فضل الصحابة ومكانتهم بالأدلة من آيات القرآن وأحاديث السُّنَّة

إذا أردنا حصْر ما ورد في فضل الصحابة ومكانتهم ومنزلتهم؛ فسنحتاج الأيام الطوال والمقالات الكثيرة والخُطَب العديدة. فإنَّ ما جاء في فضلهم في القرآن الكريم أو السُّنَّة النبويَّة المطهرة أو حتى في أقوال أهلم العِلم والسَّلف والتَّابعين؛ كل هذا يصعُب في إطار ضخم جدًا. لكِننا سنكتب ونحاول أن نجتهد في بيان فضل الصحابة -رضي الله عنهم- بالأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة.. فتابعوا القراءة.

فضل الصحابة ومكانتهم بالأدلة من آيات القرآن وأحاديث السُّنَّة

مقدمة

لقد اقتضت حِكمة الله ﷻ وسبق قدره الكوني والشرعي في أنه فاضل بين الأشياء. ففاضل بين المدن والبقاع، ففضَّل مكة والمدينة على سائر المدن. وفضل بيوت الله ﷻ على سائر البقع. كما أنه فاضل بين الشهور؛ ففضَّل شهر رمضان على سائر الشهور. وفاضل بين الأيام والليالي؛ ففضَّل ليالي عشر رمضان على سائر الليالي، وفضل ليلة القدر على سائر الليالي بإطلاق.

وفاضل أيضًا بين الأيام؛ ففضَّل أيام عشر ذي الحجة على سائِر الأيام. وفضَّل يوم عرفة على سائِر الأيام.

كما أنه ﷻ فاضل بين الأشخاص والذوات. ففضَّل الأنبياء والمرسلين على سائِر الخَلْق، وفضل أولو العزم مِنهم على سائر الأنبياء. وفضل الخليلين على سائر أولي العزم. وفضَّل محمدا ﷺ على سائِر من خَلَق. فهو أفضل من خلق على الإطلاق -عليه الصلاة والسلام-.

فضل الصحابة ومكانتهم

كذلك؛ فضَّل الله ﷻ أصحاب النبي ﷺ على سائِر الأمم. فإنه ﷻ لما اصطفى نبيه محمد؛ اختار له أفضل الخلق ليكونوا أصحابه. ولهذا؛ فإن أفضل من طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء والرسل، أصحاب النبي ﷺ.

هذا الجيل الذي لا يُمكِن أن يأتي أحدٌ مثله. ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام- في حديث عمران كما في صحيح البخاري ومسلم «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».

ولهذا امتدحهم الله ﷻ في آياتٍ متعددة، وأثنى عليهم، ورضي عنهم جُملة، وتاب عليهم جُمْلَة. فقال -سبحانه- في سورة التوبة ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾، ﴿لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ﴾.

وقال في وصفهم ﷻ ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾. هذه صفة من صفاتهم -رضي الله عنهم-. أنهم أشداء على أهل الكفر. لكن فيما بينهم رحماء -رضي الله عنهم وأرضاهم-.

﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾؛ وهذه أيضًا صفةٌ أخرى؛ أنهم من أهل الصلاة، من أهل الركوع والسجود. يفعلون ذلك ابتغاء مرضاة الله.

كما قال عنهم في الآية الأخرى، في سورة السجدة ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾. بمعنى أنهم -كما قال عنهم أيضًا في الآيات الأُخرى من سورة الذاريات- ﴿كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

فهذه صفاتهم -رضي الله عنهم-. ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.

فالله ﷻ اختارهم واصطفاهم، وفضَّلهم على سائر الخلق.

ولهذا قال النبي ﷺ «إذا ذُكرَ أصحابي فأمسِكوا». وقال في الحديث الآخر «لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».

أتدرون معنى هذا الحديث؟ أي أنه لو جاء إنسان وأنفق في سبيل الله مثل جبل أحد. هذا الجبل العظيم الذي أنت في إي مكان في المدينة تراه.

فإذا أنفق هذا المسلم مثل جبل أحد ذهبًا في سبيل الله ﷻ ما بلغ في الأجر عند الله كصدقة أخرجها أحد الصحابة مُد من بُر أو من تمر أو من أَقِط.

فأعمالهم فاضِلة، تفضُل جميع أعمال الخلق.

الغرض من ذِكر فضل الصحابة

ولهذا؛ يجب علينا عندما نذكر فضل الصحابة -رضي الله عنهم- لا يكون لأجل التسلية، وإنما -كما قال ابن عباس رضي الله عنه-؛ قال عن أصحاب النبي ﷺ: لمقام أحدهم مع رسول الله -في موقف واحد- تغبَر فيه قدماه -قدم هذا الصحابي- خيرٌ من عِبادة أحدكم لو عُمِّرَ عُمر نوح.

ولهذا؛ فإن فضل الصحبة وشرفها لا يدانيه أي عمل. فإذا ذكرنا فضل الصحابة ومكانتهم -رضي الله عنهم- يكون لأجل أمور:

الأمر الأول

أن نقتدي بهم -رضي الله عنهم-. فهم أهلٌ للقدوة. يجب علينا أن نتبع منهجهم في العبادة، في السلوك، في التقوى.

والدليل على ذلك أن النبي ﷺ جعل مناط النجاة من النار بالتزام منهجهم. فقال في الحديث -كما في السنن- من حديث ابن عمر وغيره. قال «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة» قيل: من هي يا رسول الله؟ فقال ﷺ «من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي».

إذًا؛ فسبيل النجاة هو ما كان عليه أصحاب النبي ﷺ. ولهذا قال ابن عمر -رضي الله عنه-: عليكم الالتزام بمنهج وطريقة هؤلاء. فهؤلاء الذين توفي عنهم النبي ﷺ وهو عنهم راض. وعاصروا نزول الوحي على النبي ﷺ، وسمعوا الوحي منه مباشرة، ورأوه وقلَّدوه في الصغيرة والكبيرة.

ولهذا -رضي الله عنهم- هم قدوتنا. فلنلزم منهجهم. لننظر كيف صلوا، فنصلي. لننظر كيف تصدقوا، فنتصدق. لننظر كيف عاشوا، فنعيش.

الأمر الثاني

إذا ذكرنا فضل الصحابة ومكانة الصحابة. لنعلم أن محبتهم -رضي الله عنهم- والكَفّ عما شجر بينهم من عقيدتنا. من عقيدة المسلم أن يحب أصحاب النبي ﷺ، وأن يعرِف لهم فضلهم ومكانتهم. بل إن من لوازم شهادة أن محمدا رسول الله، محبة الصحابة. لأن هؤلاء أصحابه -رضي الله عنهم-.

ولهذا قال أهل العلم: من حقوق النبي ﷺ على أمته، محبة أصحابه -رضي الله عنهم-.

الكَفّ عمّا شجر بين الصحابة

وعلينا أن ننكر أشد الإنكار على من سمعناه يقع في بعض أصحاب النبي ﷺ كما هي الحال عند بعض أهل الأهواء وأهل البِدع.

ونحن إذا قلنا إن محبتهم والترضي عنهم والكف عما شجر بينهم من عقيدتنا، لا يعني هذا أن نعتقد أنهم معصومون؛ لا حاشا وكلا. فهم بشر يخطئون كما يخطئ سائر البشر. ولكن الخطأ الذي وقع من بعضهم مغمورٌ في بحر حسناتهم.

معهم حسنات عظيمة، وهذه المخالفة البسيطة أو المعصية البسيطة التي حصلت من بعضهم؛ لا تؤثر أبدا في سابقتهم وفي صحبتهم للنبي ﷺ، وفي حضورهم معه للغزوات وللجهاد. مثل لو أخذت جيفة فرميتها في البحر؛ هل تؤثر في البحر؟ كذلك مخالفة أحد هؤلاء.

حاطب بن أبي بلتعة وفتح مكة

وفي قصة حاطِب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- عِبرة وعِظة. فلما أراد إفشاء سر النبي ﷺ في عزمه لغزوة الفتح، وكتب لمشركي مكة، يريد إخبارهم بذلك، والنبي ﷺ عَمّ الخبر عن الناس؛ يريد أن يباغتهم لأجل ألا يستعدوا.

فحاطب -رضي الله عنه- غلبته نفسه، وهو بشر. فكتب إلى أهل مكة يخبرهم أن النبي ﷺ قد عزم على غزوهم. لكن الوحي جاء وأخبر النبي ﷺ. فأرسل النبي ﷺ الزبير وعلي إلى المرأة التي كانت تحمل الكِتاب. وأدركاها في منتصف الطريق.. وأخذا الكتاب. وجيء به إلى النبي ﷺ.

فنادى حاطب؛ قال له: «هل عملت هذا العمل؟» قال: نعم يا رسول الله.

ما أراد أن يكذب. ويعلم أن النبي ﷺ نزل عليه الوحي في ذلك.

قال له النبي ﷺ: «ما حملك على ذلك؟» قال: يا رسول الله. والله ما حملني على ذلك رغبة في الكفر، ولا رغبة عن الإسلام. ولكن لي أولاد ولي أموال في مكة، وليس لي عصبة تحمي أموالي وأولادي. فأردت أن أتخذ عندهم يد أحمي بها أموالي وأولادي. وأنا على يقين أن الله ﷻ ناصرك ومظهرك عليهم.

عمر -مباشرة- قال: يا رسول الله، دعني أضرِب عنقه، فقد نافق. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يا عمر. إنه شهد بدر، ولعل الله اطلع إلى أهل بدر. فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

يعني ما هذا الذنب في مقابل حضوره فقط غزوة بدر! فكيف وقد حضر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كل المشاهد.

ولهذا لنكُن على حذر أشد الحذر من الوقيعة في أحدٍ منهم، أو نسمع كلام من يقع في بعضهم.

ليغيظ بهم الكفار

هؤلاء أصحاب النبي ﷺ خيرة هذه الأمة صفوتها. لا يمكن لأي إنسان كائنا من كان أن يُحَكِّم لسانه أو عقله فيهم -رضي الله عنهم-. ولهذا؛ يجب أن نُحِبهم لمحبَّة النبي ﷺ، وإن نفضلهم لتفضيل النبي ﷺ لهم. وأن نُقَدِّمهُم وأن ندافع عنهم، وإن ندين الله ﷻ بالولاء لهم -رضي الله عنهم وأرضاهم-.

واقرأ ما جاء في صحيح البخاري؛ النبي ﷺ «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله».

والإمام مالك استدل من قول الله ﷻ ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّار﴾ أن أي شخص يبغض أصحاب النبي ﷺ ويغتاظ منهم؛ أنه ليس بمسلم. يقول: لأن الله ﷻ قال ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّار﴾.

نسأل الله ﷻ أن يطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة. إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

كما أسأله -تعالى- أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا. وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، وإن يجعل الموت راحة لنا من كل شر.

أضف تعليق

error: