للخطباء المميزون الكرام.. هنا خطبة في استقبال شهر رمضان

للخطباء المميزون الكرام.. هنا خطبة في استقبال شهر رمضان

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي أكرم المؤمنين بفرض صيام خير الشهور، وجعل فيه من الأعمال الصالحة ما تتضاعف به المثوبة وتزداد به الأجور، أحمده على ما أنعم، وأشكره على ما تفضل به وتكرم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده مقاليد السماوات والأرض (أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ)، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، المرسل بالبينات والهدى والنور، وعلى آله وصحبه الأئمة البدور، وعلى كل مقتف بهم، وسائر على خطاهم إلى يوم السماء تمور.

الخطبة الأولى

أما بعد، فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنها مفتاح السعادة، وطريق الحسنى وزيادة، واعلموا أن الله تبارك وتعالى جعل الزمان ظرفا لعبادته وطاعته، وفضل بعض أجزائه على بعض، وسيلوح عما قريب بإذن الله أمام أعين الناظرين هلال شهر عظيم، فضله الله تعالى وميزه عما عداه من الشهور بعظيم الثواب ووافر الأجور، فطوبى لمن عمر نهاره بالصيام، وأحيا لياليه بالقيام، واستن بخير الأنام عليه الصلاة والسلام في مراعاة حق الصيام، يقول الحق تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).

عباد الله: رمضان على الأبواب فما هو استعدادكم له؟ أكرموا هذا الضيف الذي سيحل عما قريب بداركم، فنظفوا القلوب، وصلوها بعلام الغيوب، وطهروا النفوس من درن المعاصي والذنوب، وقدموا بين أيديكم لله رب العالمين توبة نصوحا تأتي على جميع العيوب، حتى تستقبلوا الشهر وقد تخليتم عما يقطع المدد، ويحول دون نزول البركات، وحلول الرحمات، وقبول الدعوات، والزموا الاستغفار فإنه يمحو الخطيئات، يقول الله تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).

عباد الله: إن من الناس من ينظر إلى ما افترض الله تعالى في دينه بأنها أمور شاقة، وتكاليف ثقيلة، عليه أن يتخلص من كلفتها في أقرب فرصة، وأن يؤديها كيفما اتفق، وبأي طريقة وقعت، أما الذين فهموا عن الله تعالى مراده وأمره فإنهم يرون فرائض الله تعالى التي افترضها على عباده نعما عظيمة، ومنحا جسيمة، وعطايا لا تقدر بثمن؛ لأن عوائدها على نفوسهم وحياتهم ومستقبلهم ودنياهم وآخرتهم في توال مستمر، ومدد غير ممنون ولا مجذوذ، يقول الحق تبارك وتعالى: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ)، وهذا ما يجعل سعيهم إلى الآخرة سعيا يختلف عن سعي غيرهم (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا * كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً).

هؤلاء -يا عباد الله- يسألون الله تعالى قبل رمضان أن يلقيهم إياه ويعينهم على صيامه وقيامه، ويسألونه بعد انقضاء رمضان قبول الصيام والقيام وهم خائفون ألا يتقبل منهم ما قدموا (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)، ورد عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها سألت رسول الله ﷺ عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ..). فقالت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا تقبل منهم، (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ).

أيها المسلمون: بين أيديكم موسم عظيم من مواسم الطاعات، وميدان فسيح من ميادين العبادة، ومضمار للسبق فتهيؤوا للسباق، أين الذين هممهم عالية في طلب الفردوس الأعلى من الجنة؟ أين الذين يهدفون إلى أن ينادوا من باب الصيام؟ الباب الذي يقال له: “الريان”، فقد ورد في الصحيح مرفوعا إلى النبي ﷺ: «إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد».

أمامنا -يا عباد الله- شهر الصيام، وما أدراكم ما الصيام! قال رسول الله ﷺ: قال الله ﷻ: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام؛ فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه». وقد اشتمل هذا الحديث على فضل الصوم وثوابه، وتنبيه الصائم على ما ينبغي له من الخلال المحمودة، والبعد عما يخدش الصوم ويفسد على الصائم عمله، وأن للصائم فرحتين؛ الأولى عند فطره، والأخرى عند لقاء ربه.

فاتقوا الله -عباد الله-، وتهيؤوا لاستقبال شهر عظيم يأتيكم بالخير العميم، فليكن لكم من كل عمل صالح نصيب، أطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وطهروا القلوب من السخائم والعيوب، بتوبة خالصة من الذنوب، وتصالح مع أنفسكم ومع الآخرين، افتحوا صفحة مشرقة من التسامح والإخاء، حتى تكونوا في الجنة (إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)، اجعلوا أيديكم بالعطاء مبسوطة، وقلوبكم بالصفاء مملوءة، وأبدانكم بالصيام والقيام مشغولة (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ).

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

ويمكنك أن تجد هنا أيضًا خطبة سهلة وبسيطة بعنوان: كيف نستقبل شهر رمضان! – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله الفتاح العليم، الوهاب الكريم، أحمده تعالى على عطائه العميم، وأشكره على كرمه العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرؤوف الرحيم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، النبي الصادق القوي الأمين، وعلى آله الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله: إياكم واستغفال الشيطان لبعض الناس بأن الاستعداد للشهر الفضيل بملء البيوت بأنواع الطعام والشراب، وقد نسوا أن الإكثار منها يثقل الإنسان عن القيام بحق الصيام، وأن الحكمة في تقليل المأكول حتى ينال المرء بركة الصوم وصحة الجسد محققا بذلك قول نبيه ﷺ: «صوموا تصحوا»، وهي فائدة صحية ينالها من صام صياما صحيحا، يراعي فيه واجبات الصيام وسننه، فيؤخر سحوره ويقدم فطوره بعد تيقنه من غروب الشمس، ويبتعد عن الأكل والشرب فوق طاقته، ففي الحديث الشريف: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».

ويدرك العبد المؤمن -يا عباد الله- أن من حكم الصيام الجليلة تذكره لحالة أولي الجوع والمسغبة من إخوانه الجوعى في مشارق الأرض ومغاربها، ومن هم بالأرض المقدسة خاصة، ممن يحاصرون لتفنيهم المجاعة، ولا يستطيع الناس من المسلمين ولا من غيرهم أن يوصلوا إليهم لقمة الطعام وشربة الماء، واللباس والدواء، فلا يزال الصوم يذكره بهؤلاء ليرق قلبه على المساكين والفقراء، ويبذل ما استطاع لأجل مساعدتهم ولا سيما في شهر البر والعطاء، شهر الذكر والدعاء، شهر الصيام والقيام، يقول جل شأنه: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).

فاتقوا الله -عباد الله-، وأعدوا هذه النفوس إعدادا جيدا للقاء شهر البر والإحسان، إعدادا يشمل بناء الروح والجسد، ليخرج الواحد من الشهر الفضيل بأعظم الإنجازات، وبأكبر المنجزات، وبأجمل الصالحات، حتى ينال بذلك رضاء رب الأرض والسماوات.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

⇐ كما نترككم أيضًا مع خطبة: كيف نستقبل شهر رمضان – مكتوبة

أضف تعليق

error: