مقدمة الخطبة
الحمد لله العزيز الغفور، الرحيم الصبور، الذي أمر بحسن الخلق، ونهى عن الفجور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نزلت حكمته في الأمور، وظهرت رحمته في الشرور والسرور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، خُلُقه القرآن، وهديه الرفق والإحسان، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين على الدوام.
أما بعد: فيا أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فهي درعٌ واقٍ، وزادٌ باقٍ، ونورٌ للسائرين في طريق الهدى والرشاد.
الخطبة الأولى
عبادَ الله: إن من أخطر الآفات على الإنسان الغضب المذموم، وهو نارٌ في القلب نتاجها سيئ الأخلاق وتؤدي الى الاضرار بالآخرين والندم ، وكانت وصية رسول الله ﷺ لمن جاءه يسأله النصيحة أن قال له: «لا تغضب»، فردَّد مراراً. قال، «لا تغضب» صحيح البخاري، كرَّرها النبي ﷺ ثلاثاً.
واعلموا أن دافع الغضب هو الكِبر الذي يتغلغل في قلب الإنسان وطلب التّشفي من الآخرين، وغرور الإنسان بقوته، فتشتد في نفسه نار الغضب حتى يعمي دخانها عقل صاحبها، وتحرق نور بصيرته.
والغضب له أسوأ الأثر على دين الإنسان ودنياه فإنه يورث في القلب الحقد والحسد وإضمار السوء، والعزم على إفشاء السر وهتك الستر، فكم من غضبٍ لم يملك فيه المرء نفسه، ففعل جرماً يُعاقب بسببه أسوأ العقاب، وربما طلّق الرجل زوجته أو ضرب أولاده، أو تخاصم مع جيرانه وربما دفعته لحظة غضب إلى ارتكاب جريمة قتل أو إيذاءٍ لغيره فيعيش في الحسرة والندامة ويستحق العقوبة في الدنيا قبل الآخرة.
وقد شرع لنا الإسلام الوسائل والأحكام التي يستطيع المسلم من خلالها السيطرة على نوبات الغضب التي تصيبه، فمن وجد في نفسه الغضب فعليه:
- أولاً: أن يعلم الإنسان أنه معرّض لانتقام الله بسبب غضبه وأنه سيحاسب على أفعاله، في الدنيا والآخرة، وأن يستذكر الإنسان أنه عبدٌ فانٍ، سيموت، ويدفن، ويُترك في قبره وحده مع عمله، فكيف يغضب من استذكر حقيقته ومآله، فيخوف نفسه بعقاب الله وهو يقول: قدرة الله علي أعظم من قدرتي على هذا الإنسان فلو أمضيت غضبي عليه لم آمن أن يمضي الله غضبه عليه يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى العفو.
- ثانياً: أن يعلم المؤمن أن الله مدح الكاظمين الغيظ، وأعدّ لهم النعيم والعطاء في الجنة .يقول الله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران: 134، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه دعاه الله عزّ وجل على رؤوس الخلائق يخيّره من أي الحور شاء» سنن الترمذي.
- ثالثاً: أن يتفكر الغضبان في قبح صورته عند الغضب، لأن من يسيطر عليه الغضب يصبح ألعوبة بأيدي الشيطان كما يتلاعب الطفل بالكرة، فلا يعلم من يحركه، ويفقد احترامه أمام محيطه، ورزانته، ويتحكم به شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء التي هي عدوه الذي بين جنبيه متخبطا خاسراً نفسه ومحيطه وأحبابه.
- رابعاً: التأسي بأخلاق سيدنا رسول الله ﷺ، الذي كان أحلَم الناس، وارفقهم، الذي لم يكن يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله عز وجل، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ضَرب رسول الله ﷺ شيئاً قَطّ بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلاّ أن يُجاهد في سبيل الله، وما نِيْلَ منه شيءٌ قَطّ فينتقم من صاحبه، إلاّ أن ينتهكَ شيئاً من محارم الله، فينتقم لله عزّ وجلّ» صحيح مسلم، وأن لا يكون الغضب سبباً في ارتكاب المحرمات، أو السبّ والشتم وقدح الآخرين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: “يا رسول الله أكتب عنك كل ما قلت في الغضب والرضا فقال اكتب فو الذي بعثني بالحق نبيا ما يخرج منه إلا حق وأشار إلى لسانه”، سنن أبي داود، فلم يقل إني لا أغضب ولكن قال إن الغضب لا يخرجني عن الحق أي لا أعمل بموجب الغضب.
- خامساً: أن يستعيذ الغضبان من الشيطان الرجيم فعن سليمان بن صُرد قال:اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا تَحْمَرُّ عَيْنَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» صحيح مسلم، ويعلمنا بقوله: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» صحيح البخاري.
- سادساً: أن يسارع إلى إطفاء نار الغضب بالوضوء، قال رسول الله ﷺ، «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» سنند أبي داود.
- سابعاً: يوجّه رسول الله ﷺ الغضبان إلى السكون وتغيير الحال من الوقوف إلى الجلوس أو الاضطجاع، فالغضبان في حال الجلوس أقدر على تمالك نفسه، والسيطرة على أعضائه، واقرب من الأرض التي منها خلق ليعرف بذلك ذل نفسه وليطلب بالجلوس والاضجاع السكون فإن سبب الغضب الحرارة وسبب الحرارة الحركة، يقول النبي ﷺ: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» سنن أبي داود.
اللهم إنا نتوجه إليك في غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. اللهم ارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول إليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب.
هذه أيضًا ⇐ خطبة مكتوبة عن الغضب وعلاجه
الخطبة الثانية
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، الموفق من يشاء لما فيه الخير والتهذيب والتجميل، أحمده سبحانه حمد الشاكرين، وأستغفره استغفار التائبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة الموحّدين الخاضعين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد الصابرين، وإمام الحليمين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيا عباد الله، الغضبُ جمرٌ في القلب، ونارٌ تشتعل في الصدر، كم فرّق من جمع، وهدَم من بيت، وسفكَ من دم، وأورث صاحبه حسرة وندم. والغضبُ سهمٌ من سهام الشيطان، يفسد العقول، ويقلب الموازين، ويُعمي البصيرة عن الصواب واليقين.
فاتقوا الله عباد الله، وامتثلوا وصية نبيكم ﷺ حين جاءه رجلٌ فقال: «أوصِني»، فقال: «لا تغضب»… فردد مرارًا، قال: «لا تغضب».
جاهدوا أنفسكم عند الغضب، وتذكروا جزاء الكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، وكونوا ممن قال الله فيهم: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
اللهم يا حليم يا كريم، زينا بالحلم، وجنبنا الغضب، واملأ قلوبنا بالسكينة والرضا، واجعلنا من عبادك الراشدين، وحزبك المفلحين، وأدخلنا برحمتك في زمرة الصابرين.
وصلوا وسلموا على نبيكم الأمين، فإن الله أمركم بذلك في كتابه المبين، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ…﴾ الآية.
وأقيموا الصلاة.