خطبة الأسبوع حول أهمية بناء الأسرة في الإسلام ومسؤولية الوالدين تجاه إعداد أبناءهم قبل الزواج

خطبة الأسبوع حول أهمية بناء الأسرة في الإسلام ومسؤولية الوالدين تجاه إعداد أبناءهم قبل الزواج

عناصر الخطبة

  • أهمية بناء الأسرة في الإسلام.
  • تعظيم عقد النكاح في نفوس الأبناء والبنات المقبلين على الزواج.
  • غرس القيم والمبادئ السامية في نفوس الأبناء والبنات.
  • دور الوالدين في تنشئة جيل قادر على تحمل المسؤولية الأسرية.
  • تربية الأبناء والبنات على الرضا والقناعة.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الخطبة الأولى

معاشر المسلمين، عُني الإسلام بالأسرة عناية كبيرة، وبين معالم استقرارها، وحَثّ على إقامة أركان هذه الأسرة على الوجه الأكمل، وبيَّن أن الزواج هو بداية بناء الأسرة، وأن هذا الزواج آية من آيات الله ﷻ؛ قال سبحانه ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، نعم، إن الزواج آية من آيات الله ﷻ، منذ بدايته وحتى نهايته.

رجلٌ يرتبط بامرأةٍ غريبةٍ عنه، هو رجلٌ أجنبيّ عنها؛ كان قبل الزواج لا يحل له أن يختلي بها، ولا أن يُحَدّثها لغير حاجة، ولا أن يخرج معها. وقد يرتبط الرجل بامرأةٍ لم يسمع بها في حياته، وتنتقل هذه المرأة من بيتِ ألِفته وعاشت فيه سنينا طوالا إلى بيت آخر، بكلمةٍ واحدة، وهو عقد الزواج، والارتباط الدائم، فتنتقل المرأة إلى بيت بل إلى غرفةٍ بل إلى فراش رجل آخر، أليس هذا آية من آيات الله؟ أن أحَل للرجل من هذه المرأة أن ينال منها ما ينال الرجل من زوجته بكلمةٍ واحدة، ويُنشئ الله ﷻ منهم خلقًا آخر! إنها آية من آيات الله.

وبعد أن يرتبط الرجل بالمرأة وترتبط المرأة بالرجل تمتلئ القلوب محبَّة وأُلفة لبعضهما الآخر، فجعل الله الرجل سكنٌ للمرأة وطمأنينة لها، وجعل المرأة سكنٌ للرجل ومأوىً لفراشه وقلبه، فقال الله جل وعلا ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾، أي تسكن نفسه وتطمئن، وتستقر معها.

وبداية هذه الأسرة، يجب أن يكون بحسن الاختيار، فلا يتأمَّل الرجل من زوجةٍ ضيَّعت حقوق الله أن تكون سكنا وطمأنينة له، ولن تتأمل المرأة من رجل فقد الدين والاستقامة أن يكون سكنا وطمأنينة لها في حياته، فقال فقال النبي ﷺ «تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». وقال من جهة الزوج أو الخاطب «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه ألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».

واستقرار الأُسَر يُبنى على معرفة الحقوق؛ أن يعرف الرجل حق زوجته، وتعرف المرأة حق زوجها.

أيتها المرأة، الرجل أمانة، وله حقوق عظيمة، وقد عظَّم الله ﷻ حقوق الأزواج، وجعل رضا الزوج في رضاه، وسخط الزوج في سخطه، ومن باتت وزوجها عليها غضبان، باتت تلعنها ملائكة السماوات والأرض. ولن تذوق المرأة طعم السعادة حتى تؤدي حقوق زوجها بكلمةٍ طيبة، وقولٍ حَسَن، وابتسامة عند اللقاء، وكلمة طيبة تهون عليه عناء الحياة.

وكذلك للمرأة حقوقا عظيمة، يجب على الأزواج أن يعوا هذه الحقوق، فالمرأة ليست عبدا مملوكا، وليست خادما مستأجرا، هذه المرأة أمانة، سيسألك الله ﷻ عنها.

وقبل وفاة رسول الله ﷺ وفي شدة معاناته للموت أوصى بحق الضَّعيف، وهي المرأة. قال «اتقوا الله في النساء»، لا يعني لا تضيعوا حقوق النساء لأن المرأة ضعيفة، وقد يستقوي عليها الرجل بقوة رجولته، فليعلم أنه خائِن للأمانة إذا ظلم هذه المرأة وفرط في حقوقها، فللمرأة حقوق عظيمة في مأكلها ومشربها. وأعظم الحقوق، هو احترام وصيانة كرامتها وعفتها وتربيتها وحيائها.

والمرأة لا يكرمها إلا كريم، ولا يهينها ظلما إلا لئيم.

إذا عُرِفَت الحقوق وأدّى الرجل حق أهل بيته، عاش أمنا مطمئنا، وإذا أدت المرأة حقوق بيتها وزوجها فإنها تعيش في جنَّة الدنيا وهو البيت الآمن المُستقر.

ثم اعلموا يا عباد الله أن البيوت لا تخلو من المشكلات؛ حتى بيت النبوة، خير بيت على وجه الأرض، لم يخلو من المشكلات. فالبشر فيهم طباع، وقد يخطئ، وقد يزل، فلا تعالج المشكلة بمشكلة أكبر، ولا تعالج الخطأ بخطأ أكبر. عالج المشكلات بعقل حصيف رزين، وبهدوء، وعدم الإثارة أو الكلام، وإخراج الأسرار خارج البيوت، فإذا خرجت الأسرار صعب معالجتها، بل تبقى الحقوق مستمرة حتى بعد الفراق، بعد أن يفارق الرجل الزوجة بطلاق، أو تفارق الزوجة زوجها بطلاق أو خلع، لا يفشي سرها، ولا تفشي سره، وهذا لن يستطيعها إلا النفوس الكبار.

وما أحسن ما قاله أحد الدعاة، قال: مرت بي قصة استغربتها كثيرا، اتصلت بي امرأة فارقها زوجها منذ سنين؛ طلقها. قلت: ما تريدين؟ قالت: بلغني أن طليقي مسجون، وسبب سجنه ديون، فهل أستطيع أن أسدد عنه ديونه من غير أن يعرف؟ فاستغربت.. فعادة المرأة إذا طلقها زوجها تفضحه في العالمين، وقد يفضح الرجل زوجته وينسب إليها كل نقيصة حتى يبرر فراقها. أما مرأة بعد فراق عشر سنوات تتصل تريد أن تسدد ديون طليقها، حتى لا يهان ولا يذل!

فقلت: هل ترغبين بالرجوع إليه؟ قالت: لا، قال: ما الذي حملك على هذا؟ فقالت له: والله ما تهون علي العشرة، أنا بقيت زوجة تحته سنين، فقال لها الرجل الشيخ: يا ليت نساء المسلمين مثل هذه الأخلاق.

هذه نفوس كبيرة تربت على الدين، تربَّت على معرفة الحقوق.

أسأل الله أن يجعل بيوتنا آمنة مستقرة، يسودها الأمن والأمان والاستقرار.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

⇐ هذه أيضًا خطبة: أهمية بناء الأسرة في الإسلام – مكتوبة كاملة

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

معاشر المسلمين، هذه البيوت قد تملؤها الذرية، والأبناء أمانة وهم متعة الحياة، وزاد المستقبل، ورِفعة الجنان. والنبي ﷺ يقول «كلكم راع، ومسؤول عن رعيته، فالرجل راع في بيته، ومسئول عن رعيته، والزوجة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها»، فأحسنوا تربية الأبناء منذ الصغر، على الاستقامة، والطاعة، والعفاف، والكلمة الطيبة.

حافظوا على أبنائكم، لا تربوا أبناءكم على طريقةٍ يربيهم فيها الزمن، فبعض الناس للأسف يترك الشوارع هي التي تربي أبناءه، وما الذي سيجنيه بعد ذلك إلا العقوق والسب والشتم وسيء الأفعال.

فاغرسوا في قلوب أبنائكم الفضائل، علموهم واصبروا عليهم، ووجهوهم وأعينوهم، وأكثروا الدعاء لهم، فإن أنبياء الله كانوا يكثرون من الدعاء لذرياتهم وزوجاتهما، فإن بهذا يستقيم البيت، ويصبح بيتا آمنا، مستقرا طيبا، ينتفع بهم الآباء والأمهات في الحياة وبعد الممات.

والحمد لله رب العالمين..

أضف تعليق

error: