خطبة مشكولة عن السعادة والشقاء.. من الوصايا النبوية الجليلة

خطبة مشكولة عن السعادة والشقاء.. من الوصايا النبوية الجليلة

وهنا مع بعض من الوصايا النبوية الجليلة. نعم؛ إنها خطبة مشكولة عن السعادة والشقاء نسوقها إليكم لتكون حجر أساس لمن يريد -من الخطباء- إعداد خطبة جمعة عن هذا الموضوع، وبهذا العنوان. أو تكون ضِمنًا لمن يريدون تحضير خطبة الجمعة القادِمة عن موضوع قريب من هذا العنوان وهذا المحتوى. لِـذا؛ فلكم هذه الخطبة المُباركـة.

مقدمة الخطبة

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، مُثِيبِ عِبَادِهِ بِالحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالجَزَاءِ الأَحْسَنِ يَوْمَ الدِّينِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، يُحِبُّ الشَّاكِرِينَ وَيَجْزِي المُحْسِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، ﷺ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ.

أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فَقَدْ سَعِدَ مَنِ اتَّقَاهُ، وَفَازَ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.

الخطبة الأولى

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ السَّعَادَةَ مَطْلَبُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي هَذَا الوُجُودِ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ يَبْحَثُونَ عَنْهَا فِي مَوَاضِعَ شَتَّى؛ فَمِنْهُمْ مَنْ بَحَثَ عَنْهَا فِي الجَاهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَحَثَ عَنْهَا فِي تَحْصِيلِ المَعْرِفَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَحَثَ عَنْهَا فِي المَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَحَثَ عَنْهَا فِي المَنْصِبِ، لَكِنْ وَجْدَنَا مَنْ نَالَ حَظًّا مِنَ الجَاهِ وَلَمْ يَسْعَدْ، وَهُنَاكَ مَنْ نَالَ حَظًّا مِنَ المَعْرِفَةِ، وآخَرُ نَالَ حَظًّا مِنَ المَالِ، وَرَابِعٌ آتَاهُ اللهُ مَنْصِبًا، وَلَمْ يَجِدُوا السَّعَادَةَ فِيمَا أُوتُوا، وَلَيْسَ الأَمْرُ مُتَعَلِّقًا بِالحُصُولِ عَلَى حُظُوظٍ مِنْ تِلْكَ النِّعَمِ، إِنَّمَا الشَّأْنُ مُتَعَلِّقٌ فِي شُكْرِ هَذِهِ النِّعَمِ وَجَعْلِهَا فِيمَا يَنْفَعُ وَيُفِيدُ؛ طَالِبًا بِهَا مَنْ أُوتِيَهَا مَرْضَاةَ اللهِ ﷻ.

وَتَعَالَوْا بِنَا إِلَى نَبِيِّ اللهِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِنَرَى مَا كَانَ مِنْهُ وَقَدْ رَأَى نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ تَزِيدُ وَتَأْتِيهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ؛ فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَنِ انْطَلَقَ لِسَانُهُ مُعَبِّرًا عَمَّا امْتَلأَ بِهِ قَلْبُهُ مِنَ الشُّكْرِ للهِ فَقَالَ: ﴿هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.

عِبَادَ اللهِ: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾، وَمَا خَلَقَ اللهُ البَشَرَ لِيَشْقَوْا بَلْ خَلَقَهُمْ لِيَسْعَدُوا.

وَقَدْ عَرَّفَ اللهُ الإِنْسَانَ طَرِيقَ السَّعَادَةِ، وَحَذَّرَهُ مِنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ المُؤَدِّيَةِ إِلَى الشَّقَاءِ؛ فَإِنَّ اللهَ ﷻ يَقُولُ: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾، وَمَا أَسْهَلَ طَرِيقَ السَّعَادَةِ وَمَا أَبْيَنَهَا!

وَلْنَتَذَكَّرْ – عِبَادَ اللهِ – أَنَّ السَّعَادَةَ شَأْنٌ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْسِ لا بِالجَسَدِ؛ فَالنَّفْسُ هِيَ الَّتِي تَسْعَدُ وَتَشْقَى، وَتَظْهَرُ آثَارُ السَّعَادَةِ عَلَى الجَسَدِ، كَمَا تَظْهَرُ آثَارُ الشَّقَاءِ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ وَلِذَلِكَ تَجِدُ الإِنْسَانَ يَسْمَعُ كَلِمَةً طَيِّبَةً أَوْ يَأْتِيهِ خَبَرٌ سَارٌّ أَوْ يَرَى حَسَنًا مِنَ الأَفْعَالِ فَتَفْرَحُ نَفْسُهُ لِمَا سَمِعَهُ أَوْ أَتَاهُ أَوْ رَآهُ، وَسُرْعَانَ مَا يَنْعَكِسُ ذَلِكَ الفَرَحُ عَلَى جَسَدِهِ وَعَمَلِهِ وَتَعَامُلِهِ مَعَ مَنْ حَوْلَهُ وَمَا حَوْلَهُ، وَالضِّدُّ بِالضِّدِّ؛ فَإِنْ أَتَاهُ خَبَرٌ يَسُوؤُهُ أَوْ رَأَى مَا يُحْزِنُهُ أَوْ سَمِعَ كَلِمَةً آلَمَتْهُ انْعَكَسَ ذَلِكَ عَلَى جَسَدِهِ، وَرُئِيَ فِي تَعَامُلاتِهِ مَعَ مَنْ حَوْلَهُ وَمَا حَوْلَهُ.

وَمَا أَبْيَنَ هَذَا المَعْنَى فِي قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ».

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ رَبَّنَا ﷻ يُرِيدُ لَنَا أَنْ نَسْعَدَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، وَقَدْ حَكَى اللهُ لَنَا مَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ نَاصِحِي قَارُونَ حِينَ قَالُوا لَهُ:  ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾، ثُمَّ بَيَّنُوا لَهُ طَرِيقَ السَّعَادَةِ فِي كَلِمَاتٍ مَعْدُودَةٍ عَظِيمَةٍ، مَنْ عَمِلَ بِهَا وَجَدَ الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالجَزَاءَ الأَحْسَنَ فِي الآخِرَةِ؛ فَقَالُوا لَهُ نَاصِحِينَ: ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنَ الوَصَايَا النَّبَوِيَّةِ الجَلِيلَةِ قَوْلَهُ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَهْدِ البَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ»، وَمَنْ تَتَبَّعَ القُرْآنَ العَظِيمَ وَجَدَ سِتَّةَ أَشْيَاءَ ذُكِرَ عِنْدَ ذِكْرِهَا انْتِفَاءُ الشَّقَاءِ، وَإِذَا انْتَفَى الشَّقَاءُ كَانَتِ السَّعَادَةُ، وَتَحَقَّقَتِ الحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ.

وَأَوَّلُ تِلْكَ الأَشْيَاءِ القُرْآنُ الكَرِيمُ؛ فَإِنَّ اللهَ ﷻ يَقُولُ: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾.

وَثَانِي تِلْكَ الأَشْيَاءِ اتِّبَاعُ هُدَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ سَلِمَ مِنَ الحَيرَةِ، وَنَجَا مِنَ الشَّقَاءِ، وَقَدْ قَالَ رَبُّنَا ﷻ: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾.

وَثَالِثُ تِلْكَ الأَشْيَاءِ خَشْيَةُ اللهِ، وَهِيَ الخَشْيَةُ الَّتِي لا تُشْبِهُ غَيْرَهَا مِنَ الخَشْيَةِ؛ فَخَشْيَةُ غَيْرِ اللهِ قَلَقٌ وَاضْطِرَابٌ وَحُزْنٌ وَهَمٌّ، وَخَشْيَةُ اللهِ طُمَأْنِينَةٌ لِلْقَلْبِ وَرَاحَةٌ لِلنَّفْسِ، وَحَمْلٌ لَهَا عَلَى عَمَلِ الخَيْرِ وَالبُعْدِ عَنِ الشَّرِّ، يَقُولُ المَوْلَى ﷻ: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى﴾.

أَقولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيمُ.

وهنا خطبة: فضيلة الصفح وسمو الاعتذار من أخلاق المسلمين

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ ذِي الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، الدَّاعِي إِلَى دَارِ السَّلامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، ﷺ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ البَرَرَةِ الكِرَامِ.

أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-. وَاعْلَمُوا أَنَّ رَابِعَ الأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ عِنْدَ ذِكْرِها انْتِفَاءَ الشَّقَاءِ بِرُّ الوَالِدَيْنِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ ﷻ عَلَى لِسَانِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾.

وَخَامِسُ تِلْكَ الأَشْيَاءِ الدُّعَاءُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الدُّعَاءُ! فَنَاجِ رَبَّكَ، وَاسْأَلْ مَا شِئْتَ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ فَإِنَّ المَسْؤُولَ عِنْدَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، يَقُولُ الحَقُّ ﷻ عَلَى لِسَانِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾.

وَتَمَامُ الخَيْرِ كُلِّهِ تَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، يَقُولُ رَبُّنَا ﷻ: ﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾.

وَالمُتَّقُونَ مَنْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ ثَمَرَاتُ العِبَادَاتِ؛ فَصَلَحَ مَا بَيْنَهُمْ وبَيْنَ اللهِ، وَصَلَحَ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ، ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.

هذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ الأَمِينِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِذَلكَ حِينَ قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد

وبعد أن ذدمت لكم -إخواني- خطبة مشكولة عن السعادة والشقاء؛ هذه أيضًا خطبة عن كرم الله في عفوه وعطائه. نسأل الله ﷻ أن تنتفعوا بها وبغيرها من الخطب المنبرية؛ اللهم آميـن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top