم يعد هناك علاقات أسرية أو اجتماعية سليمة.

والمحبة ليس المقصود بها الكلام المعسول واللسان المدرب على النفاق بل تكمن في الرضا بتقسيم الله للأرزاق… والعودة لجوهر الهدف من خلقنا وهو عبادة الله بالعمل الجاد المخلص الشريف… العمل المتقن الذي يجلب السعادة للغير ومنها تأتي السعادة الشخصية… بالعدل الذي يقوم الناس إن عصت أو تمردت وساءت أخلاقها كما قال عمر بن عبد العزيز.

بالمحبة فقط سيشرق على مصر صباح جديد وبدونها سنظل نبني فوق مستنقع كراهية لن يبقي أوطانا… فلماذا سنبني أبراجا سكنية إذا كان سكانها يتقاتلون على توافه الأمور!! ولماذا سنبني محطات كهرباء إذا كان بعضنا لا يطيق رؤية الآخر!! سنفتح مليون جريدة أو فضائية لماذا وجميعها تحرض على الانقسام والتفتت وبغض البعض للبعض!! لماذا نبني وطننا وجميعنا خائف من الآخر وكأننا في معركة أزلية مع الطمأنينة.

بقلم: الهام رحيم

أضف تعليق

error: