لتقوية ذاكرة طفلك.. أطعميه غذاء متوازن

لتقوية ذاكرة طفلك.. أطعميه غذاء متوازن

«رنيم» تسأل: سمعت أن هناك بعض الأطعمة التي تزيد من القدرة على التركيز وتقوي القدرة على الحفظ لدى الأطفال، فما هي هذه الأطعمة؟ وسبب هذا السؤال أن لي صديقة طفلها يبلغ من العمر 6.5 سنوات، وقدرته على التركيز ضعيفة، وما دلنا على هذا أن مدربه يقول له مرارًا: “انتبه”، كما أنه لا يستطيع حفظ أكثر من سورة صغيرة كل أسبوع، بالرغم من أني قرأت في كتاب “فن تربية الأولاد في الإسلام” للأستاذ محمد سعيد مرسي أن الأطفال لديهم القدرة على حفظ نصف جزء وثلاثة أحاديث نبوية في المتوسط كل أسبوع، كما أن أخته ولديها 4 أعوام أجد أنها تحفظ أسرع منه، ولكم مني جزيل الشكر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

⇐ د. نبيل حنفي زقدان «أخصائي طب الأطفال» قام بالرَّد على الاستشارة؛ فقال: الأخت العزيزة.. منذ فترة سألتني إحدى الأخوات من خلال نفس الموقع عن أطعمة قد تساعد على نمو الشعر وأطعمة أخرى قد توقف نموه. وكانت إجابتي عليها: بأني لا أعرف أطعمة من هذا القبيل، واستحلفتها بالله إن دلَّها أحد على مثل هذه الأطعمة أن تبلغني بها لأني -شخصيًّا- في حاجة لمعرفة مثل هذه الأطعمة السحرية. ومضت على الرسالة عدة أشهر، ولم يصلني أي رد من الأخت الكريمة حتى الآن.

ومرة أخرى لا أجد ردًّا على رسالتك إلا ما قلته للأخت الكريمة سابقًا. ولكن دعيني أسألك: لماذا لم يخبرك الذي قال لك إن هناك أطعمة تزيد القدرة على التركيز والحفظ عن هذه الأطعمة؟ أم أنه “قد سمع” من آخرين كما سمعت أنت منه.

على كل حال سأنتهز هذه الفرصة لأجمل القول في موضوع “الغذاء”، وعلاقته بالصحة والمرض، وبالطبع فإن هذا الموضوع لا يمكن مناقشته تفصيلاً من خلال استشارة على الإنترنت؛ لأن موضوع “الغذاء” أصبح علمًا كاملاً يسير جنبًا إلى جنب مع علمي الطب والصيدلة لخدمة البشرية، ولكن علم “التغذية” ما زال يحبو بالنسبة لعلوم الطب والصيدلة، وذلك –من وجهة نظري الشخصية- لكثرة المتطفلين على هذا العلم ابتداء بالجدة، ومرورًا بالجارة وانتهاء بالعطارين والبقالين، هذا بالإضافة إلى أن الأبحاث التي تُجرى في علم الأغذية تدار بطريقة بدائية وعشوائية، ولا يكاد يمر يومًا إلا وتقرأ في الجرائد والمجلات أخبار عن اكتشافات وهمية، وأبحاث متضاربة في علم التغذية، على غرار: ثبت علميًّا بعد دراسة تمت في جامعة كذا أن الطعام الفلاني يقي من المرض العلاني!.

وفي عدد واحد من مجلة غذائية قرأت موضوعات تحت العناوين الآتية:

فول الصويا يكافح السرطان – ثمار التوت والعنب تمنع نمو السرطان – السمك يقلل احتمالات الإصابة بجلطات الدماغ – البصل يفيد في علاج انتفاخ البطن وتورم الساقين.

وفي جولة سريعة على الإنترنت لمدة نصف ساعة فقط قرأت الموضوعات الآتية:

السمك يحمي من السرطان – السمك يقي من سرطان الثدي – الرمان طبيب القلوب – ثمار الخوخ تمنح السعادة والسرور – الزنجبيل، والكرفس، والقرفة، والقرنفل تزيد من النشاط الجنسي.

ومن أعجب ما قرأت أخيرًا في إحدى الصحف الخضراء (وليست الصفراء) أنه ثبت أن القهوة تقي من الأزمات القلبية. واليوم قرأت في نفس الصحيفة تحقيقًا كاملاً عن الأعشاب المنشطة للجنس ذكر فيه ما يقرب من عشرين نوعًا من هذه الأعشاب دون الإشارة إلى مصادر بحثية يعتد بها، ودون أن يوضع في الاعتبار المضعفات أو المشاكل التي قد تنجم عن استعمال مثل هذه الأعشاب بدون أساس علمي صحيح.

أما بالنسبة لموضوع “ضعف الذاكرة” والذي نحن بصدده فقد قرأت -والعهدة على الباحث- أن الدراسات أثبتت أن الحديد والزنك يقويان الذاكرة، وفي بحث آخر قرأت أن الكالسيوم والفسفور لهما نفس المفعول السحري.

وإذا أخبرتك الآن عن الأغذية التي تكثر فيها هذه العناصر، ستكتشفي أن ابن جارتك والذي يعاني من ضعف الذاكرة وقلة التركيز، يتناول هذه الأطعمة بكثرة ولكن دون جدوى.

فالأطعمة الغنية بالحديد هي: اللحوم الحمراء، ولحوم الأعضاء مثل الكبد، والقلب، والخضراوات الخضراء، والبقول. أما الزنك فهو موجود بكثرة في اللحوم والمكسرات، أما الكالسيوم والفسفور فهما موجودان بكثرة في الألبان، وصفار البيض، والبقول، والسمك.

فهل يوجد طفل في أمريكا لا يتناول اللحوم، والأسماك، والبيض، واللبن، والمكسرات.. ناهيك عن الكفيار، والهامبورجر، والبيتزا، وأكباد الأوز البري، وصدور الديوك الرومي.. واللهم لا حسد!.

لذلك فإني أنصح في حالة هذا الطفل بالآتي:

  • إعطاء الطفل غذاء متوازن ومتنوع دون التركيز على صنف معين على حساب الصنف الآخر؛ لأن الجسم في حاجة لكل العناصر الغذائية المختلفة بنسب معينة، مع مراعاة أن الإسراف في أي نوع قد يكون له ضرر بالغ على الجسم، حيث إن الغذاء “دواء وداء”.
  • تقييم حالة الطفل عقليًّا ونفسيًّا، فقد تكون ملكة الحفظ عند الطفل أصلاً ضعيفة أو متوسطة، وفي هذه الحالة يأتي دور التعليم والتمرين لتنمية القدرات الموجودة وتوظيفها بقدر الإمكان.
  • وأما عدم التركيز فإنه بالإضافة إلى ما سبق قد يكون له أسباب نفسية يمكن الكشف عنها وعلاجها لدى طبيب نفسي.

وأرجو ألا يؤخذ كلامي هذا كله على أنه هجوم على إخوة لنا من المختصين بعلوم الأغذية والطب البديل، ولكنه دعوة إلى حماية هذين المجالين الواعدين من الطفيليين، وتشجيعًا على الارتقاء بمستوى الأبحاث، وتطويرها على أسس علمية صحيحة، وتجدر الإشارة إلى أنه في كثير من الأحوال يعجز الدواء، حيث ينجح العشب والغذاء.

أما موضوع المقدرة على الحفظ فقد ذكرت أنك قرأت في كتاب “فن تربية الأولاد” أن الأطفال لديهم مقدرة على حفظ نصف جزء من القرآن الكريم أسبوعيًّا، وقد يكون الكتاب قد قصد بعض الأطفال العباقرة من أحفاد شيخ القراء “أبي بن كعب” -رضى الله عنه-؛ لأن الطفل الذي يحفظ نصف جزء في الأسبوع يستطيع أن يحفظ القرآن كله في سنة واحدة وعدة أسابيع. ومن خلال خبرة شخصية فإن القرآن الكريم قد يحتاج لخمس سنوات على الأقل لإتمام حفظه، بالنسبة للأطفال الذين لديهم أصلاً ملكة حفظ عالية مع تفرغ كامل للمهمة وقليل ما هم. هذا بالإضافة إلى أن الأصعب من الحفظ هو المحافظة على ما تم حفظه، والأهم من هذا وذاك هو العمل بما جاء به القرآن الكريم.

مع التمنيات الطيبة للجميع بالصحة والسعادة.

ويمكنك أيضًا مطالعة الاستشارات والموضوعات التالية لمزيد من المعلومات:

يضيف فريق الاستشارات التربوية:

بالنسبة للجزء الخاص بقوة تركيز الطفل وقدرته على الحفظ، فلا بد أن نشيد باهتمامك بحفظ القرآن الكريم، ومتابعة تركيزه وقوة استيعابه، فهناك حقيقة مرتبطة بموضوع التركيز لا بد من الإشارة إليها؛ لأنها تعين الأمهات على فهم الحدود الفاصلة بين الطبيعي والسلوك غير الطبيعي الذي يحتاج إلى مساعدة.

فبالنسبة لموضوع التركيز عند الأطفال (مدة التركيز = السن + دقيقة أو دقيقتين على الأكثر)، هذا يعني أن تركيز ابن الخامسة معدله الطبيعي 5 دقائق فقط، وكذلك ابن السادسة معدله ست دقائق، وهكذا…، وبالتالي فإن كان معدل الطفل طبيعيًّا وفقًا لهذه القاعدة فإن ما علينا هو تنمية قدرة الطفل على التركيز، وذلك بالقيام ببعض المهام البسيطة:

– لا تدفعي ابنك إلى الجلوس فترات طويلة، ولكن ابدئي بمدة بسيطة (10 دقائق – 15 دقيقة) على أكثر تقدير، تجلسين خلال هذه الفترة بجانبه تشجعينه على القيام بالحفظ، بينما تقومين أنت بالثناء عليه وعلى تركيزه وبراعته.

– حدِّدي له مكافأة لو استطاع التركيز فيما هو مطلوب منه لمدة تحددينها (10 دقائق مثلاً) وتشرحين له -ماسكة بساعةٍ كبيرةٍ أمامه-: “عندما يقترب العقرب من هذا الخط تكون المدة المحددة قد انتهت”.

لا يفضل أن تكون المكافأة دائمًا ودومًا مادية، التنوع مطلوب، فلتكن مرة مادية بسيطة، ومرة معنوية كالتنزه معه، أو مع والده، أو زيارة لأحد الأصدقاء.

– توصيل رسالة إلى الطفل “نحن جميعًا نسعى لراحتك”؛ ولذلك فسوف نقسم ما عليك من الحفظ إلى مرحلتين: مرحلة (10 دقائق)، ثم راحة، ثم تتبعها مرحلة ثانية (10 دقائق)، وليكن أسلوب الكلام مع الصغير مفعم بالتشجيع والثناء عليه، هذا هام، بل في قمة الأهمية؛ حتى لا يتسرب إليه شعور بأن حفظ القرآن والدراسة همٌّ وغم لا مفرَّ منه.

– اجعلي كل همّك ليس قيامه بالحفظ، ولكن نعلمه بأن يلتزم دومًا بالقيام بما هو مطلوب منه على أكمل وجه، وهذا السلوك ليس وليد يوم وليلة، بل وليد التشجيع والترحاب بكل إنجاز ولو بسيط من ناحية، والحزم في ضرورة القيام بما هو مطلوب من ناحية ثانية.

– إذا كان الولد من هؤلاء الأبناء الأحباء الذين سريعًا ما ينتهون مما يطلب منهم، ويستغلون فائض وقتهم بالقفز واللعب مثلاً، فهذا معناه أنه يحتاج إلى تخريج طاقته في شيء ما، ولا يستطيع الصبر حتى ينتهي باقي الزملاء من الدرس أو الحفظ(إذا كان مثلا يحفظ في مجموعة)، هذا النوع من الأولاد يحتاج دومًا إلى شغله بشيء ما، فإن كانت هذه هي شكوى مدربه من سلوكه، فيُعطى -بالتنسيق مع المدرب- شيئًا يرسمه أو يلوِّنه، حالما ينتهي من تحفيظ الآخرين معه في درس التحفيظ إن كان هناك من يشاركونه درس الحفظ.

مع دعائنا لك أختنا الفاضلة، ولصديقتك بذرية صالحة من النابغين، ومن أهل القرآن الكريم الذين يقيمون حروفه وحدوده.. فهذه النقطة لا بد ألا تفارق ذهن المربي حين يعمل على تحفيظ ولده القرآن الكريم، بحيث لا يحفظ الطفل حروفًا وكلمات من كتاب الله تعالى فقط، بل يحفظ دستورًا ومنهاجًا لحياته، وكلامًا ليس كمثله كلام؛ فقد حفظ الفاروق عمر -رضي الله عنه- سورة البقرة في ست سنوات.. ولما سُئل عن هذا كان رده أنه كان حين يحفظ الآية لا يحفظ التي تليها حتى تستقيم حياته على الآية التي حفظها أولاً، ويطبقها في واقعه وحياته، وبالتالي فهو حين أتم حفظها كان قد أتم استيعابها، ووطَّن عليها نفسه، وملأ بما فيها من معانٍ قلبَه وعقلَه، وليس لسانه فقط.

نرجو أن يكون الرد وافيًا لكل ما اشتملت عليه رسالتك من أسئلة وتعليقات.

ويمكنك مطالعة الموضوعات التالية للاستزادة:

أضف تعليق

error: