خطبة جمعة ضرورية في ضوء قوله ﷻ ﴿ألم نجعل له عينين﴾

خطبة جمعة ضرورية في ضوء قوله ﷻ ﴿ألم نجعل له عينين﴾

مقدمة الخطبة

الحمد لله المتفرد بالخلق والتدبير، الواحد في الاصطفاء والتقدير، مالك الملك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، سبحانه وهو القائل: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، ثم الصلاة والسلام على أفضل الناس خلقا وخلقا، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبينا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، حق تقاته، وإن من تمام التقوى أن يعلم المسلم أن الله جل جلاله أسبغ على عباده نعمه ظاهرة وباطنة، ومن تلكم النعم “نعمة العين والبصر”، التي هي امتداد “لنعمة العقل والفكر”، وهذه النعم مجتمعة غايتها “صلاح القلب، وسلامة البصيرة”.

الخطبة الأولى

عباد الله: اعلموا أن الله قد من عليكم “بنعمة العينين” تعظيما لقدرهما، وجعل النظر سببا من أسباب الهداية، فقال: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَهُ النَّجْدَيْنِ﴾، ثم قال وقوله الحق: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾.

و”العين” -عباد الله- من أعظم أسرار خلق الله ﷻ، فهي على صغرها تتسع لرؤية “الكون المتناهي الكبر” – من أفلاك ومجرات – وإبصار “الكون المتناهي الصغر” – من جزيئات وذرات – وما بين ذلك من جماد ونبات وحيوانات؛ فجميع الآلات التي يستعملها الإنسان كالمناظير والمجاهر، ما هي إلا امتداد لعين الإنسان، ولولا “حاسة البصر عند الإنسان”، التي هي هبة من الله الكريم، لما كان لهذه الآلات والأجهزة وجود ولا معنى، ولا كان لها دور في الحياة.

أيها المؤمنون: تواتر الأمر في القرآن الكريم، وفي سنة النبي الحكيم، بإعمال العين في الوظيفة التي خلقت لها، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾، وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله»، وفي الحديث الشريف قال رسول الله ﷺ: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله… »، وذكر منهم: «ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه». فالإنسان لو عبد الله العمر كله، لن يوفي شكر نعمة العينين والبصر، ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.

اللهم يا عزيز يا وهاب، هب لنا قلوبا نعقل بها، وأعينا نبصر بها، وآذانا نسمع بها، وأقر أعيننا يوم لقائك: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

أيضًا؛ هذه ⇐ خطبة جمعة حول تنمية الذكاء الاجتماعي لدى الأبناء

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي مدح عباده الخاشعين فقال: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾، ثم الصلاة والسلام على رسولنا المصطفى، ﷺ وبارك وعلى آله وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: إن من واجب المسلم أن يسخر نعمة العينين لما أمر الله ﷻ به من المعروف، ويجنبها ما نهى الله عنه من المنكر، ويغض البصر عن المحارم، قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾، ثم قال: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾.

وقد نبهنا سبحانه أنه من وهبت له الجوارح فعطلها، فلا ريب أنه سيحاسب عليها؛ قال تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.

ومن حكمة الله ﷻ أن قرن بين العمى والبصيرة فقال: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾؛ فكم من فاقد للبصر هو حي البصيرة، وكم من حاد البصر هو أعمى البصيرة، والمسلم من رحمة الله ﷻ عليه أنه بنور الله يبصر، وفي الحديث القدسي، قال الله عز وجل عن المؤمن الصابر، فاقد البصر: «إذا ابتليته بحبيبتيه -يريد عينيه- ثم صبر، عوضته الجنة»، فكم من عالم، أو قائد، أو عابد، عرف عنهم أنهم لا يرون بأعينهم، لكنهم كانوا منارات للهدى، ومصابيح في الدجى.

فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واستجيبوا لربكم الكريم، وعطروا ألسنتكم بالذكر الجميل، وأحيوا قلوبكم بالتفكر والتدبر.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top