في غرام المحمول.. الذي جعل الأصابع تتحدث!

في غرام المحمول.. الذي جعل الأصابع تتحدث!

«كتابة الرسائل أصبحت جزءا من الحياة اليومية»

كان المحلل المالي الأميركي جيفري ونستين منهمكاً في عمله حين رن جهازه المحمول معلناً قدوم رسالة قصيرة. كانت الرسالة من شركة تيمبرلاند للأحذية، تعلن فيها عن تخفيضات 20% على مبيعاتها في موقعها الإلكتروني.

غضب جيفري (41 عاماً) على ما رأى أنه “انتهاك لخصوصيته”، وتكدير لصفو مزاجه، فقرر رفع شكوى على الشركة بناء على قرار فيدرالي يحظر الإزعاج عبر المحمول. وبحسب صحيفة شيكاغو سن التي نقلت الخبر (15 أيلول/ سبتمبر 2008) فإن تسوية تمت بين الطرفين قبل وصول الأمر إلى المحكمة حصل الرجل بموجبها على 7 ملايين دولار تعويضاً عما لحق به من ضرر.

عاصفة نصية

أدت العاصفة الثلجية التي ضربت الجزر البريطانية مؤخراً إلى ارتفاع حاد في عدد الرسائل النصية التي جرى تبادلها عبر المحمول. وقالت شركات الاتصالات إن المواطنين استخدموا الرسائل بكثافة لنقل تجاربهم ومشاهداتهم لسير العاصفة. شركة فودافون أبلغت عن زيادة في الرسائل نسبتها 56%، وهو ما تجاوز 30 مليون رسالة، بينما تحدثت تي موبايل عن زيادة نسبتها 21% (موقع سكاي نيوز، 3 شباط/ فبراير 2009).

وأخيراً، أرسل الرئيس باراك أوباما إبان حملته الانتخابية عبر جهازه الشخصي المحمول اسم مرشحه لمنصب نائب الرئيس جو بايدن إلى مليونين وتسعمائة ألف شخص من مؤيديه، بتكلفة قدرها 290 ألف دولار، وهو أضخم حدث تسويقي عبر المحمول يتم دفعة واحدة عبر الولايات المتحدة حتى الآن (سي نت نيوز، 25 آب/ أغسطس 2008).

مخالفة

كتابة الرسائل أصبحت جزءاً من الحياة اليومية، حتى أثناء قيادة السيارة، وقد كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة هارس التفاعلية أن 91 في المائة من الأميركيين يرون أن كتابة الرسائل أثناء القيادة تعادل في خطورتها القيادة تحت تأثير الخمر، وعبر 89 في المائة عن رغبتهم في حظره قانونياً، لكن 57 في المائة من المستطلعين قالوا إنهم يكتبون الرسائل وهم يسوقون سياراتهم، و66 في المائة يقرؤون الرسائل وهم خلف المقود (تي جي ديلي، 7 آب/ أغسطس 2007).

دراسة أخرى أكدت أن السائق يفقد 91 في المائة من قدرته على التحكم في المركبة في حال كتابته رسالة نصية، ويتراجع زمن استجابته الضروري لمنع حصول حادث بنسبة 35 في المائة، وهي أكثر بـ 21 في المائة من نسبة القيادة تحت تأثير المخدر أو الكحول (موقع ستار غازيت، 22 كانون الأول/ ديسمبر 2008).

خطورة الأمر دفعت عدداً متزايداً من الولايات الأميركية إلى حظر كتابة الرسائل واعتبارها مخالفة سير يعاقب عليها القانون.

شعبية متزايدة

استخدام الرسائل وسيلة للاتصال يزداد شعبية يوماً بعد يوم على مستوى الكون. كثير من الناس أصبح يفضلها على إجراء المكالمة. عندما كنت في الفلبين في شهر تموز (يوليو) الماضي لاحظت أن الناس قلما يتحدثون هاتفياً، ويلجئون بدلاً من ذلك إلى كتابة رسالة. ربما تجد فلبينياً مثلاً ينتظر صديقاً في موعد، وعندما يتأخر يهرع إلى الكتابة إليه، فيرد عليه الصديق كتابة أيضاً.

الأميركيون يفضلون أيضاً الاتصال عبر الرسائل، وبحسب شركة نيلسن موبايل فإن الأميركيين أرسلوا في الربع الرابع من عام 2007 أكثر مما تكلموا، وأن الاتصال عبر الرسائل أصبح ثقافة شائعة.

مؤسسة هارس نقلت عن 42 في المائة من المراهقين الأميركيين زعمهم أنهم يكتبون الرسائل معصوبي الأعين (النيويورك تايمز، 28 أيلول/ سبتمبر 2008). معظم الشباب الأوروبيين، كما تشير الاستطلاعات، يقولون إنهم لو أجبروا على الاختيار بين الرسائل والمكالمات، فسيختارون الأولى (نيوزويك، 6 شباط/ فبراير 2006).

شركة اي تي آند تي للاتصالات أجرت 1048 مقابلة إلكترونية مع آباء وأمهات لتتعرف على أنماطهم الاتصالية المفضلة، ووجدت أن 76 في المائة منهم يشعرون أن أطفالهم أكثر استجابة للرسائل النصية من وسائل الاتصال الأخرى، بينما أكد النصف أن الرسائل تجعل صغارهم “رائعين”.

الشيء نفسه ينطبق على العلاقات.. استطلعت الشركة آراء 1000 من البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عاما، ووجدت أن 68 في المائة بعثوا “رسالة حب” عبر المحمول، بينما قال 52 في المائة أن عبارة “أفكر بك” هي أكثر ما يتداوله الأزواج للتعبير عن مشاعرهم (موقع موبيفيتي، 1 شباط/ فبراير 2009).

في غرام المحمول

هل نستطيع الحياة من دون محمول نحتضنه بأيدينا، ونتطلع إليه بين الفينة والأخرى باحثين عن كلمات أو أبيات أو طرائف أو أخبار حدثت للتو؟ الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني عبر العالم شرعت في استغلال هذه الوسيلة لإبلاغ المواطنين بمواعيد وأخبار ومعلومات وإعلانات تجعلهم على اتصال دائم مع مشاريعها وبرامجها.

إذا كنت في المناطق المهددة بالفيضانات، في هولندا أو ماليزيا أو نيبال، فتوقع أن تصلك رسالة نصية تحذرك من فيضان وشيك، وتزودك بإرشادات الجلاء عن المنطقة. إذا كنت في نيوزيلندا فتوقع أن تصلك رسائل تعليمية حول استخدام الأدوية الطبية. أما الإسرائيلي فله أن يتوقع رسالة من حركة حماس تحذره فيها بالقول: “تعال إلى غزة حيث تنتظرك مفاجآت كثيرة أقلها الموت”. جيش الاحتلال الإسرائيلي صادر أجهزة المحمول التي كانت بحوزة جنوده إبان العدوان على قطاع غزة.

قد تفرض طبيعة الموضوع إرسال رسالة بدلاً من إجراء مكالمة، وتبدو الرسالة أقل حرجاً من الاتصال الهاتفي. مدير الموارد البشرية في الإذاعة الفرنسية أرسل أثناء عطلة نهاية الأسبوع مطلع شهر شباط (فبراير) 2006 رسالة إلى عدد من الموظفين يبلغهم فيها بالاستغناء عن خدماتهم، متفادياً توجيه الخبر السيئ إليهم وجهاً لوجه. لم يكن البريد الإلكتروني مناسباً أيضاً لأن الموظفين قد لا يفتحونه إلا يوم الاثنين، وهكذا فإن للرسالة سمتين: الفورية والخصوصية (نيوزويك، 6 شباط/ فبراير 2006).

في الحقيقة، يستخدم الكثيرون الرسائل النصية لإيصال الأخبار السيئة، بعض الأزواج يختارون هذه الوسيلة لطلاق زوجاتهم. وقد أفتى بعض علماء الدين بوقوع هذا الطلاق، مثل الشيخ أحمد الحداد، كبير المفتين بوزارة الأوقاف الإماراتية، والشيخ هاشـم يحيى، مفتي العاصمة الماليزية كوالالمبور، الذي اشترط حضور الزوجين إلى المحكمة الشرعية لتأكيد الطلاق. لكن التقاليد والأعراف تحكم استخدام الرسائل.

ليس من اللائق مثلاً أن تكون الرسالة النصية وسيلة للتعزية في الموت، وربما يجد المرء نفسه بحاجة إلى من يعزيه في صديق اختار الرسالة لمواساته في فقد عزيز عليه.

مجرد دردشة

باختصار، غيرت الرسائل القصيرة نمط حياتنا، عندما مكنتنا من التعبير عن مشاعر الحب والغضب والخوف والاحتجاج والعتاب، ووفرت لنا الفرصة لمخاطبة من نريد بطريقة شخصية وحميمة وغير مباشرة. الرسائل أيضاً أعطتنا الفرصة لتبادل المعلومات والأخبار والتسلية و”الدردشة” بعيداً عن أعين الرقباء. هذه الخصوصية التي تمنحها الرسائل النصية تمكن الكثيرين من “البوح”، وإذا أضفنا إلى ذلك اختصار المسافات وسرعة التسليم فإن هذه الوسيلة تمثل فعلاً ثورة حقيقية في عالم الاتصال.

لكن ماذا يشعر الواحد منا لو أرسل رسالة إلى صديق فزم شفتيه وأعرض عنها، أو امتدت يده (وياللهول) فمسحتها من الشاشة، ثم لم يجب ببنت شفة؟ ماذا سيكون أثر هذا “التجاهل” على نفس المرسل، لاسيما إن كتب رسالته بصيغة الاستفهام، وتأكد من وصولها، ثم أعاد إرسالها مرة أخرى؟ لقد كشفت لنا هذه الوسيلة أيضاً معادن الناس وطرائقهم في التعبير والتخاطب.

ختاماً، إذا كان للرسائل النصية كل هذا الدور والتأثير، فلماذا لا نضرب عن الكلام، ونجعل أصابعنا تتحدث؟

بقلم: أحمد بن راشد بن سعيّد

⇐ واقرأ أيضًا بعض مقترحاتي:

أضف تعليق

error: