خطبة الجمعة مكتوبة… بعنوان: والله يدعو إلى الجنة والمغفرة

تمت الكتابة بواسطة:

الآن نسوق إليكم، أئِمتنا وخطبائنا الأكارِم خطبة الجمعة مكتوبة؛ بعنوان: والله يدعو إلى الجنة والمغفرة. خطبة مكتوبة نُفرِد فيها الوعظ والإرشاد عن جنة رب العالمين سبحانه، ومغفرته ورحمته بعباده.

خطبة الجمعة مكتوبة , والله يدعو إلى الجنة والمغفرة

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير﴾.

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد؛ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

الخطبة الأولى

أما بعد؛ فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الدنيا متاع، وأن الآخرة هي دار القرار. ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

يا ابن آدم؛ إذا شئت أن تحيا سعيدا فلا تكن على حالة إلا رضيت بدونها.

والله يدعو إلى الجنة والمغفرة

يا معشر الإخوة؛ يقول مولانا ﷻ في سورة البقرة ﴿وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾. ويقول -تبارك وتعالى- في محكم تنزيله ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود “رضي الله عنه” أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك».

يا معشر الإخوة؛ قد يكون الشيء قريبا ويراه الإنسان بعيدا، ويكون الشيء صغيرا ويراه الإنسان كبيرا، ويكون الشيء خفيفا ويراه الإنسان ثقيلا. ألا ترون إلى هذه الصلاة التي جُعلَت قرة عين النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهي قرة عين الخاشعين المخبتين. هذه الصلاة الخفيفة التي يتصل فيها العبد بالمولى ﷻ في لقاءٍ يسير. هذه الصلاة قال المولى عنها ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾.

ركعتان خفيفتان تكونان ثقيلتين على الإنسان كأنهما أثقل من الجبل؛ إلا إذا كان من الخاشعين المخبتين.

وها هنا يقول المولى -سبحانه- ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾. هذه رحمة الله قريبة بين أيدينا؛ فأين نحن منها؟ ولماذا لا نتغشّاها ولا ندنو منها وهي قريبة منا؟ والسبيل إليها يسير.

إن رحمت الله التي وسعت كل شيء قريبٌ من المحسنين؛ ولاحظ: لم يقل قريبة، مع أن الرحمة مؤنثة. هكذا قال قريب من المحسنين لأن الرحمة صفة ذاتية للمولى سبحانه، أُضيفت إلى الله تعالى. فكأن المعنى: إن الله قريب من المحسنين. بل هو معهم، كما قال في آية أخرى ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

وفي الحديث الذي سمعناه، يقول النبي ﷺ «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله»، وهو السير الذي يدخله الإنسان بين أصبعي قدمه. الجنة أقرب إلى أحدكم من ذلك.

فأين نحن من تِلك الجنة التي عرضها السماوات والأرض؟ التي قال الله ﷻ فيها ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ | بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ | لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ | وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ | وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ | وَحُورٌ عِينٌ | كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ | جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ | لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا | إِلاَّ قِيلا سَلامًا سَلامًا﴾.

وهنالك أُناس منهم ﴿فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ | وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ | وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ | وَمَاء مَّسْكُوبٍ | وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ | لّا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾.

أين نحن من الجنة؟

رجلا أخبر عنه النبي ﷺ، قال «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له». بسبب أنه زحزح غصنا كان في الطريق؛ شكر الله ﷻ له، فغفر له.

وفي حديثٍ آخر؛ في صحيح البخاري -أيضًا- «غُفِرَ لامرأة مومسة، مرت بكلب على رأس ركي يلهث، قال: كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك».

إن الله ﷻ أكرم الأكرمين. وها هنا قد يسأل سائل، فيقول: إن الجنة سلعة الله، وسلعة الله غالية؛ فكيف يجعل المولى ثمنها يسيرا إلى هذه الدرجة؟ وبحيث تكون الجنة أدنى إلى الإنسان من شراك نعله؛ كيف يكون ذلك؟

الجواب: أنك أيها السائِل لم تفطِن إلى أمرٍ جلل، وإنه غاب عنك سر خفي في المسألة، بل هو أمر ظاهر، ليس بسر. وأمر ظاهر للعالمين الراسخين في العلم. نعم؛ سلعة الله ﷻ غالية، ولكن التعامل ها هنا مع أكرم الأكرمين وأجود الأجودين. إنه لم يجعل ثمن الجنة هذا العمل اليسير وحسب. ولكنه جعل هذا اليسير عملا عظيما عنده.

ألم تر إلى قول النبي ﷺ في الذي يتصدق بالتمرة «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل»؛ فلوه: أي مهره الصغير.

إن الله ﷻ إذا شكر عبدا على عمل علِم أنه كان مخلصا فيه، يجعله عظيما أعظم من الدنيا. فسبحانه ما أعظمه وما أكرمه.

نسأل الله ﷻ أن يجعلنا من أهل الجنة؛ وأن ييسر لنا كل سبيل إليها وأن يغفر لنا ذنوبنا.

هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا. صلى الله عليه وعلى آله السادة الغرر ما اتصلت عين بنظر وسمعت أذن بخبر.

كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى

يا معشر الإخوة؛ الشَّقي حقا هو الذي لم يتعرض لنفحات الله، ولم يدنو من هذه الجنة التي عرضها السماوات والأرض.

يا معشر الإخوة، إن كل أمة محمد ﷺ سيدخلون الجنة؛ إلا من رفض دخولها. كما أخبر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الحديث الصحيح المتفق على صحته «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».

معادلة واضحة؛ من أراد الجنة فعليه باتباع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-. ومن رحمة الله ﷻ أنه جعل الأصل دخول الجنة؛ ولهذا لم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- كل أمتي يدخلون النار إلا من أطاعني. وإنما جعل الأصل هو دخول الجنة. من أطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أراد أن يدخل الجنة، ومن أبى دخول الجنة عصى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.

الدعاء

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وأن يهدينا وأن يغفر لنا ذنوبنا.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل. ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.

اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تعذبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير؛ إنك على كل شيء قدير.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين. ووفق إمامنا إمام المسلمين. اللهم وفقه وسائر ولاة أمور المسلمين إلى ما تحبه وترضاه يا رب العالمين.

اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين؛ برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.

ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.

أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله؛ محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.


كانت هذه خطبة الجمعة مكتوبة، لهذا الأسبوع. تأتيكم بعنوان: والله يدعو إلى الجنة والمغفرة. ألقاها فضيلة الشيخ عبدالعزيز الحربي -جزاه الله خيرًا-.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: