خطبة عن حرمة إيذاء الآخرين بتتبع عوراتهم وانتهاك خصوصياتهم

خطبة عن حرمة إيذاء الآخرين بتتبع عوراتهم وانتهاك خصوصياتهم

عناصر الخطبة

  • الاعتصام بحبل الله ركن عظيم في الوحدة وعدم التفرق وحماية المسلمين من إيذاء بعضهم بعضاً.
  • إيذاء المؤمنين والناس بتتبع عوراتهم انتهاك لحقوقهم وارتكاب للمحظورات الشرعية وإشاعة للفاحشة بينهم.
  • المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يؤذيه والواجب الشرعي على المسلم أن يستر أخاه ويحفظه من السوء في كل حال.
  • من الستر المطلوب على المسلمين عدم تصوير المصابين في حوادث السير، وعدم نشر المقاطع المؤلمة للمتوفين والمصابين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الخطبة الأولى

إنّ الله ﷻ كرم الإنسان وفضّله، وسخّر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً، وجعله خليفة في الأرض، وزوّده بالقوى والمواهب ليعمر الأرض، وليصل إلى أقصى ما قُدّر له من كمال ماديّ ورقيّ روحي، ومن مظاهر تكريم الله ﷻ للإنسان حرمة إيذائه والاعتداء عليه وانتهاك خصوصيته، فقال ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58]، ومعنى هذه الآية أن الذين يؤذون أهل الإيمان بغير ما فعلوه، وبغير جناية واستحقاق للأذى، فقد حملوا أنفسهم الكذب والإثم.

ولذلك كان من أهمّ ضوابط الشريعة في التعامل بين الناس هو حسن الظنّ فيهم وتحريم إيذائهم والاعتداء عليهم، وتتبع عوراتهم أو التصيد لأخطائهم، فما من أحد إلا وفيه من العيوب والخطايا ما الله به عليم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِهِ» ← صحيح ابن حبان.

فالمسلم الحق لا يفرح بخطأ إخوانه من المسلمين، ولا يتصيد لهم زلاتهم وهفواتهم، ليشفي غلّ صدره وقلبه، بل ينبغي أن يكون سليم الصدر، طاهر الروح، نقي القلب، يحب الخير لإخوانه كما يحبه لنفسه، ويكره لهم الكفر والفسوق والعصيان، فالمسلم مرآة أخيه، وهو له ناصح أمين.

عن عبد الله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله ﷺ: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان، نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد» ← سنن ابن ماجه.

عباد الله: وأما انتهاك حرمات الناس وتتبع عوراتهم مرده إلى غرور النفس وإعجاب المرء بنفسه وعدم ملاحظة عيوبه، وهو أمر من أخطر آفات النفس التي ينبغي للمرء علاجها يقول النبي ﷺ: «ثلاث مهلكات: شُحٌّ مُطاع، وهوى مُتَّبع، وإعجاب المرء بنفسه» ← رواه الطبراني.

فلا يجوز انتهاك حرمات المسلم والاعتداء على حقوقه واستصغار شأنه، وبثّ عيوبه وإشاعتها أمام الناس فهو طريق لوقوع الفتنة وإشاعة البغضاء في المجتمع وقد توعد الله ﷻ هذه الفئة بالعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النور: 19.

كما توعد النبي ﷺ من يسعى في تتبع عورات الناس وفضح ذنوبهم وأخطائهم التي سترها الله عليهم بأن الجزاء سيكون من جنس عمله، فكما سارع في فضح من ستره الله ﷻ فإن الله ﷻ سيفضحه أمام الناس، يقول النبي ﷺ «من ستر عورة أخيه المسلم، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته، حتى يفضحه بها في بيته» ← رواه ابن ماجه.

وقال السخاوي: وقد روينا عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله، أنه قال: “أدركتُ بهذه البلدة –يعني المدينة –أقوامًا لم تكن لهم عيوب، فعابوا الناس؛ فصارت لهم عيوب، وأدركتُ بها أقوامًا كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس؛ فنُسيت عيوبهم”.

وما ذاك الوعيد الإلهي والتحذير النبوي إلا لأن خطر الترصد لهفوات الناس وزلاتهم سبيل إلى المشاحنة وتفكك المجتمع والمسلم مطالب بالمحافظة على كل ما من شأنه جمع القلوب ورصّ الصفوف وتوحيد الكلمة فقال ﷻ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) آل عمران: 103، وهو سبيل لوقوع سوء الظن بين الناس الذي حذّر منه النبي ﷺ، ودعا لاجتنابه.

عباد الله: وإن من صور إيذاء المسلم: الاستطالة عليه في عرضه بالقذف أو الغيبة أو النميمة أو التجسس أو الهمز أو اللمز أو السخرية، ومن تلبيس إبليس على بعض الناس الفرح بتصيد الأخطاء والهفوات، ثم عرضها وإشهارها ونشرها، ادعاءً أن ذلك من باب تحذير الناس وتوعيتهم، أو من باب النصيحة لهم، وهذا من أخطر الأمور حين يُغلّف الباطل برداء النصح والإرشاد، فتتحول حينها النصيحة إلى فضيحة ويتحول النقد البناء إلى معول هدم في المجتمع، خاصة إذا تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال الصفحات الإلكترونية.

قال الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 11–12].

وقال ﷺ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ« رواه أحمد.

يقول ابن الجوزي: “وكم من ساكت عن غيِبة المسلمين، إذا اغتيبوا عنده، فَرِح قلبه، وهو آثم من ذلك بثلاثة وجوه: أحدها: الفرح، فإنه حصل بوجود هذه المعصية من المغتاب، والثاني: لسروره بثلب المسلمين، والثالث: أنه لا ينكره، فإن خاف الجليس ضرراً في الإنكار فليفارق ذلك المجلس”.

وأنشد الشافعي رحمه الله ﷻ:

إِذا رُمتَ أَن تَحيا سَليماً مِنَ الرَدى
وَدينُكَ مَوفورٌ وَعِرضُكَ صَيِّنُ

فَلا يَنطِقَن مِنكَ اللِسانُ بِسَوأَةٍ
فَكُلُّكَ سَوءاتٌ وَلِلناسِ أَلسُنُ

وَعَيناكَ إِن أَبدَت إِلَيكَ مَعائِباً
فَدَعها وَقُل يا عَينُ لِلناسِ أَعيُنُ

وَعاشِر بِمَعروفٍ وَسامِح مَنِ اِعتَدى
وَدافِع وَلَكِن بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ

عباد الله: وإن من صور انتهاك خصوصية الناس وكشف عوراتهم ما يحدث من تصوير المصابين في حوادث السير، ونشر المقاطع المؤلمة للمتوفين والمصابين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الحوادث أشد ما تكون على المصابين وعلى أهاليهم، فالموت مصيبة المصائب، قال الله ﷻ: ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ (المائدة/106).

وهذا يتطلب من المسلم أن يسعى قدر جهده ووسعه لإنقاذ المصابين ومساعدتهم إن استطاع، لا أن ينتهك خصوصية المصابين وكرامتهم – سواء منهم الأموات أو الجرحى – لما فيه من انتهاك حرمة الآخرين والاعتداء على كرامتهم، وكرامة الإنسان مصونة في شريعتنا الإسلامية لقول الله ﷻ ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء/70)، ولما فيه من التجسس على الغير، والله ﷻ يقول: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ ( الحجرات/12)، بل إن تصوير الإنسان في الأحوال الطبيعية بغير إذنه لا يجوز شرعاً.

⬛️ وهذه: خطبة عن احترام الكبير – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله: إن من حق المسلم على المسلم أن ينصره وأن يذبّ عن عرضه ويصون كرامته وسمعته أمام الناس يقول النبي ﷺ: «مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْمَغِيبَةِ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ» ← رواه أبو داود.

ويقول النبي ﷺ: «مَنِ اغْتِيبَ عِنْدَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ وَهُوَ يَسْتَطِيعُ نَصْرَهُ فَنَصَرَهُ، نَصَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ نَصْرَهُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ أَدْرَكَهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ← رواه البخاري في الأدب المفرد.

قال بعض الصالحين: “اجعل كبير المسلمين عندك أباً، وأوسطهم أخاً، فأي أولئك تحب أن تسيء إليه”، وقيل: “ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إذا لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه”.

فالواجب على المسلم الحريص على نفسه ومجتمعه إن رأى هفوة أو زلّة من أحد الناس أن يبادر بتقديم النصيحة له وتنبيهه، فعن تميم الداري رضي الله عنه قال: أن النبي ﷺ، قال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» ← متفق عليه.

كما ينبغي على المسلم الستر على أهل الذنوب والمعاصي وعدم إشاعة الفاحشة وإذاعتها، فالله ﷻ لا يحب الجهر بالسوء، ويحب الستّر على عباده، يقول النبي ﷺ: «إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر» ← سنن أبي داود.

والله ﷻ يستر عباده العصاة المذنبين يوم القيامة، كما جاء في قوله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]» ← متفق عليه.

وهو ﷻ يجازي المسلم الذي يقدم الخير لأخيه المسلم، فيستر على من ستر غيره، ويفرج عن من فرج عن أخيه، كما جاء في قول النبي ﷺ وقال أيضاً: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَة» ← رواه البخاري.

والحمد لله رب العالمين..

⬛️ وهنا أيضًا: خطبة عن فضل إصلاح ذات البين – مكتوبة «كاملة، بالعناصر»

أضف تعليق

error: