علم التصنيف – بحث مُدقَّق وواسع المحتوى

علم التصنيف

علم التصنيف هو العلم الذي يهتم بدراسة تصنيف جميع الكائنات الحية. ولا يقتصر هذا العلم على تصنيف الكائنات الحية فحسب. فعند التفكير بالأمر بشكل أعمق ستُدركون أن علم التصنيف يروي قصة الحياة على الأرض.

جميع الكائنات الحية على هذا الكوكب ترتبط ببعضها البعض، وعند الرجوع بالزمن إلى الماضي البعيد ستجدون أن كل هذه الكائنات تنحدر من سلف مشترك؛ وهو الكائن الحي الذي انحدر منه كائنات مثل نجم البحر والحوت الأزرق، بالإضافة إلى أشجار البلوط وأسماك السلمون وغيرها من الكائنات.

وهذا الكائن عاش قبل ملايين السنين، وهذه المعلومة تُثير الاهتمام كثيراً.

مبدأ علم التصنيف

إن المبدأ الأساسي لعلم التصنيف هو التعرف على جميع فروع شجرة التطور وإيجاد التسميات المناسبة لتسهيل فهم العلاقات المتداخلة بين الكائنات.

إن علم التصنيف لا يُعنى بوصف أشكال الحياة بكامل تفاصيلها بل هو يهدف لموسع عدد البشر في فهمها؛ فبدون تنظيم هذه الكائنات سيكون الأمر أكثر تعقيداً.

ولهذا السبب لجأ علماء الأحياء إلى استخدام نظام تصنيفي لتصنيف جميع الكائنات الحية على الأرض، ويُطلق على هذا النظام اسم شجرة تطور السلالات، أو شجرة الحياة؛ وهي تظهر العلاقات التطورية بين جميع الكائنات الحية.

يُقدر عدد أنواع الكائنات الحية المعروفة على الأرض بمليونين نوع، ولكن يحتمل أن يكون عدد أنواع الكائنات الحية جميعها ما بين 5 ملايين إلى 100 مليون نوع.

فالعلماء ليس لديهم أدنى فكرة عن العدد الحقيقي؛ إذ يتم اكتشاف أنواع جديدة من الكائنات بشكل مستمر، وكلما زاد عدد الكائنات كلما ازداد تعقيد شجرة تطور السلالات.

ولا يوجد إجماع على طريقة تصنيف كل هذه الكائنات.

هناك الكثير من الغموض في العالم الطبيعي، وفي الواقع فالعالم الطبيعي بأكمله مبني على الغموض، وقد يصعب تحديد الفئة التي تصنف ضمنها مجموعة معينة من الكائنات الحية.

وفي بعض الأحيان يصبح حجم مجموعة معينة كبيراً جداً لدرجة تستدعي تعديل نظام التصنيف لإفساح المجال لذلك.

وكما تلاحظون فهذا النظام ليس مثالياً، ولكنه جيد لدرجة أنه تم استخدامه لما يقارب 250 سنة.

كارل لينيوس Carl Linné

ولد العالم السويدي كارل لينيوس في عام 1707 وفي أوائل حياته المهنية كعالم نبات أدرك أن طريقة تسمية النباتات في أوروبا في القرن الثامن عشر كانت سيئة جداً؛ فعلى سبيل المثال كان حينها الاسم الرسمي لنبات الباندورا هو الاسم الظاهر أمامكم.

دفع ذلك لينيوس ليقول إن معظم تسميات النباتات التي اختارتها السلطات الحديثة تستدعي السخرية.

فهو لم ينزعج فقط من التسميات العشوائية بل تنبأ كذلك بمشكلة إضافية، ففي ذلك الوقت كانت تُكتشفُ أنواع جديدة من النباتات في أوروبا باستمرار هذا بالإضافة إلى الكم الهائل من الكائنات التي كانت تُكتشف في العالم الجديد.

تنبأ لينيوس أن هذه الطريقة في تسمية الكائنات ستفشل مع ازدياد عدد الكائنات التي يجب تسميتها، فماذا ستكون النتيجة؟

يقال إن لينيوس بدأ بتسمية نفسه، فهو ينتمي إلى عائلة من الفلاحين، وفي ذلك الوقت لم تُعطى أسماء العائلة إلا للأثرياء؛ لذا عندما سأل كارل في الجامعة عن اسم عائلته قام بتأليف اسم لينيوس نسبة لاشجار الزيزفون التي كانت حول منزل عائلته.

حاز لينيوس على شهادة في الطب وأصبح بروفيسور في جامعة أبسالا؛ حيث كرس نفسه لدراسة علم التسمية، وكان يطلب من طلبته أن يذهبوا إلى أماكن معينة لجمع عينات حتى يقوم بدراستها وتصنيفها.

وكانت الطريقة التي اتبعها لينيوس في تصنيف الكائنات مبنية على علم التشكيل؛ أي شكل وبُنية الكائنات الحية.

ولم تكن هذه فكرة جديدة؛ ففي ذلك الوقت كان الناس يصنفون الكائنات الحية بناء على الصفات المتشابهة فيما بينها؛ أي بناءً على التراكيب الخارجية التي تبدو متشابهة، على الرغم من اختلاف أصولها مثل حالة تصنيف الطيور على أنها أقرب إلى الفراشات من الزواحف، وذلك لأن الطيور والفراشات قادرة على الطيران.

ولكن لينيوس كان لديه موهبة حقيقية في اختيار الصفات المتناددة للكائنات ضمن نظام تصنيفي.

والصفات المتناددة هي تلك التي تنحدر من سلف تطوري مشترك، وبالطبع لم يكن لينيوس يعرف أي شيء عن التطور.

حيث ولد داروين بعد أكثر من 100 سنة من تلك الفترة الزمنية. ولكن لينيوس شعر بأن بعض الصفات أهم من غيرها؛ فعلى سبيل المثال هو الذي صنف النباتات بناء على طريقة تكاثرها أو امتلاكها لجهاز تناسلي.

كما فاجئ الناس بجرأته عندما صنف الثدييات على أساس إمكانية الإناث في إنتاج الحليب؛ لأن ذلك كان أمراً غريباً في ذلك الوقت.

أثناء فترة حياته قام لينيوس بتصنيف في 7,700 نبات و 4,400 حيوان، ونشر تصنيفاته في كتاب اسمه ” نظام الطبيعة” وعندما انتهى من كتابة الطبعة الثانية عشر كان الكتاب يتألف من 2300 صفحة.

المراتب التصنيفية

على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزه علم التصنيف منذ زمن لينيوس إلا أن بعض المبادئ التي ابتكرها ما زالت مستخدمة حتى الآن.

على سبيل المثال؛ ما زلنا نرتب الكائنات الحية وفق ما يُعرف بالمراتب التصنيفية، أو مجموعة من الكائنات الحية، وما زلنا نستخدم المراتب التصنيفية ذاتها التي استخدمها لينيوس وهي:

  • مملكة.
  • شعبة.
  • صف.
  • رتبة.
  • فصيلة.
  • جنس.
  • نوع.

التسمية الثنائية

ما زلنا كذلك نستخدم أسلوب لينيوس في التسمية الثنائية؛ وهو نظام تسمية يتكون من جزأين؛ أي اسم الجنس واسم النوع باللغة اللاتينية أو شبه اللاتينية.

بدأ هذا التقليد في العصور الوسطى عندما كان من المتوقع من الأشخاص المتعلمين معرفة اللغة اللاتينية.

أما الآن فالمعظم لا يتكلمون اللاتينية، ولكن في المقابل اصبحنا نعرف الكثير عن التطور على عكس لينيوس.

كما سمحت لنا التكنولوجيا الحديثة إجراء تحاليل جينية لتصنيف العلاقات بين الكائنات الحية.

على الرغم من ذلك؛ ما زال نظام لينيوس التصنيفي المبني على علم التشكيل مستخدماً إلى الآن، وذلك لأن الأدلة الجينية تتوافق عموماً مع التصنيفات التي تم إجرائها على أساس البنية والشكل.

ولكن هناك الكثير من أشكال الحياة التي لم يعلم لينيوس بوجودها؛ مرتبة النطاق:

لجأ العلماء لإضافة مرتبة تصنيفية أخرى فوق المملكة التي حددها لينيوس، وسميت هذه المرتبة الإضافية بـ النطاق؛ وهي الأوسع بين كل هذه المراتب.

وتقسم مرتبة النطاق إلى ثلاثة أقسام وهي:

  • البكتيريا.
  • العتائق.
  • حقيقيات النوى.

البكتيريا والعطائق

هي كائنات بدائية النواة، بمعنى أن معدتها الجينية غير مغلفة بالنواة.

أما بالنسبة لحقيقيات النواة؛ فهي تشمل جميع أشكال الحياة التي تمتلك نواة، وهذا يشمل معظم الكائنات الحية المألوفة بالنسبة لكم.

بالإضافة إلى الكائنات التي لم تسمعوا بها من قبل.

هل يرى البعض أنه يمكن تصنيف الكائنات المجهرية ضمن نطاق واحد، ولا داعي لتصنيف بدائيات النواة ضمن نطاقين؟

ولفترة طويلة لم تكن هذه الكائنات مقسمة بهذا الشكل، ولم تصنف ضمن نطاقين مختلفين حيث كانت تصنف ضمن نطاق واحد يسمى الوحدانات.

ولكن اتضح فيما بعد أن البكتيريا التي تعيش في مكان واحد على وجه الأرض بما في ذلك داخل جسم الإنسان وفي أعماق قشرة الأرض، والعتائق التي هي أكثر تحملاً من البكتيريا لديهما تاريخ تطوري مختلف.

فالعتائق هي أقرب إلى الكائنات حقيقية النوى مثل الإنسان، وللعتائق أغشية خلوية مختلفة عن البكتيريا والأنزيمات التي تستخدمها العتائق لصنع الحمض النووي RNA أي بوليميراز RNA هو أشبه بـ الأنزيم الذي تستخدمه حقيقية النوى.

نطاق حقيقيات النوى

فهو يعتبر من أكثر هذه النطاقات إثارة للاهتمام، ويصنف هذا النطاق لأربع ممالك وهي:

  • مملكة الطلائعيات.
  • مملكة الفطريات.
  • مملكة النباتات.
  • مملكة الحيوانات.

اتفق العلماء على هذه الممالك الأربع حتى الآن، وتذكروا أن هذه التصنيفات هي من صنع الإنسان، ولكن هناك أسباب مقنعة لتصنيف هذه الكائنات بهذه الطريقة.

تم اتباع أسلوب غير علمي في تقسيم الكائنات إلى مجموعات بناء على النظر، مثل؛ ملاحظة أن الطلائعيات كانت كائنات أحادية الخلية لذا فهي مختلفة عن باقي الكائنات في هذا النطاق.

وملاحظة أن النباتات تختلف لأنها تحصل على طاقتها من الشمس، وأن شكل الفطريات وتصرفاتها تختلف عن النباتات والحيوانات.

وبما أن الحيوانات كانت مألوفة للجميع؛ لذلك صنفت ضمن مملكة خاصة.

وبالرغم من عدم تفضيل العلماء لهذا الأسلوب غير العالمي المبني على تصنيف الكائنات من مجرد النظر إليها إلا أنه نجح إلى حد ما.

ولكن لا يمكن اعتباره مثالياً، ولكن هناك سبب لنجاح هذا الأسلوب في التصنيف؛ فمن الناحية التطويرية هناك بالفعل عدة تصنيفات.

فكل مملكة من هذه الممالك هو فرع كبير من شجرة الحياة، وعند كل فرع حدوث تغيير تطوري ذو فائدة كبيرة جداً أدت إلى نشوء تنوعٍ كبير بين السلالات الناتجة.

وهناك نوعان آخران من الكائنات؛

الكائنات ذاتية التغذية

المملكة النباتية؛ هي الكائنات ذاتية التغذية في نطاق حقيقية النوى، وذاتية التغذية يعني أنها تنتج غذاءها بنفسها من خلال عملية البناء الضوئي.

وتمتاز النباتات عن باقي الكائنات عديدة الخلايا بجدرانها الخلويات المكونة من السيللوز وامتلاكها للبلاستيدات الخضراء.

الكائنات غيرية التغذية

وهي التي تحصل على طاقتها من خلال تناول كائنات حية أخرى. والكائنات الحية كيميائية التغذية، وهذا نوع غريب من الكائنات يظهر فقط ضمن نطاق البكتيريا والعتائق، وتحصل هذه الكائنات على طاقتها من المواد الكيميائية.

مملكة الطلائعيات

تشمل كائنات ذاتية التغذية وأخرى غيرية التغذية. حيث يمكن لبعض الطلائعيات القيام بعملية البناء الضوئي بينما يأكل البعض الآخر الكائنات الحية.

الطلائعيات هي عبارة عن كائنات حقيقية النوى أحادية الخلية، قد تكون أو لا تكون مرتبطة ببعضها البعض من الناحية التطورية، وهذا ما يحاول العلماء اكتشافه، فبعضها يُشبه النبات؛ مثل الطحالب، وبعضها يشبه الحيوانات مثل الأميبا، وبعضها يشبه الفطريات مثل العفن.

ما زالت الكثير من تفاصيل مملكة الطلائعيات غير معروفة بالكامل، فلا تتفاجؤوا إذا وجدتم في المستقبل عند تدريسكم لطلابكم مادة الأحياء أن هذه الممالك الأربعة لحقيقيات النوى قد زاد عددها.

مملكة الفطريات

تتألف مملكة الفطريات من الفطر، وفطر التفحم، والفطر النفاس، وفطر الكمأة، والعفن والخميرة.

وتمتاز الفطريات باحتوائها على جدران خلوية مثل النباتات، ولكن بدلا من السليلوز فهي مكونة من نوع آخر من الكربوهيدرات يُسمى الكيتين.

والكيتين هي كذلك المادة التي يتكون منها منقار الحبار الضخم، وهي المادة التي يتكون منها الهيكل الخارجي للخنفساء.

ولأن الفطريات هي كائنات غيرية التغذية مثل الحيوانات فلديها أنزيمات هاضمة مختلفة تكسر الطعام وتساعد في إعادة امتصاصه.

ولأنها غير قادرة على الحركة فهي لا تحتاج إلى معدة لإتمام عملية الهضم، فهي تنمو فوق الشيء الذي تريد هضمه لتريح نفسها.

مملكة الحيوانات

وهي المملكة التي ينتمي إليها الإنسان والكثير من الكائنات الحية الأخرى.

الحيوانات هي بالطبع كائنات متعددة الخلايا، وهي كائنات غيرية التغذية مما يعني أنها تقضي وقتاً طويلاً في البحث عن الطعام لأنها غير قادرة على صنعه بنفسها.

وأغلبية الحيوانات قادرة على الحركة خلال مرحلة على الأقل من مراحل دورة حياتها.

وينمو عند معظم هذه الحيوانات إما طبقتان أو ثلاثة طبقات تبرعم خلال مراحل النمو الجيني، ما عدا إسفنج البحر.

ندعوك لتَطَّلِع على: الوراثيات السكانية – بحث متكامل

مثال على حقيقيات النوى

ونهاية سنقوم باختيار كائن حي لنُريكم كيف سنتتبع تصنيفه عبر المراتب التصنيفية من المملكة إلى النوع لتوضيح الأمر بشكل أفضل.

القطط

القطط لديها خلايا تحتوي على نواة وعضيات يُغلفها أغشية خلوية، وهي متعددة الخلايا وغيرية التغذية، ويتكون لديها ثلاث طبقات تبرعم في المرحلة الجينية.

وبهذا يمكن الاستنتاج أنها تنتمي إلى المملكة الحيوانية.

كما تمتلك القطط نخاعاً شوكياً يمتد على طول ظهرها، ويكون محمياً بالعمود الفقري.

كما أنها تمتلك ذيلاً لا ينتهي بفتحة شرج مثل الدودة، وهذا ما يجعلها تنتمي إلى شعبة الحبليات.

ويمكن للقطط افراز الحليب والولادة مثل البقرة بدلاً من وضع البيض مثل الدجاج.

ولدى القطط فرو و 3 عظام صغيرة في الأذن التي تكون موجودة فقط عند الثدييات؛ لذلك فهي تنتمي إلى صف الثدييات.

مما يعني أنها أقرب للبقر من الدجاج، ومثل العديد من الثدييات المشيمية الأخرى التي تأكل اللحوم مثل ابن عرس الذي ينتمي إلى عائلة العرسيات، والكلاب التي تنتمي إلى عائلة الكلبيات.

تنتمي القطط إلى رتبة اللواحم؛ وهي من عائلة السنوريات، وأفراد هذه العائلة تمتلك أجسام مرنة ورؤوس مستديرة و مخالب قابلة للسحب باستثناء الفهد.

والقط هي أصغر حجماً من النمور والفهود مما يجعلها تنتمي إلى جنس القطط.

أما على مستوى النوع فهناك الكثير من التفاصيل التي يمكن إضافتها لوصف نوع قطة، لذلك سنكتفي بنوع القط المنزلي المعروفي بالنسبة لكم.

أضف تعليق

error: