خطبة عن أخلاق الرسول – مكتوبة

خطبة عن أخلاق الرسول – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • التقرّب إلى الله ﷻ بحسن الخلق يعتبر من أفضل السبل.
  • الله امتدح نبيه محمد ﷺ بحسن خلقه ولم يمدحه بكثرة المال أو النسل.
  • حسن الخلق يعلو على القيم المادية.
  • الرحمة هي أساس حسن الخلق والنبي محمد ﷺ كان رحمة للعالمين.
  • حسن الخلق مرتبط بقوة الإيمان.
  • التدرب العملي والتفكر في نتائج سوء الخلق مهمان لتعزيز حسن الخلق.
  • مصاحبة الأخيار والبعد عن الفاسدين يعزز حسن الخلق.
  • دراسة سيرة النبي محمد تقدم نموذجًا عمليًا لحسن الخلق.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، شرف أصحاب الخلق بشرف عظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه، من كانوا قدوة في حسن الخلق لمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

الخطبة الأولى

عباد الله.. اعلموا أنه ما تقرب الإنسان بشيء إلى الله كتقربه بحسن الخلق؛ فهي الصفة التي امتدح الله بها نبيه محمدا – عليه الصلاة والسلام – فقال ﷻ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وإن المتأمل للآية ليدرك أن الله لم يمدحه بكثرة مال ولا عيال – مع أهميتهما – بل بالخلق العظيم الذي هو سنام هذا الدين؛ فأي شيء يكسبه الإنسان إن ربح كل شيء وخسر حسن الخلق! ولكن ما أكثر ما يكسبه إن ملك حسن الخلق وخسر غيره مما هو عظيم عند الناس، ولا قيمة له عند الله.

وقد امتدح الله المصطفى بالرحمة التي هي أساس من أسس حسن الخلق، قال ﷻ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾، وجاء في فضل حسن الخلق عنه – عليه أفضل الصلاة والسلام –:«أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»، وقال أيضا ﷺ:«إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا»، فما أولى القرآن الكريم حسن الخلق عنايته، ولا اهتمت السنة النبوية به لولا مزيد فضله، وعظيم منزلته، رزقنا الله جميعا حسن الخلق.

أيها الإخوة المؤمنون: إن لاكتساب حسن الخلق وسائل، من سلكها نجح، ومن سار على طريقها استقام وأفلح، ومنها تصحيح الإنسان عقيدته بغرسه الإيمان بالله واليوم الآخر في قلبه، فالذي يؤمن بالله حقا، وبيوم القيامة صدقا؛ لن يجرؤ على إساءة خلقه مع أي إنسان، قريبا كان أو بعيدا؛ لأنه يدرك مغبة فعله، وقول خالقه: ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾، وأن ثمة يوما ﴿تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾، يحاسب فيه الله عباده على خلقهم وعملهم ولو مع الحيوانات، أرفق بها أم عذبها، فكيف إن كان قد أساء خلقه مع إنسان مثله!

ومن وسائل اكتساب الخلق – يا عباد الله – العبادات؛ فمتى حافظ عليها الإنسان وأداها مستقيمة الأركان كانت حصنا له من سوء الخلق، ومانعة له من التردي في الأعمال الفاسدة، وإذا أتينا – مثلا – إلى الصلاة وجدنا الآيات تصرح بذلك، قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾. وإذا جئنا كذلك إلى الصوم وجدنا حديث النبي: «من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

وهكذا في الزكاة، فإن الله – جلت قدرته – يقول: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾، ومن تزكيتها للعبد أن يحسن خلقه بتأديتها. فضلا عما ورد في الحج من قول الله – تقدست أسماؤه –: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾، وهكذا، فإن العبادات خير معين للإنسان على حسن الخلق.

ومن الوسائل المعينة أيضا التدرب العملي؛ فإن الإنسان إن حرص على أن يحسن خلقه، ورأى المولى ﷻ منه صدق النية هداه إليه ووفقه، جاء عنه: «ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله»، وفيه دلالة على أن السعي إلى ذلك والتعود له خير معين لإصلاح خلقه، ومما يعين عليه أيضا التفكر في مآلات سوء الخلق من اكتساب الذنب، ونفور البعيد والقريب، ووحشة النفس، وتأنيب الضمير، وعدم الراحة، والشعور بالضيق والهم والغم جراء رؤية أثر سوء خلقه.

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارين والمتشدقين، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون».

فاتقوا الله – عباد الله – واعلموا أن حسن الخلق سبيل كل فضيلة، ومانع من كل رذيلة.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل لنا في حسن الخلق الأجر، وعده من أفضل الخير والبر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أحرص الناس على سمو الأخلاق، وأبعدهم عن كل ما ينافيه من شقاق ونفاق، وعلى آله وصحبه الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يقوم الناس لرب الأنام.

أما بعد، فيا عباد الله: إن من وسائل الإعانة على حسن الخلق مصاحبة الأخيار، فإن الصاحب ساحب، فإن كان صالحا سحب صديقه إلى الخير، وإن كان سيئا جره إلى الشر والعياذ بالله؛ ولذلك كثرت الآيات والأحاديث الناهية عن الصاحب الفاسد؛ لما له من أثر سيئ على المسلم، ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾.

وعن أبي سعيد – رضي الله عنه –: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول:«لا تصاحب إلا مؤمنا»، وهكذا تتنوع الوسائل لاكتساب حسن الخلق، فمنها أيضا الانغماس في البيئة الصالحة، وأساس ذلك متابعة سيرة النبي ؛ فهو خير قدوة وأفضل مثال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.

فاتقوا الله – عباد الله –، ولنكن من أولي الأخلاق الحسنة، لننال كل أجر وفضيلة.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

باقة من الخطب المكتوبة.. ذات صِلة:

وفقنا الله ﷻ وإياكم لكل خير.

أضف تعليق

error: