خطبة جميلة عن شهر شعبان وليلة النصف من شعبان

ومع دخول الشهر الذي يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان؛ نسوق إليكم خطبة جميلة -مكتوبة جاهزة- عن شهر شعبان. وكذلك نُفرد بعض الحديث عن ليلة النصف من شعبان. كل هذا مع الاستدلال والاستشهاد بما جاء من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

خطبة جميلة عن شهر شعبان وليلة النصف من شعبان

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أما بعد، عباد الله؛ فإن أحسن الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي نبينا محمد ﷺ. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الخطبة الأولى

أيها الإخوة المسلمون؛ إن الله ﷻ قد أمد بأعمارنا حتى دخل علينا شعبان. فنحمد الله ﷻ على ذلك. وإنا لنسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يبلغنا رمضان وأن يعيننا على صيامه وقيامه.

شهر شعبان -أيها الإخوة- شهر عظيم. كان النبي ﷺ يكثر الصيام منه؛ كما أخبرت عائشة -رضي الله عنها- في صحيح البخاري: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان.

لذلك على المسلم أن يُمهد لرمضان، بأن يصوم الإثنين والخميس، أو يصوم يوما ويترك يوما، أو يصوم الأيام البيض منه، أو يصوم ما استطاع. وليس ذلك بواجب، وإنما لأجل أن يستعد لرمضان.

ثم أن بعض الناس يؤخر الصوم -صوم القضاء- إلى هذا الشهر. فليبادر إلى الصيام قبل أن ينقضي هذا الشهر، فيدخل رمضان؛ عند ذلك يأثم لعدم العذر من قضاء الصيام سنة كاملة.

لذلك علينا أن نتقي الله ﷻ في ذلك.

شهر شعبان ترفع فيه الأعمال إلى الله

ثم اعلموا -أيها الإخوة- أن شهر شعبان شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله ﷻ. ولذلك يغفل الناس عنه، وسبب الغفلة كما ذكر أهل العلم: أن الناس يعظمون شهر رجب، وهو مُعَظَّم. ويعظمون رمضان، وهو معظم. وشعبان بين شهرين معظمين فينسونه ويغفلون عنه.

وهو شهرٌ ترفع فيه الأعمال إلى الله ﷻ. والأعمال التي تُرفَع إلى الله ﷻ على درجات أو على مراحل.

الأولى: رفع يومي

فإن الله ﷻ جعل ملائكة يتعاقبون فينا في الليل والنهار. ملائكة تنزل عند الفجر وملائكة تنزل عند العصر. فهؤلاء الذين ينزلون إلى الأرض عند الفجر يصعدون عند صلاة العصر. والذين ينزلون العصر يصعدون عند الفجر. فلذلك يسألهم الله ﷻ -وهو أعلم بالحال وبالناس- فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون.

فيا حظ من صلى الفجر والعصر، ويا حظ من حافظ عليهما. فإن الله ﷻ يطَّلِع على عمله ويُرفَع عمله يوميا إلى الرب ﷻ عند صلاة الفجر وصلاة العصر.

رفع أسبوعي؛ وهو كل اثنين وخميس

تُعرَض الأعمال على الله ﷻ في هذا اليوم. ويوم الخميس يوم ترفع فيه الأعمال إلى الله ﷻ. وإذا كانت ترفع الأعمال، فلا بد أن يزين الإنسان عمله وأن يصلح عمله. لا أن يفسده. حتى يقول بعض الناس أهلا بالخميس. وكلما جاء الخميس تراسل الناس وأرسل بعضهم إلى بعض: أهلا بالخميس. فكأن الخميس يوم للعصيان أو يوم للانفلات، أو يوم لترك الواجبات. وما يعلمون أن هذا اليوم ترفع فيه الأعمال إلى الله ﷻ.

بل جاء في بعض الروايات «عشية الخميس ليلة الجمعة». فلذلك علينا أن نتقي الله ﷻ في هذا اليوم والليلة، لأن الأعمال ترفع فيها إلى الله ﷻ. فلتكن أعمالنا صالحة، تبيض الوجه عند الله ﷻ.

المرحلة الثالثة وهو الرفع السنوي

والرفع السنوي يكون في شهر شعبان. أعمالك في السنة كلها تُرْفَع إلى الله ﷻ من خير ومن شر. فالله ﷻ ينظر إلى عملك، وينظر إلى حسناتك وسيئاتك. ثم تكون الرحمة أو يكون غير ذلك والعياذ بالله.

لذلك؛ علينا أن نُحسِن العمل لننتظر الجزاء الحَسَن من الله ﷻ.

الرفع الكُلّي؛ عند الموت

ثم اعلموا أيها الإخوة أنه تُرْفَع الأعمال كليا، وذلك عند الموت. فإذا مات الإنسان انقطع عمله وطويت صحيفته وارتفعت إلى المولى ﷻ لينظر فيه؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذه الأعمال كلها تُرْفَع إلى الله ﷻ. فالله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.

ووضِع الكتاب بين يدي الله ﷻ؛ فالمجرمون يدعون بالويل والثبور، لأنه ما من صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها هذا الكتاب. يقول -سبحانه- في سورة الكهف ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.

حتى لو كان المسلم قد غفر الله له، فإن الله ﷻ يُدني عبده المؤمن؛ وبعد أن يضع عليه كنفه؛ فيقول له ﷻ: أتعرف ذنب كذا؟ قال: أي رب، أعرفه. قال: سترته عليك في الدنيا وأنا أغفره اليوم لك. الله أكبر.

وهؤلاء الكفار ﴿فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. يأتيهم هذا الجواب، ثم ما يكون المصير؟ يكون المصير ﴿فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾. نعوذ بالله من ذلك.

أما المؤمن؛ فتُعرض أعماله على الله. فيقول أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه-: واسوأتاه من الله؛ والله لو غفر الله لي لمت حياء من الله من سوء عملي، ومن سوء فعلي أمام بصر ونظر الله ﷻ.

لذلك كان علينا أن نُحسِن العمل، فإن الأعمال مرفوعة إلى الله ﷻ. ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾.

﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾؛ ليس هناك عمل ولا قول ولا فعل إلا وهو مكتوبٌ في هذه الصحيفة. فالله ﷻ تكون أعمالك تحت مشيئته، إن شاء عفا وإن شاء عذب.

أسأل الله ﷻ أن يعفو عني وعنكم ووالدينا وجميع المسلمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله.

أما بعد، عباد الله؛ فاعلموا أن ربكم قال في محكم تنزيله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.

شعبان شهر القراء

إن شهر شعبان هو شهر القراء؛ كما أخبر بذلك كثير من السلف. فإنهم يقرءون القرآن ويجتهدون فيه تمهيدا لرمضان شهر القرآن.

ولذلك؛ فإنه على المسلم أن يُكثِر من قراءة القرآن في شعبان، حتى يتعود ذلك؛ فيكثر من من من القراءة في رمضان.

ليلة النصف من شعبان

ثم اعلموا -أيها الإخوة- أن شعبان فيه ليلة، هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان. وهذه لم يرد فيها حديث في تخصيص عبادة. فلا تخصص واحذر من ذلك. لا تخصص عبادة في ليلة النصف من شعبان، ولا تُعِن على إرسال الرسائل التي لم تصح في قيام هذه الليلة أو صيام هذا النهار.

لكن إذا كان الإنسان يصوم الأيام البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، فلا حرج في ذلك. أما أن يصوم لأجل أنه النصف من شعبان أو يقوم الليل لأنها ليلة النصف من شعبان، فهذه بدعة محدثة ما أنزل الله بها من سلطان.

وبعض الناس يعمل عشاءً في كل شعبان، أو في كل رمضان؛ يخصص ذلك. فيقول عشاء الأموات. وهذه بدعة أيضا منكرة، لم تكن من في عهد النبي ﷺ ولا الخلفاء ولا الأئمة المتبوعين.

لذلك كان على المسلم أن يتقي الله ﷻ وأن يعمل على الدوام بالصدقات والخيرات، ولا يخصص عملا في زمن إلا إذا جاء الشرع بتخصيصه.

فضل العبادة في أوقات الغفلة

ثم اعلموا -أيها الإخوة- أن مما قرره العلماء، أن العبادة في أوقات الغفلة هي من أعظم الأعمال عند الله ﷻ وأجلها. لذلك كان على الإنسان إذا رأى الناس قد غفلوا، أنه يعمل الخير، ويعبد الله ﷻ.

دليل العلماء في ذلك، قوله ﷺ «العبادة في الهرج كهجرة إلي»؛ وهو حديث في صحيح مسلم.

من يعبد الله في وقت زمن الفتنة، وتهارج الناس، وافتتان الناس بعضهم ببعض؛ فهو يعبد الله ﷻ في هذا الوقت كأنه مهاجر إلى رسول الله ﷺ. وأجر الهجرة من أعظم الأعمال عند الله ﷻ. لذلك احرص على العمل وقت الغفلة.

ومما يغفل الناس عنه، بنص حديث رسول الله ﷺ، لما سأله أسامة بن زيد -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله! لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟! قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم».

لذلك؛ فإن العبادة في في شعبان عبادة عظيمة وجليلة، يغفل عنها كثير من الناس. بل من السلف أيضا من كان يصلي بين المغرب والعشاء ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين؛ ما شاء الله له أن يصلي. لماذا؟ لأن الناس في وقت المغرب؛ إما أن يذهب يمينا أو شمالا أو ينام أو غير ذلك. وهذا قائم لله ﷻ في وقت يغفل الناس عنه.

كذلك في دخول السوق، فإن ما أعلم جزاء مثل هذا الجزاء بسبب ذكرٍ واحد، إذا دخلت السوق فإنك تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير. فإنك إذا قلت ذلك فإنه تكتب لك ألف ألف حسنة، يعني مليون حسنة. ويُمحى عنك ألف ألف سيئة، يعني مليون سيئة. ويرفع لك يوم القيامة ألف وألف حسنة، يعني مليون حسنة. وذلك يعني أن الناتج = ثلاثة ملايين حسنة لأجل ذكر؛ لماذا؟ لأنك ذكرت الله في وقت ينظر الناس إلى السلع، ويبتهلون بالدنيا ويبتهجون بها. ثم إن هناك من الغش والتزوير والكذب والحلف الكاذب؛ ثم بعد ذلك أنت قد ذكرت الله ﷻ في وقت غفل الناس عنه.

فالعبادة في وقت الغفلة من أعظم الأعمال إلى الله ﷻ. متى ما رأيت الناس قد غفلوا عن العبادة، فافزع إلى الصلاة وإلى العبادة، فإن الله يرفع شأنك. فالنبي ﷺ كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. والله ﷻ أمره فقال ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ﴾. يعني إذا فرغت من شغل الدنيا فقم إلى الصلاة وشغل الآخرة.

الدعاء

أسأل الله ﷻ بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا لكل خير.

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت؛ وقنا واصرف عنا برحمتك يا ربنا شر ما قضيت.

لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربا إلا نفسته، ولا دينا إلا قضيته.

ونسألك اللهم لا تجعل فينا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلحنا وأصلح بنا؛ اللهم أصلح زوجاتنا وذرياتنا يا رب العالمين.

اللهم نسألك يا الله أن تبلغنا رمضان؛ اللهم بلغنا رمضان. اللهم أعنا على صيامه وقيامه يا رب العالمين. اللهم اجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا يا أكرم الأكرمين؛ إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

وصل اللهم على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

وأقم الصلاة.


وفَّرنا لكم أعلاه خطبة جميلة عن شهر شعبان وليلة النصف من شعبان. ألقاها فضيلة الشَّيخ فرحان بن عبيد الشمري؛ جزاه الله خيرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top