دين يستحق أن يعتنقوه.. فلماذا خسرناهم؟!

دين يستحق أن يعتنقوه.. فلماذا خسرناهم؟!

«اختصرنا الإسلام في قضايا شكلية فلم نجن إلا الخسران»

مهما حاولت الهرب من قراءة الجرائد.. أجدها تطاردني رغما عني، كنت أجلس في أمان الله في ميكروباص صغير تابع للمدينة التي أسكنها لأصل إلى ميدان لبنان.. وفي يدي صديرية صوف لحفيدتي أغزلها. ورفعت رأسي في لحظة أتطلع للطريق وليتني ما فعلت.. فلمحت الجالس أمامي يقرأ في إحدى الجرائد، وكل ما وقعت عليه عيني كان مانشيت بالحجم المتوسط يقول: 55% من الإنجليز يرفضون بناء المساجد أو ضد بناء المساجد.

ليس رفض بناء المساجد هو ما جمع النكد على رأسي بل عدد الإنجليز الرافضين.. فقبلها بشهر وأيام كان 57% من السويسريين قد صوتوا ضد وجود المآذن..!

نفقد التأييد

عشنا نتباهى أن الشعوب الطيبة تعرفنا وتعرف أن الإسلام ليس إرهابا ولا قتلا، وأن كل تلك المطاردات الأمنية بداية من بصمة العين وفرق قياس فتحتي المنخار، ووصولا إلى ذلك الصندوق الذي سيسمح للموظفين بمتابعة التطورات الفسيولوجية التي تطرأ على الأجسام، وكل ما تداريه الملابس وتستره سيصبح فرجة وببلاش.. ومن يدري لو كان الجالس من أصول شرق أوسطية قد يجمع أصدقاءه حوله ليضحكون على الكروش ويتبادلون النكات حول ماترهل وما سقط، والمصيبة كل المصيبة في الزغاليل الصغيرات …!! ربنا يستر.

ما علينا.. لسنوات طويلة كان الأوروبيون يهبون مع إخوانهم المسلمين المقيمين في بلادهم يقفون معهم وقفة رجل واحد ضد الاضطهاد العام لأي حق من حقوقهم..لا تقولوا أن المشكلة بدأت مع الرسام الدنماركي النكرة الذي جعلنا منه فنانا عالميا، فعلا كما يقول المثل ” لو كل كلب عوى فهو مجرد كلب يعوي وليس أول الكلاب ولا آخرها” ..

بالعكس فهذه الرسوم دفعت الكثيرين ليقرؤون عن الإسلام وبعضهم اعتنقه فعلا، هل هذا هو السبب في ضياع تأييد الأغلبية؟ غير منطقي إطلاقا،

المفروض مع تزايد عدد مسلمي أوروبا أن تزداد الأغلبية ولا تنقص، هذا ما أتصور أنه يحتاج للبحث والدراسة وليس الصراخ في الشوارع، اليوم المآذن وغدا المساجد، الويل للكفرة !!!! ما هذه التفاهة.. ألن ننضج أبدا؟ هل سنظل أطفالا إلى الأبد؟؟ ليس لدينا نحن المسلمون أية مشكلة مع المساجد، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا؟؟

إذن فأي مكان وكل مكان يتم الاحتراز فيه من النجاسات هو مسجد قابل لإقامة الصلاة فيه، أي يسر وأي جمال هذا في ديننا المتين، هذا الدين الذي جردناه للأسف نحن المسلمون من كل معانيه وتركناه هيكل هش بلا معنى ولا أثر.

أسوأ ما حدث في هذين الموقفين هو خسران الناس وحق لنا أن نخسرهم، فأنا مولودة مسلمة لأسرة مسلمة أبا عن جد.. أعيش في بلد مسلم.. ومع ذلك أعترف لو لم يهدني ربي لمعرفته، والتعرف على ديننا الراقي الذي لا يحمل إلا كل المكارم لما استطعت أن أستمر مسلمة.

قلم المنتقبات!

هل ما يتم طرحه على الساحة الآن على أنه إسلام يجتذب أي عاقل؟؟ ناس اختصروا الإسلام في نقاب وجلباب، يجاهدون دونهما جهاد الموت حتى صار النقاب قضية من لا قضية له. على رأسي.. ولكنه ليس باب جهاد ولا يستحق كل هذه الجلبة، فمادام اختلف الفقهاء على فرضيته فلنترك كل من اختار حكما أن يتبعه بلا مشاكل، لكنه ينتشر إرهابا وضغطا وملاحقة مستمرة في بيئات معينة حتى صار قضية عصر تصدر بشأنه القوانين.. وغدا يكون له قلم مخصوص في الداخلية: قلم المرور .. قلم المخدرات .. قلم المنتقبات !!! لطفك يارب…

فئة أخرى تسهل وتيسر ما لا يجوز تيسيره ولا تسهيله.. ويصبح الدين عندها سمك لبن تمر هندي.. فلا أنت تعرف من أين أتوا بهذه الأفكار التي يصممون أنها تفسير جديد ورؤية جديدة وفهم متحضر لدين قديم، ولا يستطيعون أن يأتوا بما يدحضون به إجماع فقهاء على مدى عصور، فالرأي لا يدحضه إلا رأي.. والرأي ليس عن هوى نفس بل بالأدلة والبراهين وليس بالتصورات الحديثة، فآخذ من دين الله ما يعجبني وأقولب الباقي في قوالب حديثة أيضا بلا معنى ولا طعم.

وآفة الآفات الباحثون والباحثات عن الشهرة.. ونحن والحمد لله في عصر الإعلام دنيا كاملة يرفع ناس ويخفض ناس.. ومن لا يظهر في الإعلام غير موجود في الدنيا ومن تتولاه الأخبار المكتوبة أو المصورة ينتقل إلى مستوى مختلف تماما من التواجد، وتلاحقه دور النشر المرئية والمسموعة والمنشورة والإنترنت.

وكيف تحصل على الشهرة؟.. بفتوى صادمة.. فتاوى تعافها الكرامة البشرية أساسا، وترفضها الأخلاق الكريمة والمروءة ويخرج شيخ أو شيخة يتشدق بكلمات عربية فصحى ليثبت ثقافته العالية وتمكنه من الدراسات الإسلامية وقواعد اللغة العربية على رأى سليمان بك نجيب .. وحقيقي إضافة أخت غير شقيقة للسيدة كان وأخواتها الشقيقات المعروفة أرحم بكثير مما يفعلوه بديننا الجميل، ولا يجوز فعلا ساعتها إنكار نسب “ما انخلع” .. أخت كان وبتحليل الحمض النووي كمان..

بعيدا عن المهاترات

يعنى هل أقصد أن أنا فقط من يفهم الإسلام على حقيقته؟ والقادرة على شرحه للناس والفتوى وكل الكلام الكبير؟

آه ولأ … آه أنا أفهم ديني وأتعامل به، ولأ لأنى لا أعرض إلا نفسي وأخلاقي وتصرفاتي التي أزعم أني أحاول أن أستمدها من هذا الجلال الرباني الذي أرسله إلى البشر رب العباد في ليلة هي خير من ألف شهر.

وبعيدا عن المهاترات.. ،لأني أشعر أن البعض سيترك سؤالي ويحدثني عن عدم قدرة العامة على استنباط الأحكام بمجرد قراءة القرآن وأنه يجب أن يسألوا المتخصصين وهم من اعترضت على أسلوبهم وطريقتهم، أقول اتركوا هذه المهاترات فأنا لا أستشف شيئا بنفسي، وأسأل العلماء فعلا وأقرأ كتبهم وأعمل عقلي تبعا لبعض القواعد التي تعرفت عليها في كلام سيد الخلق وأعمال الصحابة على أنها أساس الدين، منها لا ضر ولا ضرار .. ومنها أيضا الإثم ما حاك في صدرك، وبعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وكل ما هو من مكارم الأخلاق هو من هذا الدين … ومنها من ترك الجدال ولو على حق فله بيت في الجنة.. منها أننا خلقنا لعمارة الأرض .. وأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفى كل خير .. والقوى ليس صاحب العضلات المفتولة بل كل مصدر قوة من علم.. وقدرات.. وأدوات التقدم والنهضة وزراعة ما نأكل.. وصناعة ما نستعمل… الخ

منها أخيرا وليس آخرا.. أن من نشر هذا الدين من غانا إلى فرغانة لم يكونوا الدعاة بل التجار الذين عاملوا الناس بالدرهم والدينار فوجد فيهم الناس الصدق والأمانة و.. و… و.. فقرروا بحُرية الاختيار أن هذا النوع من التعامل لا ينتج إلا عن دين يستحق أن يعتنقوه.

أعود لسؤالي: لماذا فقدنا الناس؟ لماذا بعد أن نشر الناس الدين بين الناس.. أضاع الناس الناس؟

بقلم: د. نعمة عوض الله

⇐ واقرأ أيضًا:

أضف تعليق

error: