خطبة: وجوب حبّ الله سبحانه وتعالى – مكتوبة

خطبة: وجوب حبّ الله سبحانه وتعالى - مكتوبة

مقدمة الخطبة

الحمد لله المحبوب في قلوب العارفين، والمقصود في دعوات السائلين، المعبود بحقٍّ في العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحبُّ من أحبّه، ويقرِّب من أطاعه، ويرفع من خضع له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، المصطفى من خِيرة خلقه، والمبعوث رحمةً للعالمين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي الخاطئة المقصّرة بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

الخطبة الأولى

عبادَ الله: حب الله تعالى من أشرف وأكرم المقامات يقول تعالى واصفاً عباده وأحبابه:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165].

وسبب وجود الحبّ لأي محبوب:

  1. أولا: وجود كمال، وجمال، وخصال الخير فيه.
  2. ثانياً: حصول نوالٍ وعطاء منه.

واعلموا أن من أسباب حب الله سبحانه وتعالى:

  1. أولاً: أنه خلقك، ورزقك، وأعطاك كل النعم يقول الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم : 32-34 ويقول تعالى: (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه: 50، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي» سنن الترمذي.
  2. ثانياً: إنه هداك للإسلام والإيمان ودعاك إلى الجنة، يقول الله تعالى: (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) البقرة: 198.
  3. ثالثاً: إنك عصيت وأسأت الإساءة بعد الإساءة، وكان عليك حليماً يغفر الذنوب ويمهل عباده ليتوبوا، يقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر: 53.
  4. رابعاً: إنه سبحانه وتعالى المستحق للحبّ إذ له الجمال كلّه والكمال كلّه، فهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العُلا، فمن أحبّ مخلوقاً من المخلوقات لجمال فيه، فإما أن يكون جمالاً نفسياً أو بدنياً، فكيف بمن له الجمال كلّه سبحانه وتعالى.

عباد الله: إن للمحبة علامات، منها: طاعة الله تعالى وطاعة رسوله ﷺ في أقواله وأفعاله وأخلاقه، يقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 54 – 56].

يقول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم} [آل عمران: 31]، فإن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه، هي باب لمحبة الله جلّ وعلا، فلا يقبل حبُّ الله تعالى دون أن يكون مقروناً بمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عباد الله: اعلموا أن لصدق المحبة لله تعالى علامات منها:

  1. أولاً: تقديم أمره سبحانه وتعالى على أمر كل محبوب ومرغوب، يقول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين} [التوبة: 24].
  2. ثانياً: الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، فمن شأن المحبّ أن يرضى بفعل محبوبه حلواً كان أو مراً، فإن كان خيرا شكر وإن كان غير ذلك صبر فينعم بلذة القرب مما ينسيه ألم الفقد، يقول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) البقرة: 216، وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» رواه الترمذي.

فالواجب عليك أيها المؤمن أن تعلم وتعتقد أن الله تعالى هو الذي يهدي ويضلّ ويشقي ويسعد ويقرب ويبعد ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويضر وينفع، فإذا علمت ذلك وآمنت به فالواجب عليك أن لا تعترض على الله في شيء من أفعاله لا ظاهراً ولا باطناً، ولسان الاعتراض أن تقول: لم كان هذا، ولأي شيء كان هذا، وهلا كان هذا كذا… فما أجهل ممن يعترض على الله في ملكه وينازعه في سلطانه، وهو مع ذلك يعلم أنه تعالى هو المنفرد بالخلق والأمر والحكم والتدبير، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، يقول الله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون} [الأنبياء: 23].

هذه أيضًا ⇐ خطبة عن محبة الله ﷻ «قصيرة»

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

عباد الله، إن حبّ الله ﷻ ليس دعوى تُقال، ولا شعاراً يُرفع، بل هو طاعة واتباع، وخشية وخضوع، ورجاء ودعاء، ورضا وتسليم. فكلما ازداد العبد حباً لله، ازداد له قرباً، وازداد قلبه نورًا، وصدره شرحًا، وعمله بركةً وصلاحًا.

فاجعلوا حبَّ الله غاية قلوبكم، ومراد نفوسكم، وراحة أرواحكم، فمن أحب الله صدقًا، لم يقدّم على أمره أمرًا، ولم يجعل فوق رضاه رضا، ولم يبتغِ سواه محبوبًا ولا معبودًا.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وازرعوا محبته في قلوبكم، وسقوها بذكره وطاعته، وسهِّلوا دروبها بالصدق والإخلاص، لعلها تُثمر قربًا في الدارَيْن، وسعادة لا تزول ولا تضمحل.

هذا، وصلّوا وسلّموا على من دلَّنا على محبة ربنا، وقدوتِنا إلى رضوانه وجنّته، محمدٍ بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اجعلنا ممن يحبك ويحب من يحبك، واجعل حبك أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا، إنك وليُّ ذلك والقادر عليه.

وختامًا؛ نوصيكم بالاطلاع على ⇐ خطبة عن محبة الله لعباده – مكتوبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top