خطبة تهز القلوب مكتوبة قصيرة بعنوان ﴿يوصيكم الله في أولادكم﴾

خطبة تهز القلوب مكتوبة قصيرة بعنوان ﴿يوصيكم الله في أولادكم﴾

مقدمة الخطبة

الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والجود العظيم والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نعمه كثيرة، وآلاؤه غزيرة، وهو الداعي إلى دار السلام، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أدبه ربه فأحسن تأديبه، فكان الأسوة الحسنة للأنام، وعلى آله وصحبه وأتباعه خيرة المربين على فضائل الإسلام.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-؛ فالتقوى ملاك كل فضيلة، والحصن من كل رذيلة، والأصل لكل خير، والحاجز عن كل شر وضير، وقد قال الله ﷻ خطابا للمؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: يخبرنا القرآن الكريم أن الله خلق الإنسان طاهر السريرة، في قلبه كل خير، وهو مهيأ غاية التهيئة ليكون من الصالحين الذين تصلح دنياهم، وتكون لهم الحسنى في أخراهم، فقال الحق تبارك وتعالى بعد قسمه بأربعة أشياء من مخلوقاته: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾، ونجد أن النبي يبين للناس هذا المعنى ويقربه إلى الأذهان؛ فيقول للناس قولا يكون أصلا من أصول التربية، وبابا من أبواب الحكمة النبوية، فيقول عليه الصلاة والسلام: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».

فلننظر -عباد الله- في أثر الوالدين في الأولاد؛ فالوالدان يكونان سببا لنشأة أولادهما على أحسن حال وخير طريق، فتجد الولد مضرب مثل في السلوك، ومحط الأنظار في الصلاح وحسن السيرة، والمثل الحسن في التفوق في دراسته، والمسارع إلى كل خير، والمتفاني في بناء وطنه ونفع مجتمعه، والوالدان أو أحدهما قد يكونان سببا لطمس الفطرة التي فطر الله المولود عليها؛ فتفسد طباعه، ويسوء سلوكه، ويكون مصدر قلق وفوضى لنفسه وأسرته ومجتمعه؛ ولذلك كان على الوالدين أن يدركا أن ولدهما -ذكرا كان أو أنثى- تتشكل شخصيته، وتنبني طباعه بالنظر إليهما، ومراقبة حركاتهما وسكناتهما، والتقاط كلماتهما وعباراتهما.

وقد قال علماء التربية: إن ثمانين بالمئة من طباع الإنسان وسلوكه تتكون في السنوات الخمس الأولى؛ ولذلك كان حريا بالوالدين أن يتنبها لهذا الأمر، وأن يهتما اهتماما بالغا بهذا الشأن، وأن يكونا خير قدوة لأولادهم؛ فإن أولادهم يأخذون عنهم وهم لا يشعرون أحيانا، ولذلك قيل في الحكمة: صلاح الوالدين من أعظم أسباب صلاح الأولاد وحفظهم.

أيها المؤمنون: إن هناك مصطلحين مهمين لا بد من الوقوف عندهما وبيان معناهما، فأما الأول فهو التأديب، وأما الثاني فهو التربية، وقد يظن ظان أن التأديب متعلق بالعقوبة والتعنيف والعتاب، والتأديب -في حقيقته- شيء آخر، ولو كان معنى التأديب على هذه الصفة ما قال نبينا متحدثا بنعمة الله: «أدبني ربي فأحسن تأديبي»، فالتأديب معناه تعهد الولد شيئا فشيئا ورعايته حتى يصل إلى حد الكمال الإنساني، والتربية ليست ببعيدة عن هذا المعنى، فالتربية إظهار أحسن ما عند الولد من الطباع والصفات ليكون على أحسن ما يمكن أن يكون عليه الإنسان، وأول من يباشر هذه العملية العظيمة الوالدان؛ ولذلك قيل: الأدب من الوالدين والصلاح من الله.

والتربية -إخوة الإيمان- قائمة على ثلاثة أركان: وهي المربي والمربى والبيئة، وقد قيل: إن محاضن التربية ميمات أربع: وهي المنزل والمسجد والمدرسة والمجتمع؛ ولذلك كان حريا بكل فرد من أفراد المجتمع أن يكون على وعي بواجبه ومسؤوليته، وفي الأثر عن رسول الله : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، ولا يظنن ظان أن مسؤوليته تقف عند نفسه، وأن صلاحه أو فساده لا يتعدى إلى غيره؛ ولذلك كان كل فرد مطالبا أن يراقب سلوكه، ويجود أقواله وأفعاله؛ فإنه شريك في صلاح مجتمعه ولو لم يشعر أحيانا.

وهذه هي الدعوة إلى الخير التي أمر بها الله ﷻ فقال: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، ولننظر كيف أن اهتمام المجتمع بشأن أرض الإسراء والمسجد الأقصى أثر في الناشئة خير تأثير، فعرفوا قضيتهم وأسهموا في نصرها بكلماتهم ودعواتهم وأموالهم وغيرتهم ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرحم الراحمين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله من وصفه ربه بالرحمة للمؤمنين، وعلى آله وصحبه وأتباعه الأبرار المتقين.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن خير ما يثمره الإنسان أولاده؛ فإن أولاده عمر له بعد عمره، وحياة له بعد حياته؛ ولذلك فإن عباد الرحمن الذين أثنى الله عليهم يقولون: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾، وها نحن على أبواب إجازة منتصف السنة لأبنائنا وبناتنا، بل إن مجموعات من بناتنا وأبنائنا قد بدؤوا إجازتهم؛ ولذلك كان حريا بنا أن نكون قد أعددنا العدة لتثمير أوقاتهم فيما ينفع، وملء فراغهم بما يفيد، وسقي الفضائل في نفوسهم بالتذكير بالفعل قبل القول؛ فإن الغرس من غير سقي تموت معه الشجرة، والفضيلة شجرة تنمو شيئا فشيئا بالتعهد والرعاية والمتابعة.

وإن من الأسباب التي تجعل الأولاد يسلكون مسالك غير محمودة في كثير من الأحيان الفراغ، وقد نبهنا نبينا عليه الصلاة والسلام لهذا فقال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ». ولنأخذ أولادنا معنا، فالناجح من ينجح في جعل ولده صديقه، فيضمن أن جليسه جليس صالح، وقد قال أهل الحكمة: المجالس مدارس، وتلك المجالس هي المجالس الراقية التي يذكر فيها العلم والأدب والتاريخ والأخبار، وتعرض فيها التجارب، فيكون عندها عقل الولد أكبر من سنه، وإنه ليجدر بنا ونحن في هذه الأحداث في أرض الإسراء أن نربي أولادنا على حب المسجد الأقصى وتعظيمه؛ فإن ذلك من تعظيم شعائر الله، وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب، وقد قال لنا علام الغيوب: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

⇐ تريد المزيد من الخطب المكتوبة؟ هنا قائمة مميزة:

موفَّقون، بحول الله ﷻ وقوَّته.

أضف تعليق

error: