خطبة عن الإعلام.. وأثره في بناء الأمة – مكتوبة

خطبة عن الإعلام.. وأثره في بناء الأمة – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • كان الإعلام قبل الإسلام يقوم على الشِعْر، والخطب بما تحمله من دعوة إلى العصبية، وإثارة الضغائن والحروب الطاحنة.
  • أنزل الله ﷻ القرآن الكريم ليكون رسالة هداية للإنسان والإنسانية في جميع مناحي الحياة، ومنها رسالته الإعلامية في مخاطبة أصناف البشر، ينادي كلاً منهم بأبرز صفاته (يا أيها الناس) (يا أيها الذين آمنوا)
  • نداء المخاطبين في القرآن الكريم وسيلة إعلامية عظيمة وهي من أنجح الوسائل؛ لأن المخاطبين يفتحون آذانهم وقلوبهم لنداء ربهم الذي خلقهم في أحسن تقويم.
  • التثبت من الخبر أو النبأ منهج قرآني فريد، وقد خاطب الله ﷻ الذين آمنوا إن جاءهم فاسق بنبأ أن يتبينوا، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).
  • الأمة الإسلامية في كل مراحل حياتها هي أمة الدعوة والإجابة، تدعو جميع الأمم إلى الهداية الربانية، والتخلق بالأخلاق الحميدة. وخاصة في هذا العصر وما توافر فيه من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة.
  • دعاء يونس عليه السلام في ظلمات ثلاث وسيلة إعلامية مباركة من نبي مرسل، تدعونا ليكون إعلامنا قائماً على التنزيه لله ﷻ، والاعتراف بالذنوب (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).

الخطبة الأولى

لكل أمة وسائل إعلام تناسبها، ولكل جيل طريق إعلامي يسلكه، وإعلامنا في الإسلام يعتمد الوحيين: القرآن الكريم والحديث الشريف قال الله ﷻ: ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ إبراهيم: 52، ونبينا الكريم ﷺ جاء مبلغاً عن ربه ﷻ لقوله ﷻ ﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾ المائدة: 67.

فلا تبليغ ولا بيان ولا دعوة ولا إخبار ولا نصيحة بدون إعلام صادق هادف يسعى لنشر الخير والفضيلة في المجتمع، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ الشعراء: 214، صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» -لِبُطُونِ قُرَيْشٍ- حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ المسد: 2.

وقد حرص الإسلام على بث روح الفضيلة بين المسلمين من خلال رفع الأذان، نداء الحق، ليكون إعلاماً باعثاً إلى الإقبال على بيوت الله ﷻ لأداء الصلاة التي تصل العبد بربه ﷻ، فإذا قابل رب العالمين خرج المصلي إلى الحياة ربانياً يحمل رسالة الدعوة إلى الله ﷻ بالحكمة والموعظة الحسنة.

ولا ريب أن للإعلام تأثيراً فعالاً على مستوى الأفراد والمجتمع، وقد أمر النبي ﷺ حسان بن ثابت رضي الله عنه بالدفاع عن الإسلام والمسلمين، فكان يمثل جهازاً إعلامياً ناجحاً لنصرة الحق والدين وكان ﷺ يحضه على جهاد المشركين بقوله: «اهْجُهُمْ – يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ أَوْ قَالَ هَاجِهِمْ – وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» ← صحيح البخاري. فهذه غزوة أحد كانت من أشد الغزوات وقعاً في نفوس المسلمين حين أشاع المشركون أن النبي ﷺ قد أصيب، ليبثوا الوهن والضعف في عزائمهم لولا تثبيت الله ﷻ لهم، وهو أسلوب إعلامي يستخدمه العدو في كل زمان ومكان، وفي كل عصر ومصر ليبث الوهن في نفوس المسلمين، وهو ما حذر منه النبي ﷺ بقوله: «كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» ← رواه مسلم.

وفي قصة الهدهد مع سيدنا سليمان عليه السلام دروس وعبر كثيرة في هذا المجال؛ قال ﷻ: ﴿فقال أحطتُ بما لم تُحط به وجئتُك من سبأ بنبأ يقين﴾ النمل:22، وهذا يستوجب على كل من ينقل الأخبار أن تكون تلك الأخبارُ صحيحةً بيِّنةً، وأن يتأكّد منها ويتثبّت قبل تقديمها، وهذا يتعلق بناقل الخبر، أمّا تصرّف سيدنا سليمان عليه السلام فيدلّنا على كيفية تعامل مَن يُنقل إليه الخبر؛ قال ﷻ: ﴿قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين﴾ النمل: 27.

فيجب على مَن نُقِلَ إليه الخبر أن يتأكد من مدى صحته، وعدم قبوله مباشرة؛ فقد لا يكون ناقله صادقاً، ولو كان صادقاً فقد لا يكون متأكّداً مما يقول، وفي قوله: ﴿سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين﴾ قدّم الصدق على الكذب؛ لأنّه هو الأصل والكذب عارض، فالأصل في الإنسان أن يكون صادقاً، والله ﷻ يقول: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ النساء:83

إنَّ هذا المخلوق الصغير من مخلوقات الله ﷻ وهو الهدهد نستطيع أن نسميه (الإعلامي الصادق) ونتعلم منه الكثير الكثير في شؤون حياتنا وفي مجالات متعددة؛ فنحن بحاجة إلى التحرّي والتثبّت قبل نقل الأخبار وتداولها، سيما في هذا العصر حيث التطور الهائل في التكنولوجيا المعاصرة وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يخفى على أحد دورها الكبير في نشر وتناقل الأخبار وبسرعة فائقة وعلى نطاق واسع، وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك إمكانية لنسبة أي قول أو فعل لأي أحد، وصعوبة التثبّت من صدق الخبر أو كذبه مما يغير خريطة الواقع بشكل كلّي.

⬛️ وهنا: خطبة عن الحوار في الإسلام – مفهومه وآدابه

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى صحبه أجمعين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102] أما بعد:

عباد الله، للإعلام دوره الفعال في توجيه الفكر ورسم الطريق للإنسان. فليحرص المسلم على استخدام وسائل الإعلام المتنوعة بالشكل الصحيح، فلا يكون سبباً لنشر الإشاعات والأخبار الكاذبة، وقد قال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ الحجرات: 6.

وقد رأى النبي ﷺ ليلة المعراج، أقواماً تشقّ الملائكة أشداقهم بكلاليب من حديد، فحين سأل عن جرمهم في الدنيا قيل له: «الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ، يَكْذِبُ بِالكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» ← صحيح البخاري.

كما يحرص المسلم على عدم جعل وسائل الإعلام أداةً لنشر الفاحشة والرذيلة في المجتمع، قال ﷻ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النور: 19.

عباد الله: إن الدعاء مخُّ العبادة، وهو إعلام صادق صادر عن نفس المؤمن إلى خالقها ﷻ، وإن أفضلها هو النداء الذي ناداه يونس في بطن الحوت في ظلمات البحر: ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾، فهذا الدعاء اليونسي هو سلاح المؤمن يكرره أربعين مرة في اليوم والليلة، بنية النجاة من الكروب، والانتصار على المعاصي ودعاتها، كما أخبر بذلك الله سبحانه ﷻ: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنبياء: 88.

والحمد لله رب العالمين..

أضف تعليق

error: