باقة الزهور نحن..

Doha

صباح الجمعة الماضي ولارتباطي بمواعيد خلال أيام الأسبوع، بدأت الاتصال بطالبات حلقة القرآن التي أشرف عليها في “دار روضة” لتحفيظ القرآن معتذرة عن اللقاء، فبادرتني إحداهن ودون مقدمات: “أخت مريم ليش الشيعة يدرسون عندكم.. يعني نحن نعرف أن الشيعة ما يدرسون عند أهل السنة”.

ربما لم يفاجئني السؤال، فدائما ما يريدون تفسيرا أو تحليلا على تصنيفات الناس من حولهم فدارنا مصنفة في دولة قطر بأنها صوفية.

لكنه أعاد شريط الذكريات فتراءت أمامي صورة جدتي تحدثنا مرة عن جيرانها، أذكر أنها كانت تقول: (إن جيراننا “حاج علي” أو “حيدر” – إذا لم تخني الذاكرة – بحارنة، أي شيعة)، وكانت تثني على أخلاقهم وحسن تعاملهم، وكيف يحيون ليلهم بالقرآن في أيام رمضان، وكانت جدتي تسمع آيات القرآن تتلى في بيوتهم أيام رمضان أثناء عودتها من صلاة التراويح في المسجد.

دوحة القرن الماضي

تقول الجدة إنه في إحدى المرات خرجت طفلتها الصغيرة تلحق والدها عندما خرج للسكة في “فريج الأحمد”، وكانت عبارة عن بيوت متقاربة جدا في أزقة وسكك ضيقة في الأربعينيات أو الخمسينيات من القرن الماضي، ولأن والدها لم ينتبه لها فانتبهت الجارة الشيعية، تبعتها وأعادت الصغيرة لجدتي، بل عاتبتها على غفلتها وإهمالها.

أتذكر أنه في السبعينيات من القرن الماضي كانت زميلتي المسيحية في المدرسة “سوسن يونان” تجلس بقربي واحتفلت معها بعيد ميلادها.. كنت أغبطها لأنها تلعب في حصة العلوم الشرعية ولم تكن تدرسها، لم يفرضها عليها ديني، ونجاح الفلسطينية المسلمة كانت وما زالت زميلة عزيزة نلتقي في بعض الأيام وإذا التقينا حضنت إحدانا الأخرى.

النسيج الاجتماعي في قطر متعدد الأشربة والأمزجة، حضر وبدو وعجم، عاشوا على أرض قطر، عندما قدموا للعمل أو التدريس في بداية ظهور البترول وعاشوا وتعايشوا مع المجتمع.. نعم نحن باقة تختلف عن أي تصنيف أو تشكيل أو ذوق، نعيش منذ زمن بعلاقة وود كما هو شأن أهل منطقة “الخليج”.

لا يمكن لي أن أحدد متى بدأت حكاية التصنيف، هل هي موجودة أصلا ثم ظهرت على السطح؟ أم أنها غير موجودة وخلقها الصراع في المنطقة؟

هل الهجرة وتجنيس بعض الأشقاء العرب أو غير العرب الذين حملوا فكرا متطرفا، سواء من البلدان العربية المجاورة أو غيرها، ودخول كثير من الأمزجة والأشربة، سواء بدو أو حضر، هو السبب، لا سيما وأن لدى بعضهم ثقافة بدأ يفرضها أو يدعو إليها من خلال المناصب التي وصلوا إليها، فظهر التصنيف العجيب والعصبية البغيضة التي لم يعرفها المجتمع، لهذا لا أستطيع تفسيرها، فأنا لست محللة اجتماعية ولا منظرة سياسية.

إرهاب فكري وصراع غريب لم نعرفه في قطر أو في المنطقة، وأصوات متعالية.. كل يخطئ الآخر في دينه وعقيدته وينتقص نسبه وقوميته، هذا صوفي.. هذا سلفي.. هذا شيعي.. هذا سروري.. هذا رافضي.. خليجي.. مصري.. سوري.. وفضاء مفتوح وقنوات الإشاعات التي أذكت هذا الصراع والخلاف حتى قارب أن تكون فتنة.

بل إن بعضهم تعصب لثقافته أو ملبسه واعتبره دينا مُنزلا، فظهر نسيج شاذ، حتى إن بعض أهل قطر فرضه على نفسه وأهله، وهو غير موجود في الدين أصلا وقد يكون اختلقه، سواء من البدو أو الحضر، من البر أو من البحر.. أحاول أن أفهم الأسباب وأفكر بصوت عال فقط.

وقبل أن أنهي المكالمة قلت لطالبتي: ليس هناك تفسير.. نحن باقة من الزهور العطرة المختلفة ولسنا شكلا واحدا.. ولا لونا واحدا.. جمالنا في اختلاف ألواننا وعطورنا.

بقلم: مريم آل ثاني

⇐ ستقرأ أيضًا –إن رغبت– معي:

أضف تعليق

error: