خطبة عن العام الجديد «مكتوبة» بجمع طيب من المواعظ والدروس والنصائح والوصايا

خطبة عن العام الجديد

لا شَكَّ أن حدث جلل مثل وداع عام منصرم واستقبال عام جديد له وقْع وتأثير وصدى كبير في أيَّامه، وهنا، ولهذه المناسبة معنا خطبة عن العام الجديد؛ مكتوبة ومُنسَّقة ومشتملة على جمْع طيّب من المواعظ الحسنة والدروس الهامة والنصائح والوصايا الغالية الثَّمينة لكل فِئات المجتمع الإسلامي.

وهنا، وكعادتنا -التي نسأله سبحانه أن يُديمها علينا بكل خير- نلتقي في ملتقى الخطباء والدعاة بموقع المزيد، لنسُوق إليكم هذه الخطبة القويَّة، التي اشتملت على عظيم المواعِظ التي تتناسب مع وداع عام واستقبال آخر.

مقدمة الخطبة

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه؛ بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة؛ فصلوات الله وسلامه عليه عدد ما صلى عليه المصلون وذكره ذاكرون.

أما بعد أيها المؤمنون {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.

الخطبة الأولى

عباد الله، إن الاعتبار بمرور الأيام والأعوام هو دأب الصالحين، يتفكرون في مرورها لأنها تنقلهم من دار الدنيا إلى دار القرار.

قال الله جل وعلا في سورة آل عمران {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ | الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

وقال سبحانه في سورة الفرقان {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا | وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}.

فالأيَّامُ يا عباد الله، ومرور الأعوام، فيها عبرة. تمر سريعا؛ قال الله -جل وعلا- في سورة الكهف {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا}.

أيها المسلمون؛ أن الوقت هو رأس مال الإنسان، وإذا خسره خسر حياته، والوقت سريع الانقضاء وما مضى منه لا يعود.

عبد الله؛ أُنظر إلى السنوات التي مرَّت عليك، طالت أم قصرت؛ هل تذكر منها شيئا؟ هي كالأحلام، ولكن ربنا جل في علاه يقول في سورة ق {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. فاعتبروا يا عباد الله بمرور الأيام والأعوام وانظروا بماذا قضيتم هذه الأيام.

يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي.

ويقول الحسن البصري فيما يرويه أبي الدرداء -رضي الله عنه-:يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة، فإذا مضى يوم فقد مضى بعضك.

ويقول -رحمه الله- -أي الحسن البصري- ما من يوم ما تطلع شمسه إلا وينادي ذلك اليوم ويقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاستغلني، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة.

ويقول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما.

نعم، إن الليل والنهار مطايا نمتطيها إلى الدار الآخرة.

فاحذروا من الغفلة يا عباد الله، واستعدوا للنقاء الله -جل وعلا-؛ وذلك بفعل طاعته وترك معصيته.

يقول الحق -تبارك وتعالى- في سورة الحشر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

يقول ابن عمر -رضي الله عنه- كما جاء في صحيح البخاري: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي، وقال «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل».

أيها المصلون؛ تأمَّلوا في في حال الغريب كيف يكون في غربته! لا يتزود إلا قليلا لأنه يُحدث نفسه بالعودة إلى وطنه وإقامته، وكذلك المسافر لا يأخذ من الزاد إلا يسيرا. فكذلك المؤمن، نعم، يعمل ويكدح ولكن يجعل الآخرة نصب عينيه.

واقرأ في سورة القصص {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}.

أما أن يجعل الإنسان هدفه في هذه الحياة أن يحصل على ما لذَّ وطاب ولو كان بطرقٍ غير مشروعة، وينسى دار القرار، ينسى المصير، ينسى الحياة الحقيقية. فهذا هو الخلل العظيم.

يقول حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه».

أيها الشباب؛ مضت عليكم الإجازة بما فيها من الأفراح والأتراح. من الشباب مَن وفقه الله لاستغلالها بما يعود عليه في النفع في العاجل والآجِل في دينه ودُنياه، ومنهم من ضيعها باللَّهو والسهر بالليل والنوم بالنهار.

وكلٌ سيُسأل عن حياته وعن وقته وعن ماله.

فالسؤال لك، والذي يسألك هو ربك -سبحانه وتعالى- عن المال؛ من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ هل اكتسبه من طرقٍ مُحرَّمة كالربا والخداع والغش والكذب وأخذ أموال الناس بالباطل؟ كمن يخدع في بيعه وشرائه وكمن يخدع شريكه في شركته ونحو ذلك؟

فعلى الإنسان أيها المسلمون أن يتحرَّى في أكل رزقه، في اللقمة التي يضعها في فمه وفي فم زوجته وأولاده.

وعلى الإنسان أن يتقي الله؛ ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

وأنت أيها الموظف، كذلك عليك بأداء هذه الوظيفة على أكمل وجه، لأنك سوف تُسأل عنها يوم القيامة؛ فهي أمانةٌ عظيمة، وستُسأل عن بقية الجوارح، واقرأ في سورة الإسراء قوله -تعالى- {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}.

إذا كنت في خلوتك يا عبد الله أنتبه إلى هذه الوسائل -وسائل التواصل الاجتماعي- وما فيها من الانحراف في الشهوات والشبهات، واعلم بأن الله مُطَّلِعٌ عليك.

اعلم بأن الله -جل وعلا- يراك. يقول الحسن البصري: كم من معصيةٍ في الخلوات زجرني ونهاني عنها قول الله -جل وعلا- {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ~ سورة الرحمن.

راقبوا الله في السر والعلن، واعلموا أن الله -سبحانه وتعالى- لا تخفى عليه خافية، يعلم ما في السماوات والأرض.

واقرأ قوله -سبحانه- في سورة المجادلة {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

لا تخفى عليه خافية؛ واقرأ في سورة الملك {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.

فاقرأ يا عبد الله ديوانك، وما كان فيه من الخير والطاعات والحسنات والدعوات والبر والصدقات. فاحمد الله لأنه هو الذي وفقك وأعانك. وما كان فيه من الزلل والخطأ فتخلَّص منه.

وكما قال رسول الله «التائب من الذنب كمن لا ذنب» كما وَرَدَ في حديث ابن ماجه وحسَّنه ابن حجر.

واعلم أنك يوم القيامة ستقرأ ديوانك بنفسك وسترى الأعمال التي عملتها في هذه الدنيا وكذلك الأقوال، واقرأ مِمَّا في سورة الإسراء {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا | اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا يليق بجلال الله وعظمته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه.

أما بعد؛ فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واستقبلوا عامكم الجديد بالعزيمة الصَّادقة على استغلاله بطاعة الله -جل وعلا-.

واستقبلوا عامكم الجديد بحسن الظن بالله -جل وعلا-.

استقبلوا العام الجديد بالتفاؤل بنصر الإسلام والفرج لكل المسلمين. تفاءلوا، فرسول الهُدى -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه الفأل الحسن. فتفاءلوا وأحسِنوا الظن بالله -جل وعلا- واستعينوا بالله، فمن استعان بالله أعانه وسدَّده، واقرأ قوله -تعالى- في سورة الفاتحة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وانتبهوا من بعض الأخطاء التي تتكرر في كل عام جديد، وهي أن صحيفة العام تُطوى، هذا لا أصل له؛ صحيفة المسلم تُطوى إذا انتهت حياته، نعم، فلا يكتب الإنسان ولا يرسل مثل هذه الرسالة [صحيفة العام تُطوى، فاختموها بالاستغفار -أو- اختموها بالصيام -أو- اختموها بالتسامح والعفو].. ونحو ذلك.

أو [هذه آخر جمعة فاختموها بالاستغفار].. ونحو ذلك.

لكن الاستغفار والتسامح والعفو والأعمال الصالحة، كلها مطلوبة في كل وقت وحين.

فعلى الإنسان أن يتنبه ولا يرسل مثل هذه الرسائل في نهاية العام أو بداية عام جديد.

يُكثِر الإنسان من الأعمال الصالحة ولكن لا يُقَيّد ذلك بنهاية العام، لأن العبادات يا عباد الله توقيفية. ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

الدعاء

اللهم اجعلنا ممن يطول عمره ويحسن عمله وتحسن خاتمته، ولا تجعلنا مِمَّن يطول عمره ويسوء عمله وتسوء خاتمته يا رب العالمين.

اللهم أعِز الإسلام والمسلمين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم فرج هم المهمومين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين.

اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا؛ من أراد بلادنا بسوءٍ اللهم فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره وأدِر عليه دائرة السوء.

اللهم اعصمنا من فِتَن الشهوات والشبهات وثبت أقدامنا، وأخرجنا من هذه الدنيا سالمين يا رب العالمين.

عباد الله؛ أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. أقِم الصلاة.


خطبة عن العام الجديد

ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن داود الفايز -جزاه الله خيرا-.

فحواها: أعلاه أحد الُخطَب الجميلة التي تحدَّثت عمَّا يجدر بالمسلم أن ينتبه إليه مع مرور الأيام والأعوام من حياته، وأن يُحسِن في ما هو آتٍ.

كما وقد أظهَرت الخطبة الجانِب -الذي يحتاج مزيد عناية ومعرفة وعلم- الذي ينتهجه البعض عند استقبال السنة الجديدة، من مخالفات في الأقوال والرسائل وغيرها من الأمور التي تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي.

كلمة المحرر

يسأل الكثير من الدعاة والأئِمَّة وينشدون خُطبًا، مثل: خطبة عن نهاية عام وبداية عامهجري أو ميلادي-؛ وكذلك مما نجِدهُ من طلبات: خطبة عن وداع عام واستقبال عام جديد. ثم يجدون الجميل الطيّب من علمائنا الأجلاء في هذا الصَّدد؛ من أروع الخطب عن محاسبة النفس والاعتبار بمرور الأيام والأعوام.

ونحنُ هُنا كي نُحدِث إضافة إلى هذه المكاتب العظيمة النافِعة، بخطبتنا هذه. فنسأل الله الكريم -سبحانه- أن تنال رضاكم واستحسانكم وأن تنتفعوا بها؛ اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top