خطبة عن حرب روسيا وأوكرانيا وآثارها على العرب والمسلمين

نعم، هي كما قرأت يا صديقي. انها خطبة جمعة عن حرب روسيا وأوكرانيا وما ستخلفه من وآثار وعواقب وخيمة على العرب والمسلمين. فلا تتردَّد أن تكون هذه أحد أولويَّاتك في خطب الجمعة أو دروس العلم واولعظ في هذا الوقت العصيب الذي يمر به العالم أجمع وإخوانك العرب والمسلمين خاصَّة.

نحن في ملتقى الخطباء وصوت الدعاة الآن ندعوك لهذا، أهناك أشد من هذا الوقت الذي يمر به كوكبنا كاملا؟ إنها حرب يا أئمتنا ويا خطبائنا ويا علمائنا. حدِّثوا الناس عن الأمر واجعلوا أمامهم الصورة واضِحة.

خطبة عن حرب روسيا وأوكرانيا وآثارها على العرب والمسلمين

مقدمة الخطبة

الحمد لله، نحمده ونستهديه ونسترشده. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله. أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

يا رب صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون؛ لعلكم تتابعون الأخبار المقروءة والمسموعة والمرئيَّة، وتعرفون ما يدور في هذا العالم بضغطة زِر ونظرة على شاشة إلكترونية. وتعرفون تِلك الحرب التي نشبت مؤخرًا على الكرة الأرضية، إنها الحرب الروسية الأوكرانية.

حرب روسيا وأوكرانيا

ها نحن -أيها الإخوة- في مطلع هذا العام الجديد. نشهد حربا ضروسا. حربا جديدة. والحقيقة -أيها الإخوة- أن الأمر غير مفاجئ. ولم نتفاجأ أن روسيا أعلنت الحرب على أوكرانيا. ولم نتفاجأ ولن نتفاجأ أبدا إذا أعلنت أمريكا حربها على دولةٍ أخرى. سواء كانت روسيا أو كانت أمريكا أو كانت ألمانيا أو فرنسا أو إيطاليا أو أسبانيا؛ أيا كانت هذه الدول. لا نصاب بخيبة الأمل، هذا شيء متوقع.

ولكن أحببت أن أنبه إلى أنني دائما أقول مرارا وتكرارا أننا لسنا في مأمنٍ من أيّ حرب. لسنا في مأمنٍ أبدا. وبإمكان الدوائر أن تدور. وذلك -أيها الإخوة- راجِع لأسبابٍ تاريخية وحقائِق علمية.

إذًا؛ نحن علينا أن نسمع لربنا ﷻ. وأن نثِق في كلام الله الباري ﷻ الذي يعلم ما كان وما سيكون. وهو الذي أخبرنا حينما قال في سورة البقرة ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾. هو الذي قال ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾. هو الذي قال ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً﴾.

إذًا؛ ربي ﷻ كشف لنا هذه الحقائق، وإننا في قلب الصراع. ونحن نعيش في المنطقة الاستراتيجية التي تُسيل اللعاب لأمم الأرض كلها بما نملك من مواقع استراتيجية. وبما من خيرات طبيعية.

فنحن بالنسبة لهم -أيها الإخوة- عبارة عن صيد وهُم وحوش مفترسة. هم أغوال يبحثون عن الفرائس والطرائد ونحن الفريسة الطريدة. وصدق رسول الله ﷺ حينما قال «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». وقالها بالفعل المضارِع. «تتداعى» فعل مضارع. والفعل المضارع في اللغة العربية يفيد التجديد والاستمرار. «تتداعى» ليس مرة واحدة، بل ستبقى تتداعى الأمم علينا، قبل ألف عام، وبعد ألف عام، وإلى يوم القيامة «كما تداعى الأكلة إلى قصعتها».

وأعدوا لهم ما استطعتم…

نعم -أيها الإخوة-. ولذلك ربي ﷻ وضعنا أمام هذا القانون، بل أمام هذا الواجب المقدس، حينما قال ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾.

هذا الإعداد الذي يتطلب منا ثلاث نقاط أساسية:

الأمر الأول: التسليح الذاتي

هذا الإعداد إنما يكون بتصنيع السلاح وليس باستيراد السلاح. لأن الاستيراد هذا لا يحِل مشكلة، بل يُعقدها. ومهما امتلأت مخازننا بالأسلحة المتطورة فإن هذه الأسلحة أما أن تصير قديمة، عتيقة، بالية، لا قيمة لها؛ لأن التكنولوجيا متطورة. بعد عشر سنوات يقال لك [سلاح هذا، بله واشرب ميته].

نحن بحاجة إلى التصنيع، وليس إلى الاستيراد. الاكتفاء الذاتي. أن نصنع سلاحنا بأيدينا -أيها الإخوة-.

وأنا أذكر هنا مرة قيل لستالين بعد خروج روسيا من الحرب العالمية الثانية، قيل له إننا بحاجة إلى تطوير الزراعة والفلاحة ونحن بحاجة إلى الآلات الجرارة، مثل المحراث وغير ذلك. فقال لهم: من أين آتيكم به؟ قالوا له: نستورد. قال: لن نستورد، ولن نطوّر فلاحتنا إلا بأيدينا. وأمر الفنيين والميكانيكيين والخبراء بصناعة الآلة التي تقوم بالحرث وتقليب الأرض وغيرها. وبعد سنتين أو ثلاثة صنعت روسيا الآلات الزراعية، ولم تعتمد على الغرب.

ولذلك ستالين يعتبر هو الأب لروسيا، لأنه هو الذي قام بهذه الصناعات الضخمة، وجعل روسيا دولة متقدمة بعدما خرجت من الحرب العالمية الثانية منهكة لا تملك شيئا. ضعيفة وفقيرة. وإنما علمهم الاعتماد على النفس.

نحن عندنا مئات الجامعات ولا نستطيع أن نصنع مُحركًا واحِدًا. تعلمنا التركيب بعد ستين سنة من الاستيراد. ومن أين نركب؟ من أدوات غيرنا. وهل هذه شطارة؟ ليست شطارة. لا بد أن نُصَنع.

الأمر الثاني: هو تقوية الجبهة الداخلية

أن تكون أمتنا الإسلامية أُمَّة واحِدة، كما وصف ذلك نبي الرحمة -عليه السلام-. حينما قال «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، والحديث في صحيح البخاري ومسلم.

لكِن، كيف نحقق هذا الطموح وهذا الهدف وهذه الغاية العظيمة؟ نحققها من خلال توحيد الثقافة. أن تكون ثقافتنا واحِدة.

نحن اليوم -يا عباد الله- مجتمعنا تتنازعه ثقافات. اليوم تجد أحدهم يقول لك أنا ثقافتي ليبرالية، والآخر ثقافته يسارية، والآخر ثقافته إسلامية. والآخر يقول لا ثقافة لي. ما هي هذه الثقافة؟ قل لي ما هي الثقافة؟

إذًا، نحن اليوم مشتتين ذهنيا، متشتتين فكريا، مشتتين ثقافيا. كيف تأتي هذه الوحدة الداخلية؟ الأمة الواحدة تبدأ من الثقافة. أن تكون لنا ثقافة واحدة.

الأمر الثالث: العدالة الاجتماعية

حينما تكون الطبقية في المجتمع، والتفاوت الطبقي بين الطبقة المرفهة الثرية جدا جدا جدا. وبين الطبقة الهشة الضعيفة جدا جدا جدا. كيف تكون اللُّحمة -أيها الإخوة-؟ لا بد من أن نعدم هذا الفراغ الرهيب بين الطبقات.

نحن أمة عظيمة -أيها الإخوة-. إن الإسلام يأمرنا أن نتاجر وأن نصنع وأن نعمل وأن نكسب الأموال وأن نكون أغنياء وأثرياء، قدر ما نستطيع. وهذا من عِمارة الأرض الواجبة علينا.

أنا أفرح جدا وأرجو جدا أن يكون من المسلمين من هو مِن أغنى أغنياء العالم. هذا شيء عظيم، شيء يحبه الدين ويدعو إليه الإسلام؛ أن يكون المسلمون هم أغنى أغنياء العالم. ولكن الإسلام يقول لنا مهما امتلأت بنوككم وجيوبكم وخزائنكم في بيوتكم. مهما امتلأت وفاضت بالمليارات من العملة الصعبة؛ عليكم أن تعيشوا حياة البسطاء. أن تعيشوا متواضعين. ألا تعيشوا مثلما يعيش الغربيون، حتى ولو كنت ملياردير؛ ولكن حياتك حياة الشعب.

إذًا هذا هو التوازن الذي سعى إليه الإسلام حققه مع الرعيل الأول، مع الجيل المنصور، مع الصحابة الكِرام عليهم الرضوان.

فكان طلحة بن عبيد الله هذا من أغنى الأغنياء. ولو حدثتكم عن ثراءه وماله لأصبتم بالدهشة والإعجاب. وكذلك عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان كانوا يملكون ما يملكون، ولكن حينما يدخلون إلى بيوتهم يأكلون كما يأكل عامة الناس، ويلبسون ما يلبس عامة الناس. فلم تكن عندهم هذه الطبقية على الإطلاق.

بهذا نحقق وحدة مجتمعنا، وأن نقوي ونمتن هذه الجبهة الداخلية. بالعدالة الاجتماعية حينما نحارب الفقر.

الأمر الرابع: هو الحرية. أن يعيش الإنسان وهو يشعر أنه حر. لأن الإنسان الخائف الذي تصطك ركبتاه من الخوف والوجل، وهو يشعر أن فوق رأسه الرقيب والحسيب؛ لا يمكن أبدا أبدا أن يكون عضوا منتجا فعالا.

الخائف لا يفعل شيئا، وإنما الحر.

ودليل ذلك عنترة بن شداد. هذا الفارس المغوار، الذي أصبحت العرب تضرب به المثل في الشجاعة والقوة والإقدام والإقبال. حينما كان عبدا كان لا يشارك قبيلة عبس في غزواتها. وحينما هجمت القبائل الأخرى على قبيلته عبس. ماذا فعل؟ أخذ ماشيته وأخذ نوقه وجماله وذهب إلى الصحراء يرعى بها.

فجاءه أبوه، قال: فرسان القبيلة يحملون السلاح ويدافعون عن عرضها وعن أرضها وعن شرفها وأنت تأخذ الغنم والجمال لترعى بها في الصحراء! فقال له عنتر بن شداد: وما دخلي أنا بعبس؟ قال: أنت ابن القبيلة. قال: أنا عبد، لست حرًا. أنا عبد والعبد لا يحسن إلا الحلب؛ هذه وظيفتي. فقال له والده -وقد فهم مغزى هذا الكلام-: فقال له: يا عنترة قُم وأنت حر. شارك فرسان القبيلة في الدفاع عن الشرف والعرض والأرض وأنت من الآن فصاعدا، حر ولست عبدا.

حينئذ أخرج عنترة سلاحه وسيفه، ودخل الوغى وشارك في المعركة. وأرى العرب ما لم تعرفه من قبل ولا من بعد.  ولا تزال، ونحن بيننا وبين عنترة ما يقرب من ألفين عام. لا زلنا إلى اليوم نقول للإنسان الشجاع: يتعنتر. فلان يتعنتر. يعني كأنه يتشبه بعنتر ابن شداد.

ولذلك الإنسان الحر، الإنسان الذي يعيش بالأمن النفسي والأمن الداخلي سوف يعطي ويُري العالم من نفسه العجب العجاب.

الأمر الرابع: المساواة

حين يكون تكافؤ الفرص في الوظائف. ويكون تكافؤ الفرص في الأعمال. ويكون تكافؤ الفرص في الدراسة. وتكافؤ الفرص في التجارة. وتكافؤ الفرص في الصناعة. ولا يوجد هناك تمييز، لا أقول عنصري، ولكن تمييز إداري. حين حينئذ سوف تنطلق المواهب.

اقرءوا كتاب الطاقات المعطلة للشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-. فقد ناقش فيه هذه المسألة، حينما يحدث تمييز وعدم المساواة بين أفراد الأمة في العلم وفي التجارة وفي الصناعة وفي الوظيفة وفي العمل وفي كل المناصب، حينما يكون فيه تمييز تتعطل المواهب وتتعطل الطاقات، وينسحب كثير من الناس إلى الزوايا ويعيشون في الخبايا بعيدين عما دين الإنتاج والإبداع والعطاء. هذا قانون الله ﷻ.

ماذا تعلمنا من الحرب الروسية الأوكرانية

إذًا، لقد تعلمنا من هذه الحرب الروسية الأوكرانية أننا لسنا آمنين على أنفسنا، وأن هذه الدوائر تدور. والأمر يعود إلى سببين اثنين -يا عباد الله-.

١. علينا أن نفهم أولا طبيعة النظام العالمي كيف يعمل. ونحن للأسف الشديد جاهلون أو أن ثقافتنا في هذا المجال ثقافة ضحلة، بسيطة جدا.

كيف يعمل النظام العالمي؟ كيف تفكر أمريكا؟ كيف تفكر روسيا؟ أنا الآن لا أتعاطف لا مع أمريكا ولا مع روسيا. ولا أتعاطف لا مع الصين ولا مع اليابان. لأن التاريخ أثبت بما لا يدع شكا أن هذه الدول متى تطورت وتقدمت تكنولوجيا، حربيا، صناعيا، فإنها سوف تبتلع غيرها. هكذا يفكر النظام العالمي.

أنا لا ألوم أمريكا. لأن ألمانيا وهتلر فعلوا بالدنيا ما فعلوا، وقتلوا ما قتلوا. وكذلك اليابان وماذا فعلت اليابان؟ جرائمها لا تُنسى ولا تغتفر.

كيف ننسى وهذه جرائمهم؟ هذا عنوان كتاب للشيخ محمد الصالح صديق -حفظه الله-، وهو لا يزال على قيد الحياة. هذا هو عنوانه: كيف ننسى وهذه جرائمهم؟ كيف ننسى وما فعلته أمريكا في العالم؟ كيف ننسى وما فعلته روسيا في العالم؟ كيف ننسى وما فعلته أسبانيا في العالم في أمريكا اللاتينية؟ ماذا فعلت بريطانيا وماذا فعلت فرنسا وماذا فعلت إيطاليا؟ كيف ننسى وهذه جرائمهم؟

التاريخ هو الحافظ الأمين، قد سجل لنا كل شيء.

وإنما إذا ضعفت الدولة؛ هذه الدولة الاستكبارية، الدولة الاستعمارية؛ إذا ضعفت أصبحت مثل الحمام الوديع. أصبحت مثل الغزال اللطيف. تتكلم عن الحرية، عن حقوق الإنسان، عن الإنسانية، عن الرحمة، عن العيش المشترك. إلى غير ذلك.

بمجرد ما ينبت لها قرنان وتخرج المخالب والأنياب تبدأ في الافتراس. وأول من تفترس جيرانها. وتبدأ من القريب قبل البعيد، وبالحبيب قبل البغيض. هذا هو النظام العالمي -يا عباد الله-.

إذًا هو نظام مبنيٌّ على الهيمنة والسيطرة واستغلال الشعوب. ولذلك تعريف السياسة في النظام الغربي، سواء كان ليبرالي أو اشتراكي، سواء كان رأس مالي أو أو شيوعي. يعرفون السياسة في قواميسهم، يقولون: هذه السياسة هي مبنية على المصلحة. يقولون: لا يوجد فيها صديق دائم، ولا عدو دائم، ولكن مصالح دائمة.

فبإمكان أمريكا اليوم إذا رأت المصلحة في غزو ألمانيا سوف تغزوها. لو رأت المصلحة في غزو فرنسا لليوم رأينا البوارج الحربية وحاملة الطائرات ورأينا الغزو قد يفعل فعله.

هذا هو النظام العالمي؛ النظام العالمي مبني أن الضعيف يخدم القوي، وأن القوى يستغل الضعيف.

٢. علينا أن نفهم عقلية الإنسان الغربي. كيف يفكر الإنسان الغربي في أوروبا ولا أمريكا ولا روسيا ولا في أي منطقة. هذا الإنسان الغربي معبوده ومعشوقه شيء واحد، هو الأنانية. هو البحث عن مصالحه الشخصية. هو البحث عن اللذة وعن المنفعة. هو يريد أن يعيش حياة كريمة، يريد أن يعيش في الجنة، ولو أدخلك إلى الجحيم. سيفعل ذلك ويفعل بقلب مطمئن، ويفعل ذلك براحة كاملة، لا يشعر بتأنيب الضمير أبدا.

إذا علينا أن نفهم -يا عباد الله- كيف يشتغل النظام العالمي. وكيف يفكر العقل الأوروبي والعقل الغربي.

هذا هو -أيها الإخوة- هكذا يفكرون، وهذا هو منهجهم، وهذه هي استراتيجيتهم بالأمس واليوم وغدا ولن يتغير شيء.

هم يدفعون الثمن الآن

وأما الروس، فهم يدفعون ثمن غطرستهم، ثمن طغيانهم، ثمن فجورهم؛ كما دفعها الألمان. بعد غرور هتلر وطغيانه. سوف يدفعون الثمن سنة الله ﷻ.

الله ﷻ ليس بغافل عما يعمل الظالمون. ربي ﷻ عنده قانون في هذه الدنيا؛ أن يضرب الظالم بالظالم. نعم -أيها الإخوة-. نحن نثق في وجل وفي عدالته. سوف يدفعون جميعا ثمن ما فعلوه بالمسلمين.

أمريكا وحروبها العشوائية، هي ليست عشوائية؛ هي عشوائية في نظرنا، ولكنها استراتيجية في نظرهم.

أتعرفوا كم هجَّرت ألمانيا؟ أنا قرأت تقريرا لجامعة أمريكية تتحدث عن المُهجَّرين الذين خرجوا من بلدانهم إلى العالم. في هذه العشرية من 2011 إلى 2020. هل تعلمون أن عدد أن عدد المهجرين من خارج أوطانهم إلى الدول الأجنبية قد بلغ ما بين أربعين وخمسين مليون إنسان:

  • سبعة ملايين من العراق.
  • وخمسة ملايين من سوريا.
  • وست ملايين من باكستان.
  • وأربعة ملايين من أفغانستان.
  • وثلاثة مليون من اليمن.
  • ومليون ونصف من ليبيا.

وهكذا -أيها الإخوة- بسبب هذه الصراعات. ثم قرأت في هذا الموقع وأنا أقرأ عن هذا العدد الهائل والضخم الكبير، أجد خبرا صغيرا في نفس هذه الجريدة الإلكترونية، خبر يكاد لا يراه القارئ. هو: بايدن سيوقع على مرسوم رئاسي يقضي بمنح الجنسية الأمريكية لتسعة مليون مُهَجَّر.

يسرقوننا؛ سرقوا البترول وسرقوا الطاقة وسرقوا الخيرات وسرقوا المواقع الاستراتيجية، والآن يسرقون منا الديموغرافية. يسرقون منا الإنسان، يسرقون منا الكائن الحي الذي يصنع الحضارة.

الجانب الروسي

أما روسيا وما فعلته بالمسلمين، الذين هجَّرتهم إلى سيبيريا. هل تعلمون -يا عباد الله- أن لينين وستالين قتلوا أكثر من عشرين مليون مسلم. وهذه جزيرة القرن التي ضموها إلى روسيا هي جزيرة يعيش فيها الأكثرية مسلمون. ضموها في 2014.

لأن روسيا الآن ترتكب أخطأ. كما يقول الخبراء الاستراتيجية. هي ظنت أنها حرب خاطفة. وأنا على يقين أن الغرب وأمريكا وحلفائها يحفرون لها قبرها، ويضعفونها ماديا. روسيا عندها عملة احتياطية سوف تنفقها على الحرب. وبعد ذلك تدخل في الكساد والركود الاقتصادي. وبالتالي لا تقوم لها قائمة فيما بعد. هذا ما يريده الغربيون. يريدون إدخال روسيا إلى مستنقعات.

أرادوا لها ذلك في سوريا ولم ينجحوا. وها هي اليوم في أوكرانيا.

وأنا أدلكم على كتاب، اقرءوه، لمؤرخ ألماني مختص في الشأن الروسي، عنده كتاب رائع وجميل جدا، عنوانه: البوتينية. كيف تفكر روسيا استراتيجيا!

هذا المؤرخ مات في سنة 2018. وهو الذي تنبأ بسقوط الاتحاد السوفياتي قبل السقوط والانهيار بسنوات. مثل ما قال تحقق ذلك. والكتاب موجود -أيها الإخوة-. اقرؤوه لتروا عقلية بوتين. هذه الشخصية النرجسية. وكان جده طباخا للينين وستالين.

إذا فهو صاحب شخصية نرجسية، وكان عنيفا في طفولته، وعنده الشخصية الانعزالية والانطوائية. وعنده مركب النقص من الحضارة الغربية، لأن أوروبا وأمريكا ما قبلت روسيا لتكون جزءا من النظام الغربي.

فهم يشعرون بمركب النقص أنهم أقل من الغرب، ولذلك يريدون إثبات وجودهم عن طريق استعمال هذه القوة.

ولكن -أيها الإخوة- لا ننسى أن روسيا عندها مشاكل حدودية مع كثير من الدول. روسيا الآن تعيش على صفيح ساخن. عندها مشاكل حدودية مع الصين، وعندها مشاكل حدودية مع اليابان والأرخبيل، عندها مشكلة مع فنلندا، وعندها مشكلة حدودية مع ألمانيا، وعندها مشكلة حدودية مع جورجيا، وعندها مشكلة حدودية مع أوكرانيا.

إذًا روسيا محاطة بالأعداء من الداخل والخارج. في داخلها عندها مشكلة مع الشيشان، وهناك مشاكل كثيرة -أيها الإخوة-.

إذن، الغرب لا يريد لروسيا أن تسقط. لن يقبل بسقوط روسيا. لأن من خلال هذه اللعبة [القط والفأر]. يبتزون أموال العالم الثالث.

لأن أمريكا هذا هو ابتزاز الشعوب الضعيفة. ابتزازها وتخويفها. لازم تخلق عدو غول يخيف. ثم بعد ذلك تقوم أمريكا وتقول: نحن نحميكم، نحن فوق رؤوسكم، وتبتزهم ماليا مثل ما فعلت مع السعودية والخمسمئة مليار… إلى غير ذلك.

المنهج الأمريكي

أمريكا لازمها كل عشر سنوات تعلن حربا:

  • نبدأها من الحرب العالمية الثانية، شاركت فيها أمريكا.
  • وفي الخمسينيات دخلت في حرب مع كوريا.
  • وفي الستينيات مع الفيتنام. وفي الثمانينيات مع أفغانستان والروس.
  • في التسعينيات مع العراق والصومال.
  • في الألفين مع العراق.

نعم -أيها الإخوة-؛ فأمريكا هذه لا بد من أن تعيش في الصراع، لأن الجيش الأمريكي دائما بحاجة إلى حرب ليجدد طاقاته. وإلا فالبقاء عشرين ثلاثين سنة بلا حرب، فالقوة الجاهزية للجيش الأمريكي تضعف.

ولذلك، من الخطط والأهداف الاستراتيجية الأمريكية هي صناعة الأزمة، صناعة بؤر الصراع، صناعة الحروب من أجل أن تستفيد هي منها ومن أجل أن تجرب من إنتاجها العسكري والحربي في ميادين القتال.

عندهم أهداف تكنولوجية وأهداف سياسية وأهداف اقتصادية وأهداف استراتيجية، لابد أن نفهم كيف يفكر هذا النظام العالمي -يا عباد الله-.

آثار الحرب الروسية الأوكرانية علينا

في ختام الكلام، ربما أحد الناس يقول: وماذا نستفيد نحن من حرب الروس وأوكرانيا ونجعل منها خطبة جمعة إلى غير ذلك…

أولا -أيها الإخوة-؛ الشعب الحي، الشعب اليقظ، الشعب الذي يملك العقل؛ عليه أن ينظر بعينين لتشمل العالم كله من شرقه إلى غربه. لأننا لا نعيش في قرية معزولة بين الوديان أو في رؤوس الجبال. نحن نعيش في قلب المعركة كما قال مالك بن نبي -وهو مفكر جزائري من أعلام الفكر الإسلامي في القرن العشرين- نعيش في قلب البركان. نعيش في قلب اللهب. نحن سوف نتأثر من هذه الحرب الدائرة.

قطبان يتصارعان؛ ماذا تنتظر من القطبين من الغولين من الدبين إذا تصارعا؟ فإن كل قطب سوف يجر إليه أنصاره وحلفائه. سوف نجد أنفسنا ندخل في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.

فإن روسيا سوف تطول من حلفائها الدعم المادي والدعم الاقتصادي إلى غير ذلك. وإلا سوف ندفع الثمن إن لم نقدم لها دعما. نقدم لها ما تريد. سوف تدور الدوائر.

فنحن نخاف. كاين يروح مع الأمريكان وكاين يروح مع الروس. وسوف يبتزوننا، ويفرغون جيوبنا. ونجد أنفسنا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.

واقرءوا كتابا رائعا عنوانه: آثار الحرب. للشيخ الإمام وهبة الزحيلي -رحمة الله عليه-. رسالة دكتوراه، عنوان الكتاب: آثار الحرب.

بماذا تأتي الحرب؟ تأتي بالخراب والدمار. سوف نشهد ركودا اقتصاديا، وسوف نشهد أزمة طاقة. وسوف نشهد مشاكل تعود علينا بالضرر. وعلى رأسها الغول، وهو غلاء الأسعار.

ففيه آثار مدمرة على العالم النامي، على العالم الثالث. هم يتضررون، ولكن ضررنا أكبر. هم يدخلون في أزمة، ولكن أزمتنا أكبر.

ولذلك ينبغي أن يتعلم المسلمون أن يبتعدوا عن مثل هذه الأحلاف وعن هذه التكتلات وعن هذه الصراعات. وأن ينأوا بأنفسهم، وأن يعملوا جاهدين على تقوية جبهتهم الداخلية -كما قلت لكم- بالحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والمواساة وتوحيد الثقافة، وأن نصنع غذائنا بأيدينا، وأن نصنع أسلحتنا بأيدينا، وأن نصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في كل شيء.

هذا هو طريقنا وهذا هو أملنا وهذا هو خلاصنا. لا يوجد طريق آخر.

نسأل الله العفو والعافية لهذه الأمة. وأن يخرجنا سالمين بعد أن يضرب أن يضرب الظالم بالظالم.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وجعله حجة لي ولكم يوم الدين. ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ | إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾.


كانت هذه خطبة عن حرب روسيا وأوكرانيا. ألقاها فضيلة الشيخ يوسف بوغابة -حفظه الله-.

تحدَّث من خلالها الشيخ عن هذه الحرب الضروس، وما يُمكِن أن تُخَلفه من آثارها ودمار على العرب والمسلمين، وما يجب علينا تجاهها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top