خطبة عن المخدرات ونعمة العقل

إن ما ستقرأون الآن هو خطبة عن المخدرات ونعمة العقل. وكيف لا يهتم الأئِمَّة والخطباء بمثل هذه المواضيع وهي آفة خطيرة تُهَدد الشباب والمجتمع، بل والبلاد قاطِبة.

ونحن بدورنا في ملتقى الخطباء وصوت الدعاة بموقع المزيد، نسوق لكم هنا خطبة جمعة مكتوبة جاهزة حول نعمة العقل، والتوعية عن خطر المخدرات على الفرد والمجتمع، وبيان أضرارها وحرمة تعاطيها. مكوَّنة من مقدمة ومحتوى للخطبة الأولى ثم الثانية، ثم دعوات طيبة في نهايتها.

خطبة عن المخدرات ونعمة العقل

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين. ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ | يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾. ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله. أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله فإنها وصيته للأولين والآخرين. وهي التي قال فيها ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾.

كما أوصيكم بوصية رسول الله ﷺ التي قال فيها «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».

الخطبة الأولى

نعمة العقل

يا معشر الإخوة؛ العقل هو جوهر الإنسان، وهو السيد في ذلك الجِرم الذي خلقه الله ﷻ . ومن أظلم ممن أفسد ذلك العقل، وسعى في خرابه.

يقول الشاعِر:

العَقلُ في جَوهَرِهِ واحِدٌ — وَعَنهُ يَبدو النَفعُ وَالضَرُّ
مِثلُ شُعاعِ الشَمسِ وَبَدرِها — بَردٌ وَمَنهُ في الثَرى الحَرُّ

يقول ابن حزم -رحمه الله-: ما رأينا شيئا فسد فعاد إلى صحته إلا بعد لأي؛ فكيف بدماغ يتوالى عليه السُّكر كل ليلة.

وحديثي اليوم ليس عن الخمر، ولكن عن شيء هو أكبر من هذا؛ وهو المخدرات.

خطر المخدرات

هذه الآفة التي فتكت بكثير من العقول وكثير من الأجساد وكثير من الأعراض وكثير من البيوت والأسر؛ مزقت الأسر وفتكت بالمجتمعات. إنها آفة وأي آفة؟ اسألوا المستشفيات، واسألوا الأطباء واسألوا المحاكِم، واسألوا الخبراء: ماذا فعلت هذه الآفة؟

تلك التي وردت إلينا ووردت إلى بلادنا، تلك التي تسري وتعربد كالسرطان في الجسم.

يا معشر الإخوة، الخمر التي هي أم الخبائث حرمها الله ﷻ وذكرها لنا في صورة شنيعة بشعة. فقال الله ﷻ في الخمر -التي هي دون المخدرات- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ | إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾.

هاهُنا اثنا عشر وجها في تشنيع الخمر التي حرمها الله ﷻ. أولا يقول -سبحانه- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾. ولا يأتي في القرآن يا أيها الذين آمنوا إلا وبعد ذلك تكليف، وتكليف جلل؛ إما أن تؤمر بشيء وإما أن تنهى عن شيء.

ثم جاء بعد ذلك بالخمر وما معها بأسلوب الحصر والقصر الذي يفيد التوكيد. فقال ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾.

والأمر الثالث أنه قرنها بالأنصاب التي هي الحجارة التي كانوا يعبدونها. وفي ذلك تبشيع لها وتشويه لصورتها.

ثم بعد ذلك قال عنها إنها ﴿رِجْس﴾. والرجس هو الشيء القذر والذي يترتَّب عليه إثم وعقاب. ثم زاد على ذلك فقال ﴿مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾. وهل يأتي من الشيطان إلا شر! هل يأتي منه خير؟

ثم أكد ذلك بعد ذلك بقوله ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. أمر صريح. لا كلام فيه.

ثم بعد ذلك علَّق الاجتناب بالفلاح فقال ﴿فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. كأنه قال فاجتنبوه لتفلحوا. فإن لم تجتنبوه فإنكم حينئذ بعيدون عن هذا الفلاح.

ثم أكد ذلك بعد ذلك بقوله ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾، هذه واحدة. ﴿وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾، هذه الثانية. ﴿وَعَنِ الصَّلاةِ﴾، هذه الثالثة. ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾، هذه الرابعة.

وهي في الحقيقة الثانية عشرة. اثنا عشر وجها في بيان شناعة هذه الخمر التي حرمها الله ﷻ، وتسمى أم خبائث. فكيف بهذه المخدرات؟

رسالة إلى الشباب وأولياء الأمور

هذه المخدرات التي فتكت بكثير من الشباب. وأنا هنا أهمِس همستين؛ إحداهما في أذن الشباب والأخرى في أذن أولياء الأمور.

يا معشر الشباب؛ شبابكم لا تفرطوا فيه. إن الوسيلة إلى التسلل إلى أخلاقكم وإلى إفساد عقولكم الخلطاء. فإياك أيها الشاب وجليس السوء. إياك ومخالطة جليس السوء فإنه يفسد حياتك. إنه يفسد دنياك وآخرتك باختصار.

وأنت أيها الأب، يا ولي أمر ذلك الشاب؛ احرص على أن تعرف ابنك. يخالط من؟ يمشي مع من؟ يساير من؟ اسأله، تابعه. لا تهملوا أبناءكم فيصبحوا بعد ذلك فريسة لمثل هذه الأشياء.

نسأل الله ﷻ أن يحفظ أبناءنا وأن يحفظ بلادنا ومجتمعنا من هذه الآفات.

هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله؛ أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا. صلى الله عليه وعلى آله السادة الغرر ما اتصلت عين بنظر وسمعت أذن بخبر.

الإبلاغ عن مهربيها ومروجيها ومتعاطيها

يا معشر الإخوة؛ علينا جميعا أن نتعاون وأن نتكاتف في الحِفاظ على على أنفسنا وعلى أبنائنا وعلى مجتمعنا وعلى بلادنا من كل شر ومن كل آفة.

ولهذا من عَلِم عن إنسان بأنه يروج مثل هذه الأشياء فإنه إذا سكت في مثل هذا المقام فإنه يُعد شيطانا أخرس، وإنه يكون مشاركا لذلك المروج الذي يروج المخدرات في مجتمعٍ صالِح. يعتبر شريكا له في هذه الجريمة النكراء.

ولهذا يجب على سبيل المناصحة أن يبلغ الإنسان عن هذا الفاعل وعن ذلك المروّج.

وأما من ابتلي بتعاطي المخدرات، فعليه أن ينصحه، ثم عليه أن ينصحه، وأن يتابع ذلك؛ فإن انتصح وإلا فعليه أيضًا أن يبلِّغ عنه، نصيحة له. فإن ذلك في مصلحته؛ حتى يُعالَج وحتى لا يستشري الأمر أكثر من هذا.

الدعاء

نسأل الله ﷻ أن يوفقنا جميعا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يحفظ علينا ديننا وعقولنا، وأن يحفظ علينا أجسادنا.

ونسأله ﷻ أن يسدد خطانا وأن يهدينا إلى سبيل الهدى والرشاد؛ إنه هو السميع العليم.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تعذبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير؛ إنك على كل شيء قدير.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين. وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين. ووفق ولاة أمور المسلمين إلى ما تحبه وترضاه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين؛ برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم احفظ شبابنا، اللهم وفقهم، اللهم وفق أبناءنا واهدهم إلى ما فيه الهدى والخير والرشاد يا أرحم الراحمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، ووفق أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل هذه البلاد آمنة مطمئنة غنية منصورة محروسة وسائر بلاد المسلمين.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمِحَن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.

ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.

أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله محمد، صلى الله عليه وعلى آله أجمعين. والحمد لله رب العالمين.


هذا كان ما لدينا من خطبة اليوم؛ والتي أتتكم بعنوان: المخدرات ونعمة العقل. ألقاها فضية الشيخ د.عبدالعزيز الحربي؛ فجزاه الله خير الجزاء.

ركَّزت الخطبة على التوعية عن بيان أهمية حفظ الضروريات الخمس ومنها نعمة العقل. ثم أطنبت -أيضًا- في التوعية عن خطر المخدرات على الفرد والمجتمع، وبيان أضرارها وحرمة تعاطيها. ثم تطرَّقت بعد ذلك إلى ضرورة ووجوب الإبلاغ عن مهربيها ومروجيها ومتعاطيها.

أضف تعليق

error: