خطبة تبكي الحجر.. بعنوان: الكلمة الطيبة وأثرها في الدعوة إلى الله

خطبة تبكي الحجر.. بعنوان: الكلمة الطيبة وأثرها في الدعوة إلى الله

عناصر الخطبة

  • دعانا الله ﷻ لقول الخير والكلام الحسن، وأمرنا أن نختار الكلمة الطيبة التي تسلك بنا سبل الهدى فالكلمة الطيبة هداية من الله ﷻ وتوفيق.
  • للكلمة الطيبة قوة كبيرة في التأثير على النفوس وإقناع العقول، وقد جعلها الله ﷻ أساس الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة.
  • المسلم يحرص على الكلمة الطيبة التي تؤلف بين أبناء المجتمع وتجمع شمله وتدل على الإيمان، ولا يكتمل إسلام المرء حتى يسلم الناس من لسانه ويده.
  • الكلمة الطيبة مسؤولية تدعونا للابتعاد عن كل ما من شأنه نشر الأكاذيب وبث الأراجيف وإشعال الفتن وتأليب أبناء المجتمع الواحد على بعضهم.

الخطبة الأولى

لقد امتنَّ الله ﷻ على الإنسان بأن علّمه البيان والكلام وفصل الخطاب، قال ﷻ ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ الرحمن: 2–3، وقد أمرنا الله ﷻ أن نؤدي شكر هذه النعمة، بالمواظبة على ذكره سبحانه، وبذل أحسن الكلام وأطيبه إلى عموم الناس قال عز شأنه: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ البقرة: 83.

كما أمرنا سبحانه أن نختار الكلمة الطيبة التي تبني ولا تهدم، وتصلح ولا تفسد، وتجمع ولا تفرّق، وتسلك بنا سبل الهدى، وتجنبنا سبل الردى، حتى ننعم يوم الدين مع الفائزين، وندخل الجنة إن شاء الله آمنين، لا نسمع فيها إلا خيراً، ولا نقول إلا خيراً، قال ﷻ: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذَّاباً جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً﴾ النبأ: 35–36، فجعل سبحانه الكلام الطيب من كنوز الجنة التي ينعم بها على عباده في دار الخلود.

وقد أرشدنا سبحانه إلى أن توجيه الكلمة الطيبة هو هداية من الله وتوفيق منه يُهديها لعباده الصالحين ليزدادوا تقوى وإيماناً إلى إيمانهم، وليزداد قبولهم ومكانتهم عند الناس كما قبلهم الله ﷻ، قال ﷻ: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ﴾ الحج: 24.

وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه ينبهنا إلى أهمية تعزيز ثقافة التواصل اللفظي الإيجابي بين أبناء المجتمع فيقول: “لَوْلَا ثَلَاثٌ لَسَرَّنِي أَنْ أَكُونَ قَدْ مُتُّ: لَوْلَا أَنْ أَضَعَ جَبِينِي لِلَّهِ، وَأُجَالِسَ أَقْوَامًا يَتَلَقَّطُونَ طَيِّبَ الْكَلَامِ كَمَا يُتَلَقَّطُ طَيِّبُ الثَّمَرِ، وَالسَّيْرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”.

وفي وقتنا الحاضر أصبحت الدعوة إلى الله اليوم تقوم على المحادثات والمخاطبات، والدروس، وغيرها، وفي كل وسائل التواصل المسموعة، والمرئية، وهو ما يدل على قوة الكلمة في التأثير على النفوس وإقناع الأذهان والعقول، وقد جعل الله ﷻ الكلمة الطيبة هي أساس الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، يقول ﷻ: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ النحل: 125.

فالكلمة الطيبة هي شعار المؤمنين، ومنهاج الصالحين، جاء بها الأنبياء جميعاً بهداية وإرشاد من ربّ العالمين، يقول ﷻ حين أرسل موسى وهارون لدعوة فرعون بعد عاث في الأرض فساداً وطغى في ظلماً وعدواناً، ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ طه: 43–44.

ولسان سيدنا محمد ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى لم يتوان عن بذل الكلمة الطيبة لرؤوس الكفر والظلم في سبيل الدعوة إلى الله، فحين خاطب النبي ﷺ الملوك برسائله، كعظيم الفرس والروم، ومقوقس مصر، ونجاشي الحبشة، إنما خاطبهم بأحسن الألفاظ، وانتقى أليق العبارات، وكان يُنزل الناس منازلهم، فكان يبدأ خطابه لهم: “من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم”، و: “من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس”، وجدير بنا كمسلمين أن تتحقق وتقوم الأسوة الحسنة فينا، بالكلمة الطيبة في الدعوة إلى الله.

فالكلمة الطيبة لها ما لها من الأثر في كسب القلوب، وفتح مغاليقها، وتطبيب النفوس، والدلالة على الله ﷻ، فهي التي تُنتج ثمار الدعوة إلى الله ﷻ ويبقى أثرها على مدى الدهور والعصور، يقول ﷻ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ إبراهيم: 24–27.

هذا البيان والمثال البديع من الله ﷻ يخبرنا أن الكلمة الطيبة هي التي ترسخ الإيمان في النفوس لتصبح نفوساً عالية تطال بصفائها عنان السماء، فلا تنال منها رياح الشبهات والشهوات، ولا تعصف بها المنكرات، وتجود بخيرها في كل زمان وأوان، وأما الكلام الفظ، والمعاملة الغليظة فلا ينتج إلى الفرقة بين أبناء المجتمع، ويزيد من الشحناء والبغضاء بينهم، ويقلب المودة إلى عداوة، والألفة إلى فرقة، يقول ﷻ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ آل عمران: 159.

يقول قتادة: ” ما تقول في الكلمة الخبيثة؟”، قال: “لا أعلم لها في الأرض مستقراً، ولا في السماء مصعداً، إلا أن تلزم عنق صاحبها حتى يوافي بها يوم القيامة”.

ولمّا كان للكلمة الطيبة هذا التأثير الإيجابي في الدعوة إلى الله وتأليف القلوب واجتماعها جعل الله ﷻ لها من الأجر العظيم والثواب الجزيل ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ فاطر: 10، وقد عدّها المصطفى ﷺ من الصدقات التي يُثاب صاحبها لقول النبي ﷺ : « والكلمة الطيبة صدقة » ← متفق عليه.

ولا يكتمل إسلام المرء حتى يسلم الناس من لسانه ويده، يقول ﷺ: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده» ← متفق عليه.

وعدّ النبي ﷺ الكلمة الطيبة من شعب الإيمان التي لا يكتمل إلا بها، يقول النبي ﷺ: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جارَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه» ← متفق عليه.

والكلمة الطيبة وسيلة وسبب لقبول الشفاعة عند الله ﷻ في الآخرة: يقول الإمام الغزالي: ” اعلم أن إذا حق دخول النار على طوائف من المؤمنين فإن الله ﷻ بفضله يقبل فيهم شفاعة الأنبياء والصديقين بل شفاعة العلماء والصالحين وكل من له عند الله ﷻ جاه وحسن معاملة؛ فإن له شفاعة في أهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه، فكن حريصاً على أن تكتسب لنفسك عندهم رتبة الشفاعة وذلك بأن لا تحقر آدمياً أصلاً، فإن الله ﷻ خبأ ولايته في عباده، فلعل الذي تزدريه عينك هو ولي الله، ولا تستصغر معصية أصلاً، فإن الله ﷻ خبأ غضبه في معاصيه، فلعل مقت الله فيه، ولا تستحقر أصلاً طاعة، فإن الله ﷻ خبأ رضاه في طاعته، فلعل رضاه فيه ولو الكلمة الطيبة، أو النية الحسنة أو ما يجري مجراه”.

وكما أمرنا الله ﷻ بالكلمة الطيبة نهانا كذلك عن الخوض في الكلام الفاحش البذيء يقول النبي ﷺ: بقول رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ» ← سنن الترمذي. ويقول النبي ﷺ: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم» ← صحيح البخاري.

بل أمرنا الله ﷻ بالابتعاد عن كل لفظ من شأنه أن يحدث سوء فهم بين الناس، أو أن يفتح باباً لذوي النفوس المريضة باستغلاله للإيقاع بين الناس وبثّ سموم العداوة بينهم، فأمر الله ﷻ الصحابة الكرام باستبدال بعض الألفاظ الدارجة بينهم بألفاظ أخرى، حتى لا يتم التلاعب بها وتأويلها على غير وجهها، فقال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ البقرة: 104.

وكذلك أمرنا الله ﷻ أن لا نقابل الإساءة بمثلها بل أن نحسن الظنّ بالناس، وأن نحمل الكلام على خير الأوجه، ويكتمل إيمان المرء إن قابل الإساءة بالإحسان، وعفا عمن أساء إليه وهو قادر على القصاص منه، يقول ﷻ: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ فصلت: 34–35، وهذا أمر بحاجة إلى ضبط النفس، والمصابرة والرغبة بما عند الله ﷻ من الأجر والثواب العظيم، لأنه بعمله هذا يكون قد انتصر على الشيطان الذي يريد أن ينزغ بين الناس ويشيع بينهم العداوة والبغضاء ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ الإسراء: 53.

ويكون كذلك قد انتصر على شهوة نفسه بالانتقام من المسيء، وهذّب نفسه وقلبه بأن كساه حُلّة الأخلاق الفاضلة التي يريدها الله ﷻ.

يقول ابن عطاء الله السكندري رحمه الله ﷻ: “كلُّ كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي برز منه”.

⬛️ وهنا: خطبة عن الكلمة الخبيثة.. والطيبة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.

عباد الله: إن كثيراً مما يجري اليوم من خصومات وعداوات بين أبناء المجتمع أو الأسرة الواحدة أو بين الأقارب سببه غياب ثقافة الكلمة الطيبة في كثير من الأحيان، ففقدنا بذلك ركيزة أساسية من ركائز الحياة الكريمة للمجتمع، والأساس القوي الذي يقام عليه صرح الحياة المتين، خاصة مع ما يضج به الفضاء الالكتروني اليوم بكلمات، وتعليقات ولنا ولأبنائنا، وبيوتنا فيها مشاركات، ومساهمات، فواجب كل واحد منا أن يراقب، لفظه، ومنطقه، ويقوِّم لفظ ومنطق من استرعاه الله إياهم ممن حوله.

وقد أمسك نبينا ﷺ بلسانه وقال لمعاذ بن جبل: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» ← رواه الترمذي.

يقول الإمام الشافعي:

وما من كاتب إلا سيفنى
ويُبقي الدهر ما كتبت يداه

فلا تكتب بخطك غير شيء
يسير في القيامة أن تراه

فالكلمة الطيبة لها أثر كبير في تحقيق الأمن المجتمعي، فواجبنا ومسؤوليتنا أن نكون من أهل الكلمة الطيبة، وروادها، ودعاة إليها، والعمل بها حفظ الله ألسنتنا، وحفظ قلوبنا ومجتمعنا بالكلمة الطيبة، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن نشر الأكاذيب وبث الأراجيف وإشعال الفتن وتأليب أبناء المجتمع الواحد على بعضهم.

والحمد لله رب العالمين..

⬛️ وهنا أيضًا: خطبة مكتوبة مؤثرة عن الكلمة الخبيثة وخطورتها

أضف تعليق

error: