خطبة: ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾ – مكتوبة

خطبة: ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾ – مكتوبة

الخطبة الأولى

الحمد لله..

نزل الوحي على قلب النبي ﷺ في مكة المكرمة فدعا العرب إلى توحيد الله ﷻ ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر ﷺ إلى المدينة المنورة، وبعد ثلاث سنوات أرادت قريش أن تثأر لهزيمتها في بدر وأن تضع حداً للمعاناة التي لاقتها في تلك الغزوة حتى تأمن على قوافلها التي تخرج الى بلاد الشام من أجل التجارة وكان هدفهم القضاء على الإسلام والمسلمين الذين أعزهم الله بالإسلام، فكانت غزوة أحد.

وفي أحد اختلفت الصورة عما كانت في بدر، فقد ذهب الصحابة رضي الله عنهم إلى ميدان الوغى، وبعد ظهور بشائر النصر، خالف بعض الصحابة الرماة أمر رسول الله ﷺ فنزلوا عند الجبل الذي كانوا يحرسونه عند ظنهم بأن النصر قد تحقق، فابتلاهم الله ﷻ بسبب هذه المخالفة بالهزيمة الميدانية، وسيطر عليهم الحزن بما صنعوا، وخاصة عند سماعهم كلام المنافقين الذين عيّروا المسلمين بهذه النتيجة المؤلمة فأنزل الله عز وجل قوله ﷻ: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أل عمران: 139.

لقد نهى الله ﷻ عباده المؤمنين عن الشعور بالضعف ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا﴾، لتثبيت اليقين في قلوبهم وهم في حالة الاستعلاء على عدوهم، قال ﷻ: ﴿وأنتم الأعلون﴾ وهي حالة ارتبطت بتحفيز المؤمنين على الثبات على إيمانهم الراسخ في قلوبهم ﴿إن كنتم مؤمنين﴾.

لقد اتخذ الصحابة رضي الله عنهم هذه الآية الكريمة منهج حياة بعد استماعهم للآية التي نهت عن الضعف والحزن وألزمتهم بالاستعلاء على الأعداء إذا حققوا الإيمان في قلوبهم.

وبعد سنوات من نزول هذه الآية جاءت غزوة الفتح الأعظم، فتح مكة المكرمة الذي يعد سيد الفتوحات الإسلامية حتى تقوم الساعة، وما من نصر في تاريخنا الإسلامي إلا ولفتح مكة صلة به.

وحينما رأت قبائل العرب أن مكة المكرمة أصبحت دار الإسلام العظيم دخل الناس في دين الله أفواجاً، قال الله ﷻ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ سورة النصر:1–3.

جاء النصر المبين بعد الصبر العظيم، فإن النصر ثمرة من ثمرات الصبر، وحسن الظن بالله والتوكل عليه ﷻ، ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة:249.

وَالصَّبْرُ مِثْلُ اسْمِهِ مُرٌّ مَذَاقَتُهُ
لَكِنْ عَوَاقِبُهُ أَحْلَى مِنَ العَسَل

ولا ريب أن في الصبر دروساً عظيمة في حياة الإنسان وهو يعيش في هذه الدار، دار الامتحان والابتلاء، قال الله ﷻ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ سورة البقرة: 214

إن تاريخنا الإسلامي زاخر بالانتصارات التي حققها المسلمون في المشارق والمغارب وهي انتصارات لا تحصى لكثرتها، لكننا نستذكر منها فتح بيت المقدس على يد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتابته العهدة العمرية لسكان بيت المقدس، هذه العهدة التي شهد عليها قادة فتوح بلاد الشام الذي تحرر من براثن الأعداء.

إنها فتوحات حاسمة في تاريخ الأمة تذكرنا بالعزة العظيمة، ومع هذه العزة فإن الأمة تمر في هذه الأيام بمرحلة جزر بعد مد، وهي مرحلة لن تدوم ولن تطول، لأن العزة متجذرة في قلوب المؤمنين:﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ المنافقون:8، ذلك لأن المؤمنين يعتزون بدينهم، ويثقون بوعد الله ﷻ لهم بالاستخلاف في الأرض والتمكين، وهي نعمة عظيمة تجعلنا شاكرين لله ﷻ عليها، قال الله ﷻ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ النور: 55.

لقد بينت هذه الآية الكريمة العلاقة الوثيقة بين إيمان الإنسان وبين ثقته بربه والإعداد المستمر والعمل الدؤوب لتحقيق معنى الاستخلاف، فإذا تكاملت هذه الأركان في قلب المسلم وجوارحه، هيأ الله له أسباب التمكين والنصر في الدنيا والفوز العظيم في الدار الاخرة.

فليست الثقة مجرد كلمات لا تتجاوز اللسان، بل الثقة أعمال وافعال، واستعداد لمواجهة العقبات وتخطيها، والتضحية في سبيل الله ﷻ، فشعار المؤمنين في الحياة هو ما يردده في كل ركعة من صلاته ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ الفاتحة:5

أي أن العبد يتوجه إلى الله ﷻ بأنه يعبد الله وحده لا شريك له، ويستعين بالله وحده لا شريك له، وهذه هي العبودية التي تجعل المؤمن عزيزاً أينما حل أو ارتحل، تجعله يتعالى على الشهوات والمغريات في كل الأوقات انتصاراً لدين الله ﷻ.

وهذا هو سبيل من انعم الله ﷻ عليهم وهداهم الصراط المستقيم، لذلك لا بد أن تكون الثقة بوعد الله ﷻ وتأييده ملازمة للمؤمن في جميع أحواله، في شدته ورخائه، وفي قوته وضعفه، لأن الواثق بالله ﷻ لا يهتز يقينه ولا يتزعزع إيمانه مهما اشتدت الظروف وصعبت الأحوال، قال الله ﷻ: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ يوسف: 110

فالأمة الإسلامية أمة عزيزة، والمسلم أخو المسلم يقف في نصرته ويعينه في محنته، والأمة كلها تتكاتف معاً في تعاون على البر والتقوى، دفاعاً عن حقوقها، وذباً عن حياضها، يقول النبي ﷺ «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة» ← متفق عليه.

فنحن اليوم ندعو لكل المستضعفين في أرض فلسطين عامة، ولأهلنا الصامدين في جنين خاصة أن يثبت الله اقدامهم ويرحم شهداءهم، ويشفي جرحاهم.

قال ﷺ:«لا تزالَ طائفةٌ من أمَّتي علَى الحقِّ منصورينَ لا يضرُّهم من خالفَهم حتَّى يأتيَ أمرُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ» ← رواه ابن ماجه

ونقف اليوم صفاً واحداً خلف قيادتنا الهاشمية الرامية إلى وقف نزيف الدم وإنهاء الاحتلال حتى تحقيق وعد الله ونصر الله ﷻ ولو كره الكافرون.

إِشتَدَّي أزمَةُ تَنفَرِجي
قَد آذَنَ لَيلُكِ بِالبَلَجِ

قال ﷺ: «والله ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» ← رواه البخاري ومسلم.

⇐ وهنا خطبة: ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾ – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

ولا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه: ﴿أن من واظب عليها يكفى همه ويغفر ذنبه﴾، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾الأحزاب،33 :43.

ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه.

ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر»، ومن قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي».

وعليكم أيضا بــ«كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» قدر المستطاع.

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: