كيف أتخلص من خوف الزواج بسبب تجارب الماضي السيئة؟

كيف أتخلص من خوف الزواج بسبب تجارب الماضي السيئة؟

«نور» تسأل: أنا فتاة خطبت منذ خمسة أشهر. وبعد شهر بإذن الله زواجي. خطيبي الحمد لله ملتزم ومثقف وطيب ونحن متفاهمان على أغلب الأمور.ولا يوجد مشاكل ما بيننا، غير أني أسترجع ماضي أسرتي السيء عندما أتعامل معه وأحاكمه بناءا على تجارب السابقين وليس بناء على شخصيته هو وتعامله معي. أبي وأمي كانوا دائما متخالفين ومشاكل كبيرة بينهم منذ أن كنت صغيرة. وأخواتي المتزوجات أيضا مررن بتجربة سيئة بعض الشيء، ورأينا فيهم تجربة فاشلة أيضا. وكلها توحي بأمور سلبية عن الزواج والزوج.

فللأسف لا يوجد نموذج لأسرة جيدة حولي وأجهل معاني كثير للأسرة بسبب غياب هذه المعاني في حياتي. وهذا يجعلني أخاف جدا من الزواج. ويظهر هذا الخوف عن طريق تعاملي مع خطيبي. أحيانا تحصل بيننا مشاكل لأنني من الداخل أخاف أن يكون مثل أبي ويريد أن يهينني كما يهين أبي أمي. ولكن بالحقيقة يكون الموقف أبسط بكثير ولا يحتاج إلى كل هذا. إلى الآن لم أستطع أن أتعامل معه على طبيعتي وما زلت ابني حواجز معه. وكل هذا بسبب الخوف.

هناك قلة ثقة بنفسي كبيرة. مع العلم أني واثقة من نفسي ومتفائلة جدا في حياتي. أما موضوع الأسرة فقد أفقدني قوتي وطريقتي الخاصة في التعامل مع الأمور.أشعر أن هناك شيء خفي يتحكم بي. وهو هذا الماضي العالق في نفسي دون وعي مني.

كيف أزيل هذا الخوف؟ وكيف أثق بنفسي أكثر مع زوجي بالمستقبل؟ وكيف أتخلص من الحساسية الزائدة معه؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابـة

ابنتي.. أنت بالفعل قد قطعت خمسين بالمائة من الطريق؛ لأن اكتشاف المشكلة وتشخيصها ومعرفة أسبابها هو نصف الحل، كثيرون -غيرك- يعيشون حياة زوجية تعيسة وليست لديهم الشجاعة الأدبية الكافية للاعتراف بأنهم يعانون من رواسب نفسية قديمة تكدر حاضرهم ومستقبلهم، بل والأسوأ من هذا قد يلقون بالتهم على أزواجهم أو ظروفهم، ولا يحاولون أن يتحملوا مسئولية أمراضهم وعللهم، أو يبذلوا الجهد من أجل التعافي منها.

أما أنت فقد اعترفت بمشكلاتك، وتحملت مسئولية التعافي منها، بل واتخذت خطوات عملية نحو الحل. ليس معنى كلامي أن ما بقي من الرحلة هين أو بسيط. فإنه في بعض الأحيان قد يستلزم عددا من جلسات الإرشاد النفسي تأخذ بيدك خطوة بخطوة، وتزيل رواسب الماضي شيئا فشيئا؛ لأن كثيرا من “أفكارك” المتعلقة بالزواج والحياة والجنس الآخر بها شكل من أشكال “التشوه” وتحتاج إلى تعديل، وهذا يستغرق وقتا ومراحل لإعادة وضع الأفكار في مكانها وشكلها الصحيح. تماما مثل المريض الذي يعاني من تشوهات “في عظامه” فإنه يلجأ لطبيب العلاج الطبيعي، ويخضع لسلسلة من الجلسات حتى يتم علاج التشوه. أريد أن أخرج من كلامي السابق إلى أن ما سأعرضه عليك الآن من أفكار إنما هي لتسترشدي بها في رحلتك. وهي ليست (قرصا) تبتلعينه فتتحولين إلى إنسانة جديدة.

والآن أبدأ:

أ. ليس صحيحا أن (فاقد الشيء لا يعطيه)، فإن معظم الأسر السعيدة قد بناها آباء وأمهات قد عانوا الويلات في طفولتهم، وهنا أدعوك أن تتأمللي من حولك، وحاولي أن تسجلي النماذج الإيجابية التي استطاعت أن تنجح في حياتها الأسرية، وستستفيدين من هذه الملاحظات بأمرين:

  1. الأول: ستمتلئين ثقة أن النجاح ممكن رغم وجود رواسب.
  2. والثاني: أنك ستتعلمين بعضا من الخبرة العملية لهذه النماذج.

ب. لا تضعي سقفا عاليا للتوقعات، ولا تتصوري أن هناك زوجا على سطح الكرة الأرضية لا يخطئ في حق زوجته أو يقصر أو يهين!! ولا تتخيلي أن هناك حياة زوجية ترفرف عليها السعادة طوال الوقت، فكثيرا ستكون هناك مشكلات والآم ودموع!!.

وهنا يأتي السؤال: لماذا نتزوج إذن؟ نحن لا نتزوج من أجل “السعادة الكاملة”، ولكن لأن الزواج هو جزء من تجربتنا الإنسانية، يحمل معه تلبية احتياجاتنا الفطرية البشرية للحب، والشراكة والتعاون والأمومة، كما يحمل أيضا جزءا من مسئوليتنا ورسالتنا من أجل تكوين أسرة، والتقرب إلى الله بهذه العبادة العظيمة.

هو -كأي تجربة بشرية– كالدراسة أو العمل أو الصداقة، تختلط فيها الآلام بالسعادة، والجهد بالسكينة، والصبر بالحب، والغضب بالرحمة.

ج. اعلمي أن الثقة بالنفس تزداد مع الإنجاز، فلا تحرمي نفسك من تحقيق ولو إنجاز واحد كل شهر في علاقتك بشريك حياتك، فمثلا إنجازك هذا الشهر هو التدريب على حسن الظن، وإنجازك في الشهر التالي هو التدريب على الاعتذار عند الخطأ، وفي الشهر الثالث هو التحكم في أي فكرة سلبية بمجرد أن تطل بوجهها القبيح.

وهكذا. فتتي الصخرة، وقسمي المهمة الضخمة إلى عدد كبير من المهام الصغيرة، وتقدمي في النجاح والإنجاز في هذه المهام الصغيرة شيئا فشيئا على مدار شهور أو حتى سنوات.

د. لا تنزعجي من الانتكاسات، فأنت ربما تتقدمين خطوة أو اثنتين أو ثلاثة، ثم يحدث متغير جديد في حياتك: حمل، مرض، ظرف اقتصادي قاس.. إلخ. فيدفعك هذا المتغير للوراء خطوات وخطوات، عندئذ لا تنزعجي ولا تيأسي، واعلمي أنك لا تبدئين من نقطة الصفر، ولكنك كنت تحملين حملا وزنة (10 كجم) وتصعدين به السلم، والآن أصبح الحمل (30 كجم)، فتوقفت وشعرت بنفس العجز السابق وكأنك تصعدين من جديد، فأنت هنا عندما تبدئين بعد الانتكاسة تكونين عند بداية مرحلة (30 كجم) وليس بداية (10 كجم). وهذا معناه أنك لا تبدئين من الصفر رغم ما يبدو لك من الإحساس بنفس العجز.

هـ. لا تعلني أمام زوجك دائما أن لديك رواسب من الماضي تؤثر فيك؛ لأن هذا من الممكن أن يصيبه هو بفقدان تحمل المسئولية، فيبدأ في إلقاء العبء عليك دائما، ولا يقوم بدوره في إصلاح نفسه؛ لأنه بالتأكيد لديه مشاكل وعيوب وليس ملكا.

و. وأولا وأخيرا. استعيني بالله تعالي في كل يوم وليلة، ولا تفقدي الأمل في رحمته بك مهما قصرت في حقه فهو سبحانه حسبنا ونعم الوكيل، لا إله غيره، ولا عون لنا سواه، إياه نعبد ونجتهد ونتقرب، وإياه نستعين ونلجأ ونستغيث.

أرجو لك كل الخير.

⇐ لمطالعة المزيد:

⇐ أجابتها: د. فيروز عمر

أضف تعليق

error: