المناهج العربية مملة.. فهل أتجه إلى المدارس العالمية؟

تمت الكتابة بواسطة:

اتجه الناس أخيرا إلى إدخال الأبناء للمدارس التي تدرس باللغة الإنجليزية وهي المدارس العالمية؛ لأن مستقبلها مضمون، والمناهج ممتازة، وأسلوب التدريس تحفيزي وترفيهي، ويعلم التلاميذ البحث العلمي الممنهج منذ نعومة أظفارهم، وتزيد من ثقتهم بنفسهم.. وللحقيقة فهذا الأمر مفقود في معظم المناهج العربية حيث أسلوب التدريس الممل، والمناهج المليئة بالحشو غير المفيد.. لكن لا يخفى عليكم ضرر الالتحاق بالمدارس العالمية من حيث التأثر بلغة الآخر والبعد عن لغة القرآن.. فالأستاذ يكون قدوة ولو لم يكن مسلما.. وربما يصعب على الطفل استيعاب خطأ أستاذه الذي رباه وعلمه.

أولا: أمتنا الإسلامية متينة الجذور، يقود خطاها أنبياء كرام، وهي في صدارة الأمم، وكنا نرى طلبة العلم من كل أصقاع الأرض تؤمها، يتعلمون فيها العلم على تنوع مجالاته، فيعودون إلى ديارهم ينشرون ما حصلوه على أيدي المسلمين.

وتذكر لنا كتب التاريخ أن ملوك أوروبا كانوا يرسلون أبناءهم إلى بلاد المسلمين للدراسة والاستفادة من علومهم وحضارتهم، ومنهم فيليب ملك بافاريا الذي استأذن الخليفة الأموي هشام الثالث في إرسال طلابهم إلى الأندلس، وكذلك جورج الثاني، ملك إنجلترا الذي أرسل بعثة من بنات النبلاء والأشراف، وفي مقدمتهن الأميرة دوبانت ابنة أخيه، إلى الأندلس، ووجه معهن خطابا إلى الخليفة الأموي يقول فيه «أردنا الاطلاع على حضارتكم لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر نور العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل».

ومن البعثات العلمية المبكرة التي أرسلت إلى العالم الإسلامي من أوروبا، تلك البعثات المتواصلة التي كانت تفد إلى الأندلس من الأقطار الأوروبية؛ كإيطاليا وفرنسا وألمانيا وإنجلترا، حتى بلغت عام 312هـ في عهد الخليفة الناصر زهاء 700 طالب وطالبة. وكان من بين تلك البعثات بعثة علمية فرنسية برئاسة الأميرة إليزابث ابنة خال الملك لويس السادس ملك فرنسا آنذاك.

ثانيا: إن عقيدتنا هي أغلى ما نملكه، وهي سبيل رفعتنا ونجاحنا ورقينا في الدنيا والآخرة، خاصة إذا عرفنا ما ذكره المختصون من أن «70%» من سلوكيات البشر تبدأ بالتبلور في الأعوام الخمس الأولى من عمرهم.

إن التوجيه والرعاية خرجا عن مسارهما في تربية جيلنا الحديث لأسباب عديدة منها: أسلوب تعاملنا معهم، أو طرق تربيتنا لهم، أو للأعراف الاجتماعية، أو لطبيعة مناهج تعليمنا، والقائمين عليه.

وعودا إلى استشارتك: فقد ذكرت بعض الصحف الخليجية أن معلمة في إحدى المدارس الأجنبية التي تدرس طلبة في مرحلة الروضة عمدت إلى تقديم أوراق تحتوي على مفردة «خمر» وفيها رسم لكأس وبجانبها علبة، يقوم الطالب التوصيل بين الاثنين. هذه البداية! وقد ذكر بعض الآباء أن أبناءهم اكتسبوا عادات ليست من الإسلام بسبب نشأتهم في مدارس كتلك.

هذا الواقع نراه أو نغفل عنه تحت حجج متعددة منها: «تعلم اللغة الإنجليزية، أو قوة مناهجها العلمية، أو تميز طريقة التدريس فيها، أو إعمالها للفكر، أو الاعتراف بشهاداتها عالميا».

نعم.. أوافق أن تكون هذه أو بعضها في شيء من المدارس الأجنبية، وهي ولا شك جوانب إيجابية يحتاج إليها الناس وينشدونها، إلا أنها كذلك موجودة جميعها أو بعضها في مدارسنا العربية، ولو استعرضنا أقوال من خاضوا هذه التجربة لوجدنا هذا وذاك، ولكن! وبعد أن علمنا أن غالب هذه المدارس تتبع النظام التعليمي الخاص ببلدانها؛ فالمدارس البريطانية تتبع المنهج البريطاني، والمدارس الأمريكية تتبع المنهج الأمريكي، وهكذا، وبالتالي فالمناهج تتبع الأنظمة التعليمية الأجنبية التابعة لها، والقائمين عليها ـ ولا شك ـ قد أتوا إلينا بثقافاتهم، ورواسب مجتمعاتهم، وعاداتهم وتقاليدهم، بل ولا يمكنهم أن يخفوا آثار دياناتهم، فهل نضحي بفلذات أكبادنا لعلل قد تكون وقد لا تكون؟! وإن كانت، فهل رخص ديننا، وتربية أولادنا وسبيل نجاحهم وفلاحهم؛ لنعرضهم بثمن بخس في أيدي من لا نثق في دينه.

ثالثا: من يقرأ واقع هذه المدارس الأجنبية يلحظ أنها تنشر ثقافة المجتمع الغربي، بل إن أبناء المسلمين الملتحقين بها سيكونون في صراع بين ثقافتين تعترضهما: ثقافة مجتمعهم المحلي، والثقافة الأجنبية التي يتلقونها في مدارسهم، هذا فضلا عما يرونه من اهتمام باللغة الأجنبية على حساب لغتهم العربية، يضاف إلى ذلك أمور عديدة مقلقة منها: الانبهار بالحضارة الغربية، وفصل الدين عن الدولة، والاختلاط والتبرج، والحفلات والرحلات غير المنضبطة، والاحتفال بأعياد غير المسلمين.

هذه أمور ـ ولا شك ـ تنخر في فكر الشاب وثقافته، بل وليس ببعيد أن تكون يوما ما موقع تصادم بينه وبين والديه ومجتمعه، ولاسيما أن الأمر تجاوز إلى مرحلة الافتخار والتباهي بدخول ابن هذا أو ذاك لهذه المدارس.

رابعا: رسالة إلى أيدي القائمين على التعليم في البلاد العربية والإسلامية، ولرجالات المال والأعمال؛ لم لا يكون هذا الأمر حافزا لهم لإنشاء مدارس تكون مشاعل نور ومعرفة، كما كان واقع مدارسنا بالأمس حين كان الغرب يرسل فلذات كبده للدراسة في المدارس العربية، فنعطي الآخرين بعض كنوزنا التي جعلتنا خير الأمم، ولننشر هذا الدين الحق فيكتب الله أجر الدلالة على الخير للقائمين على هذه المدارس، بدل أن نتسول التعليم هنا وهناك، ونعرض أولادنا للهلكة والانحراف.

وأخيرا لم لا نكتفي بالمدارس التي يقوم عليها من يوثق في دينه وعلمه، وهي في عالمنا العربي ولله الحمد كثيرة، وكذا المعاهد الرائعة التي تعنى بتدريس اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي ونحو ذلك من العلوم الأخرى، وهي كذلك منتشرة ومتميزة.

بقلم: عادل بن سعد الخوفي


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: