خطبة عن شهر رجب.. مكتوبة جاهزة، مشكولة الآيات وقوية المفردات

نعم، نحن قاب قوسين أو أدنى من استقبال أحد الأشهر الحُرُم. وها نحن نسوق إليكم خطبة عن شهر رجب؛ مُعدَّة ومكتوبة وجاهزة للقراءة أو الطباعة. مشكولة الآيات وقوية المفردات وسخيَّة المعاني والعِظات.

وبدورنا في ملتقى الخطباء وصوت الدعاة بموقع المزيد نوفر لكم هذه الخطبة المباركة؛ آملين أن تنال استحسانكم وأن تنهلوا منها الحِكَم والمواعِظ، الدروس والعِبر؛ وتقدموه للمصلين في خُطب الجمعة؛ لينتَفع بها الجميع.

خطبة عن شهر رجب

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ﴿غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾. الحمد لله العلي الأعلى، الولي المولى، الذي خلق فسوى وقدر فهدى، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك، ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك.

اللهم إنا نبرأ إليك من الحول والطول والقوة، ونرغب إليك في الفتح والتوفيق والعِصمة؛ ونسألك التوفيق في الوفاء بالعبودية لك.

نحمدك بالمحامد التي حمدك بها أعظم أنبيائك المرسلين في أكمل أوقات مشاهداتهم، ونثني عليك بما أثنى عليك أعظم ملائكتك المقربين في أشرف أوقات معارجهم.

سبحانك، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. فنحمدك الله بالمحامد اللائقة بعظمة ربوبيتك وكمال ألوهيتك.

ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، النبي المصطفى والحبيب المجتبى، الذي أرسله الله -تعالى- بشيرًا ونذيرا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا. فهدانا الله -تعالى- به من الضلالة وعلمنا به من الجهالة، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

الخطبة الأولى

ثم أمّا بعد؛ فلم يزل فضل الله -تعالى- ممدودًا ومبسوطًا في عباده، يُقلب -سبحانه- فيهم النِعم، ويتفضل سبحانه عليهم بالعطاء.

ولقد سبقت سنن الله -تعالى- في عباده الصالحين، بأنه -سبحانه- ينصرهم ويواليهم، ويمدهم، ويفتح لهم من شريف العلوم الإلهيَّة والمعارف الربَّانية؛ ويجري -سبحانه- على أهل ولايته آياته البينات؛ فينزل -سبحانه- الكتب، ويبعث الرسل، ويجري -سبحانه- آيات تمجيده وتقديسه على ألسنة الصادقين من عباده.

فإذا بأهل الله وبالصالحين من عباده تشيع منهم المعارف الإلهية بين البشر. يستمع الناس إليهم فتمتلئ صدورهم وقلوبهم توقيرًا وتعظيما. يتجدد الإيمان في القلوب بسماعهم، يُقرأ القرآن غضًَّا كما أُنزل، فتفيض أنواره على ألسنتهم.

بهم ينتشر اليقين، وبهم يُنصَر الدين، وبهم تظهر عجائِب التولي واللطف من الله -تعالى-.

لم تزل سُنن الله -تعالى- جارية بذلك على اختلاف الأُمم، واختلاف الألسن واللغات. ولقد تقلَّب تاريخ البشر ونهضت حضارات وهَوَت حضارات، وتقدمت أمم وشعوب ثم تأخرت عبر تاريخ البشرية الطويل؛ ولا يزال لله -تعالى- في أثناء ذلك كله عبادٌ مُخلَصون وسادة متقون، أنعم الله -تعالى- عليهم بمعرفته فامتلأت بواطنهم إجلالا وتوقيرا، وأجرى -سبحانه- ذكره وشكره على ألسنتهم تنويرًا وتبصيرا، حتى أمرنا الله -تعالى- أن نتقرَّب إليه وأن نتذكَّر آياته بتذكرنا أجراه -سبحانه- لخاصَّته وأنبيائه ورسله من العطاء والتولي والنُصرَة.

وذكرهم بأيام الله

قال -سبحانه- ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾. فأعلمنا -سبحانه- أن التذكير بأيام الله إنما هو في الحقيقة تذكيرٌ لما أولاه الله -تعالى- لعباده من التوفيق. فنجَّى -سبحانه- موسى من فرعون، وخسب بقارون وداره الأرض، ونصر -سبحانه- هودًا وصالح وشعيبا، ونجَّى -سبحانه- نوحًا والذين آمنوا به من الطوفان، وأسرى -سبحانه- بعبده وحبيبه ونبيه سيدنا ومولانا محمد -صلى الله عليه وسلم- في الإسراء والمعراج.

وأعزَّ -سبحانه- جانبه في يوم بدر، وفتح له فتحًا مبينا في فتح مكة.

وهكذا مضت سُنَّة الله -تعالى- في عباده، أن يفتح أبواب التوفيق وأن تُمطر السماء بالمعونة، وأن يأمر الله -تعالى- الأكوان فتنفعل لعباده الصالحين من الأنبياء والمرسلين.

فكم من يوم وكم من ساعة شهدت تجليًا إلهيًا على خاصَّة عباده، فأمرنا الله -تعالى- بأن نتذكَّر تلك الأيام استحضارًا لما وقع فيها من العطاء الإلهي العليم، ومن التجلي الإلهي الأعظم.

فتذَكُّر أيام الله إنما هو في الحقيقة تحدثٌ وتمعن وتذكر ومدارسة لما أجراه الله -تعالى- لخاصَّة عباده من فتح أبواب النُصرَة.

تذَكُّر أيام الله إنما هو في الحقيقة استمداد واغتراف من شؤون إلهية خالِصة تفضَّل الله -تعالى- بها على من شاء من عباده.

وإنما تشرف الأيام والشهور والأزمان والأحداث والساعات بمقدار ما أودع الله فيها من معاني التجلّي. فلله تلك الساعة القدسية العظيمة الخَطب، الجليلة الشان، التي تجلى الله -تعالى- فيها على الجبل فخر الجبل دكا وخر موسى صعقًا ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

ساعة ربانية وتجلٍ عظيم يأمرنا الله -تعالى- بأن نديم تذكره وأن نتفكر في أسبابه، وأن نندرج في أنواره.

استقبال شهر رجب

وإنما لاحت لي هذه المعاني، إذ قد استقبلنا شهر رجب، ومن بعده شعبان، ومن بعده شهر رمضان المعظم. فكأني بهذه الأمة المحمدية المرحومة؛ وقد استقبلت شهورًا منوَّرة وأياما مُعظمة. وكأني بالأحداث والشؤون السياسية وأمور اقتصادي واضطراب أحوال البلد وما شمل الناس من خوف وقلق، كأني بذلك كله قد أعجَل الناس عن تنسم أنوار العطاء وعن استقبال تلك الأيام، وعن الشعور بدخول أيام الله المعظمة باستقبال شهر رجب.

كأني بتلك الأحداث المتعاقبة ذد أذهلت الناس وشغلتهم وشغلت أذهانهم وصرفتهم عن استشعار استفتاح شهور معظمة حافلة بالعطاء والفتح.

وكأني بأكثركم -والله تعالى يلطف بنا وبكم- قد نسي أن يتوجه إلى الله -تعالى- بتلك الدعوات: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان.

ما كانت حديثا يفترى، ولا كانت تلك الكلمات شقشقة لسان؛ إنما كانت شعورًا علويا يستشعر صاحبه أنه قد أظلنا زمانٌ عظيم جرت عادة الله -تعالى- فيه بالفتح واللُّطف.

فيا عباد الله؛ عظموا شعائر الله وجددوا عهود قلوبكم بأيام الله المعظمة، وقفوا وقفة تلتقطون فيها أنفاسكم وترجعون فيها إلى الله -تعالى- في أيامٍ عطِرات معظمات.

ارجعوا إلى بيوتكم وذكروا أسركم الكريمة وأولادكم ومن يليكم؛ أشيعوا بينهم أجواء شهر رجب. ذكروهم بأننا قد استفتحنا شهورًا معظمة. واعلموا أن هذا ما كان ولن يكون انشغالا عن شأن الوطن؛ وإنما هو استمداد واستفتاح بأنوار إلاهية تصفو فيها النفوس وتنحسر عنها الأحقاد وتستنير فيها العقول بأنوار الحكمة والبصيرة.

فإذا أقبلت على شأن الوطن ودبرت له الخير أحسنت التدبير.

وشتان ما بين عقول مخلصة تحمل هم الوطن وتتفكر في شأنه. شتان بين تدبيرها وعملها وسعيها في رِفعة الوطن وهي مقطوعة عن أنوار الله -تعالى- وشتان ما بين حالها وقد استبارت بنور الاستبداد، وقد عرفت معنى الضراعة وقد تلمَّست أنوار الهداية.

فإنها تنقلب عقولا قد أخلصت وحملت هموم الوطن ثم قد انقدح لها سراج منير وانفلق لها صباح ترى فيه الحقائق وتحسن فيه التصرف وتسدد فيه وتقارب وتجمع فيه من الشمل ما تفرق.

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾.

أمر الله -تعالى- موسى -عليه السلام- بعدة أمور.

أولها أن يخرج قومه من الظلمات إلى النور. فكان من سَنن الأنبياء والمرسلين ومن عوائد أئِمة الهدى الصالحين أن تتجدد عهدهم بأنوار الهداية، وأن يتذاكروا كيفية الخروج من الظلمات في كل وقتٍ وحين.

يقول الله -تبارك وتعالى- في سورة البقرة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.

والظلمات ليست بمنقضية، إذا قد تتجدد الظلمات بثوران الأهواء وتجدد الأحقاد ووجود الخصام والقطيعة ووجود التنافر في النفوس واضطراب الأمور وتخبط العقول وتفاوت المناهج.

إنما تقع الظلمات إذا ما تحركت العقول والنفوس وهي لا تستحضر نفحات الله ولا تستمد منه ولا تستنير بهديه ولا تتوقف ما بين آونة وأخرى لتلتقط الأنفاس حتى ترجع إلى السعي في العمران ورفعة شأن الوطن وقد تجدد عهدها بالسماء، واقد ارتقت درجة عن دركة الإنسانية المُغرِقة بالإنسان في الخصام والجدل والنزاع.

فيا عباد الله؛ أذكركم بما أمر الله -تعالى- به موسى -عليه السلام- ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾. فاجعلوا هذه الجمعة من شهر رجب بابًا يتجدد فيه العهد بعظمة معاني الألوهية باستحضار مقاصد الشريعة في حفظ الأنفس وحقن الدماء وعلوّ الأمن وشيوع الأمان وحفظ العقول من التلبيس، وحفظ الأموال والأعراض.

جددوا عهودكم بباب الأخلاق. فإن هذه الأمة ما تقدمت ولن تتقدم ولا بُنيت حضارة في تاريخ البشر إلا إذا ما تمكنت القيم من النفوس، فحكمت خلافات البشر.

وإذا أمعَن المسلم النظر، فسيجِد -بإسناد صحيح- في أثر ابن عباس -رضي الله عنه- أن التحويل -أي تحويل القبلة- كان في شهر رجب من السنة الثانية. وهذا يُعلي من خصوصية وفضل شهر رجب.

وبالرجوع إلى الآية المباركة ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾؛ نجِد أن هذه هي الوظيفة الأولى من وظائف تلك الأشهر المعظمة.

ثم قال -تعالى- ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾. ثم رجع النص الحكيم والتنزيل المبين ليخرج من القيم إلى القائِم بها. فقال -سبحانه- ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾.

فأين أصحاب الهمم؟ وأين أصحاب العزيمة في هذه الأشهر المعظمات؟ أين الصّبار الشّكور؟ أين الذاكر المخبت؟ أين المقدم على الله بالإنصاف من نفسه؟

أقول قولي هذا، وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم؛ وادعوا ربكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركا فيه، ملئ السموات وملئ الأرض، وملئ ما شاء ربنا من شيءٍ بعد.

نحمدك اللهم حمد الشاكرين، ونسألك اللهم الهدى والرضا والتثبيت واليقين.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين؛ ثم أما بعد.

أردت أن أذكركم بهذا، ونحن في أوائل شهر رجب، وقد مضت منه أيام مباركات معدودات؛ عبرت على حين غفلة. فقِفوا وقفة تستمدون فيها من الله -تعالى- أنواره في أوقات عطائِه وتجليه. والله -تعالى- وليكُم؛ وهو -سبحانه- من وراء قصدكم؛ وبهديه -سبحانه- التوفيق والمؤونة.

ولقد كان يُمكِن أن يتَّسِع مجال القول، واستخراج اللطائِف والمعاني الكائِنة في هذه الروابط القدسية العظيمة، إلا أني أردت التذكير بها في خواتيم هذه الخطبة ثم للتفصيل من وراء ذلك مجال.

الدعاء

أتوجَّه إلى الله -تعالى- بدعواتٍ خالِصاتٍ؛ فارفعوا معي أكُفّ الضراعة.

اللهم إنا نسألك ونتوجَّه إليك وندعوك باسمك الطيب الطاهر المبارك الأحب إليك، الذي إذا سُئلت به أجبت، وإذا استُعطيت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحِمت، وإذا استُفرِجت به فرَّجت؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وغمومنا.

اللهم ذكرنا من القرآن ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.

اللهم اجعل القرآن حجة لنا يا رب العالمين.

اللهم ثبت القرآن في قلوبنا تثبيتا، ومكِّنه في أفئدتنا تمكينا.

اللهم فرج عن المسلمين، والطف بالمسلمين.

اللهم أنزل السكينة على مصر وأهلها، واجمع من شمل أهلها من تفرَّق. وافتح لهم بركاتٍ من السماء والأرض؛ وسائِر بلاء المسلمين يا أكرم الأكرمين.

اللهم فرِّج عن أُمَّة سيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وارفع قدرهم، والطُف بهم، واجبرهم، وأعِد عليهم عوائد لطفك في الدنيا والآخرة.

وصلَّى الله على سيدنا محمد في الأولين وفي الآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وأقِم الصلاة.


خطبة عن شهر رجب

ألقاها فضيلة الشيخ أسامة الأزهري؛ فجزاه الله عنا كل خير.

إذا كُنتم بحاجة إلى الخطبة بصيغة pdf لتحميلها على الهواتف المحمولة أو أجهزة الكمبيوتر؛ فلا تترددوا في طلبها عبر التعليقات أدناه. وسنعمل -بعون الله تعالى- على توفيرها لكُم.

كما ونوصيكُم بالطلاع على هذا المقال المُفيد: فضل شهر رجب – ما تفعله وتقوله وما تتجنبه في هذا الشهر

أضف تعليق

error: