خطبة: يوم عرفة وحرمة الدماء

خطبة: يوم عرفة وحرمة الدماء

وما أجمَل تلك الأيَّام والمناسبات في عامنا الهجري. ومن أهمها –بكل تأكيد– يوم عرفة. واليوم سنفرد خطبة كاملة عنه؛ بعنوان: يوم عرفة وحرمة الدماء. وهنا، والآن ندعوكم لتنهلوا منها ما استطعتم..

عناصر الخطبة

  • يوم عرفة يوم عظيم نزلت فيه آية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) وخطب فيه النبي ﷺ خطبة الوداع.
  • تأكيد النبي ﷺ في خطبة الوداع على حرمة الدماء، والأموال والأعراض.
  • أصحاب الفكر المتطرف هم خوارج العصر الذين يجب علينا محاربة فكرهم الظلامي وحماية المجتمع من شرورهم.

الخطبة الأولى

أيها الإخوة المؤمنون، ونحن ما نزال نتفيأ في ظلال هذه الأيام التي عظّم الله ﷻ حرمتها، والتي فيها يوم عرفة الأغرّ الذي جعله الله ﷻ من أعظم الأيام، وقد أقسم الله ﷻ به: فهو اليوم المشهود في قوله ﷻ: (وشاهد ومشهود).

في هذا اليوم العظيم من أيام شهر ذي الحجة صعد النبي ﷺ صعيد عرفات، يوم أن أتم الله ﷻ الدين للناس وأنزل سبحانه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، ألقى عليه الصلاة والسلام خطبة الوداع التي لخص فيها مجموعة من أحكام الدين الإسلامي ومقاصده الأساسية، فخاطب الصحابة، والأجيال التي ستأتي بعدهم من التابعين، والبشرية جميعها في أنحاء العالم بنداء: “أيها الناس” وكان من أعظم ما وصّى به النبي ﷺ أمته في هذا اليوم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»، فأعادها مراراً، ثم رفع رأسه فقال: «اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت».

قال ابن عباس رضي الله عنهما: فو الذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب.

لقد اختار النبي ﷺ هذا اليوم العظيم، يوم الحج الأكبر وباجتماع ما يزيد عن مئة ألف صحابي، ليعلنها ﷺ صراحة وعلى مسمع من جميع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب، أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم مصونة يحرم الاعتداء عليها، وهذه كانت من آخر وصايا النبي ﷺ.

هذه رسالة من نبي الله ﷺ إلى خوارج العصر في زماننا الذين يكفرون عموم المسلمين ويتجرؤون على إراقة دمائهم، وزرع الخوف في المجتمع وتدمير وحدته، دون مراعاة لحق الله ﷻ وحرمة النفس المعصومة، وقد تجاهل هؤلاء وصية النبي ﷺ، وغفلوا عنها حتى فاتتهم المواعظ والتذكير، وما ذلك إلا خذلان وخسران، فقتل النفس الإنسانية من أعظم الجرائم التي ترتكب على هذه الأرض، وقد تناسى هؤلاء الخوارج قول الله ﷻ: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، فأين يذهبون بسوء أفعالهم، وماذا يقولون لله ﷻ عند الموقف العظيم بين يديه.

قِفْ عن القتل فقد جاوزت حدَّك
واتّقِ الله الذي إن شاء هدّك

عباد الله: إن الخوارج في هذا العصر ينسبون أنفسهم إلى الإسلام بالاسم فقط ولكن حقيقة فعلهم وعقيدتهم ومنهجهم وسلوكهم لا يَمُتُّ إلى الإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، زعموا أنهم يمثلون الإسلام وأنهم على الحق والإسلام منهم بريء، هؤلاء الذين ينطبق عليهم قول الله ﷻ: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) ، فهؤلاء قد شَوَّهوا صورة الإسلام بأفعالهم وجرائمهم البشعة، شَوَّهوا دين الرحمة والعدل والسماحة، وشَوَّهوا الجهاد الذي ما شُرِعَ إلا لخير البشرية وإحقاق الحق والعدل، فليس لهم غاية إلا إثارة الفوضى وإشعال نار الفتنة، وتفريق الجماعة وزعزعة الأمن ومحاربة البشرية، دعما لأعداء الملة وتحقيقا لأهدافهم ومآربهم.

كفَّروا المسلمين أفراداً وجماعات وحكومات، وانطلقوا من آيات من القرآن الكريم نزلت في حق الظالمين المجرمين فحملوها على المؤمنين، وخرجوا عن سنة نبي الرحمة ﷺ الذي قال: «ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله»، وقوله عليه السلام: «أيما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال والا رجعت عليه».

ولخوارج هذا العصر أسلافٌ خرجوا قديماً على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في زمن الصحابة رضي الله عنهم مستدلين عليه بقوله ﷻ: (إن الحكم إلا لله)، فردّ عليهم علي رضي الله عنه بكلمته المشهورة: (كلمة حق أريد بها باطل).

قال الإمام النووي: معناه أن الكلمة أصلها صدق قال الله ﷻ (إن الحكم إلا لله) لكنهم أرادوا بها الإنكار على علي رضي الله عنه في تحكيمه.

وهكذا هم الخوارج في كل عصر، يرفعون الشعارات التي يوهمون بها الناس أنهم أصحاب حق، وما أرادوا بها إلا الباطل فينطبق عليهم قول الله ﷻ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)، والدليل على ذلك أفعالهم الإجرامية التي يقومون بها، فقد عمدوا إلى أعظم أيام الله ﷻ، إلى الأشهر الحُرم وإلى أيام الحج الأكبر التي تتعاظم فيها الحرمات فارتكبوا جريمتهم النكراء بحق أبنائنا من الأجهزة الأمنية وظنوا أنهم بهذه الأفعال يتقربون إلى الله ﷻ ويُحِقُّون الحق، ولم يعلموا أنهم بأفعالهم هذه قد خالفوا دين الهدى والرحمة، غَلُوا في الدين بسبب جهلهم بالقرآن والسنة وبمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، وقد صدق رسول الله ﷺ حينما وصفهم بأحاديثه الشريفة كما في الحديث الذي رواه (البخاري) عن علي رضي الله عنه قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم».

والناظر أيها الإخوة في حال هذه الفرقة – من خوارج العصر – يرى صدق وصف النبي ﷺ فيهم:

فهم حدثاء الأسنان: أي صغار في العمر مغرر بهم.

وسفهاء الأحلام: عقولهم صغيرة مغيبَة… جهّال ليس لهم أهداف ولا غايات، لا يفقهون من الدين مقاصده… يسيرون وراء كل ناعق لجهلهم وسفاهة عقولهم.

ويقولون من قول خير البرية: فيستدلون بآيات من القرآن ومن أحاديث النبي ﷺ ومن أقوال علماء الأمة فيحملونها على غير وجهها، وخاصة فيما ورد بالظالمين والمجرمين فيحملونها على المؤمنين.

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: “لَيْسَ حَظّهمْ مِنْ الْقُرْآن إِلَّا مُرُوره عَلَى اللِّسَان، فَلَا يُجَاوِز تَرَاقِيهمْ لِيَصِل قُلُوبهمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوب، بَلْ الْمَطْلُوب تعقّله، وَتَدَبُّره بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْب”.

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

أيها الإخوة المؤمنون، إننا نعيش بفضل الله ﷻ في هذا البلد المبارك بأمن وسلام وبهمة جنود الوطن من الجيش العربي المصطفوي ومختلف الأجهزة الأمنية الذين قدموا أرواحهم في سبيل الله دفاعاً عن وطنهم، وكان آخر هذه البطولات ما شهدناه قبل عدة أيام من تصدي قواتنا المسلحة الباسلة وأجهزتنا الأمنية للمجموعة الإرهابية التي حاولت النيل من أمن البلد واستقراره، فكان جنودنا البواسل وفقهم الله ﷻ سداً منيعاً وجداراً عالياً في وجه المخططات الإرهابية، فمنهم من ارتقى عند ربه في معارج الشهداء ملتحقين بإخوانهم الذين سبقوهم مسطرين ببطولاتهم تاريخاً مليئاً بالتضحيات في سبيل الدفاع عن دينهم ومقدساتهم وأوطانهم.

وقد قال ﷻ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)، وهو أمر ليس بمستغرب على أبناء هذا الوطن الطهور، الذي نذر نفسه للدفاع عن الحق والعدل، نسأل الله ﷻ أن يتقبلهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

أيها الأخوة المؤمنون: إن من واجبنا في هذه الأيام العظيمة بعد أن منّ الله ﷻ علينا بحماية أوطانناً والتصدي للمخططات الإرهابية أن نشكره ﷻ بالتهليل والتسبيح والتكبير والدعاء في هذه الأيام العشر وخاصة في يوم عرفة فهو يوم يُرجى إجابة الدعاء فيه، أخبرنا بذلك نبينا ﷺ فقال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير».

وإن أولى ما ندعو الله ﷻ به في هذه الأيام أن يتقبل الله ﷻ شهداء الواجب الذي ارتقوا وهم يدافعون عن تراب هذا الوطن الطهور، وأن يعجّل في شفاء جرحانا وأن يرزقهم العافية في أبدانهم وأرواحهم، وأن يحفظ الله ﷻ بلدنا الأشم وأمنه ليبقى سداً منيعاً في وجه من يحاول الاعتداء على آمنه واستقراره بهمة أبنائه وجنوده المخلصين.

والحمد لله رب العالمين..

خُطَب أكثر ليوم عرفة

كما تعلمون؛ بمكتبة موقع المزيد.كوم الكثير من الخُطَب؛ فما رأيكم أن تلقوا نظرة عليها!

وفَّقكم الله ﷻ لكل خير.

أضف تعليق

error: