خطبة: حب الأوطان والدفاع عنها – مكتوبة كاملة

خطبة: حب الأوطان والدفاع عنها - مكتوبة كاملة

عناصر الخطبة

  • حب الوطن كفطرة إنسانية.
  • اقتباسات وأقوال علماء وشعراء حول حب الأوطان.
  • الإسلام وتعزيز حب الوطن.
  • أهمية الوحدة والتعاون بين أهل الوطن.
  • الجهاد والدفاع عن الوطن في الإسلام.
  • التضرع إلى الله في الأوقات الصعبة.

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين..

حبُّ الوطن فطرة إنسانية في ذات الانسان جبلت عليها البشرية كلها، بل إن المخلوقات جميعاً تحن الى أوطانها وأرضها التي نشأت فيها، قال الله تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سورة الروم آية (۳۰)، فحب الوطن كان فطرة مستقرة في الوجدان العربي، يقول الجاحظ: كانت العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلادها رملاً وعطراً تستنشقه.

قال الامام الغزالي: والبشر يألفون أرضهم على ما بها، ولو كانت قفراً مستوحشاً، وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الانسان يستريح الى البقاء فيه ويحن إليه اذا غاب عنه، ويدافع عنه اذا هوجم، ويغضب له إذا انتقص.

وقال إبراهيم بن أدهم: ما قاسيت فيما تركت شيئاً أشد عليّ من مفارقة الأوطان.

وجاء الإسلام لينمي هذا الحب ويجعله من جملة الطاعات ويربطه بالثواب والعقاب فقد أقسم الله تعالى بمكة فقال: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ سورة البلد آية (۱،۲)، فالنبي ﷺ عندما أُخرج من مكة وقف على مشارفها وهو ينظر اليها متألماً على فراقها وهو يقول: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك» أخرجه الترمذي، وهذا يدل على حب النبي ﷺ لموطنه مكة، وعدم رغبته بالخروج منها، لولا أنه أُخرج قسراً، وما استقرّ قلب النبي ﷺ حتى أنزل الله تعالى عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ سورة القصص آية (۸٥)، جاء في تفسير القرطبي: (ختم السورة ببشارة نبيه محمد ﷺ برده الى مكة قاهراً لأعدائه).

ولأجل الاستقرار في الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره نهى الله المؤمنين عن الخلاف والفرقة التي تؤدي الى ضعفهم وذهاب قوتهم فقال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ سورة الانفال آية (٤٦)، وأمرهم بالاعتصام بحبله سبحانه والاجتماع فيما بينهم فقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ سورة آل عمران آية (۱۰۳).

فبتعاون أهل البلد الواحد تحصل القوة والمنعة، وتظهر العزّة والكرامة، ويرد كيد المعتدين، وتحُفظ الحرمات وتصان الأعراض وتُحقن الدماء، وهذا كله من البرّ والتقوى، قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ سورة المائدة آية (۲)

وشرع الإسلام الجهاد للدفاع عن الأوطان والمحافظة عليها قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) سورة الحج آية (۳۹،٤۰)، ذلك أن الدفاع عن الوطن هو دفاع عن الدين والمال والنفس والعرض والعقل وهي الضرورات الكبرى في الشريعة الإسلامية، وجعل من قُتل في ذلك شهيداً، قال ﷺ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ) رواه الترمذي

فالدفاع عن الأوطان وحمايتها واجبٌ شرعي على الجميع، وهذا يتطلب التعاون بين جميع أبناء المجتمع وتكاتفهم في الدفاع عن أوطانهم قال ﷺ: (إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وشَبَّكَ أصَابِعَه (أخرجه البخاري.

بل جعل الله الوطن كالدّين في تأكيد أهميته ووجوب الدفاع عنه وتحديد نوع العلاقة مع الآخر من خلاله، قال الله تعالى: ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ سورة الممتحنة آية (۸، ۹)

وجعل الإسلام إخراج الناس من أوطانهم وتهجيرهم منها من أبشع الجرائم الإنسانية، حيث لم يسبق للمسلمين في تاريخهم وجهادهم أن هجّروا أحداً من أرضه، فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ كان يقول: (اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيبةَ بنَ رَبِيعَةَ، وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ كما أخْرَجُونَا مِن أرْضِنَا…) أخرجه البخاري ومسلم.

وحرض فرعون قوم موسى عليه السلام عليه بأنه يريد أن يحرمهم من وطنهم ويخرجهم من أرضهم فقال: ﴿قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُون﴾ سورة الشعراء آية (۳٤، ۳٥)؛ فخوّفهم بأن موسى عليه السلام يريد أن يخرجهم من أرضهم.

إن ما يتعرض له أهلنا الصابرون الصامدون المرابطون في غزة وفلسطين المحتلة من عدوان صارخ، يستهدف الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والكبار والصغار والشجر والحجر، ويقصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة ويهدّم البيوت على من فيها؛ لتهجير أصحاب الأرض من أرضهم وسلبهم حقهم في وطنهم لهي جرائم بشعة بحق الإنسانية جمعاء التي لا تقرها الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية.

ونذكركم أيها المسلمون أن من هدي الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام في حال الكرب والشدة أن يتضرعوا إلى الله تعالى بالذكر والدعاء، ومن ذلك ما قاله سيدنا إبراهيم عليه السلام: حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ: حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، وقالَهَا مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حِينَ قالوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ سورة آل عمران: ۱۷۳، رواه البخاري، وورد أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ.

⇐ وهنا: خطبة عن حب الوطن — بالعناصر والآيات والأحاديث والقصص

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: ۱۰۲.

لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ الأحزاب: ٤۳.

ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.

ومن قال: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، وعليكم أيضاً بــ (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.

والحمد لله ربّ العالمين.

أضف تعليق

error: