خطبة تريح النفس.. بعنوان: الحياء لا يأتي إلا بخير

خطبة: الحياء لا يأتي إلا بخير

بعنوان: الحياء لا يأتي إلا بخير. وهو جُزء من حديث المصطفى ﷺ؛ نأتيكم اليوم ولدينا خطبة جمعة مكتوبة عن خلق الحياء في الإسلام. فهل تأهَّبتم لتلقّي واغتنام هذا الإرشاد البليغ والوعظ الحسن؟ إذا كانت إجابتك “نعم”؛ فتابع الاطلاع على خطبة اليوم.

عناصر الخطبة

  • تعريف الحياء.
  • الحياء صفة حميدة من صفات المؤمنين المتقين يحبها الله ورسوله.
  • الآثار الحميدة للتحلي بخلق الحياء.

الخطبة الأولى

الإسلام دين الخُلُق القويم، والسلوك المستقيم، والاعتقاد الصحيح الذي تنشأ عنه الأخلاق الحسنة، فهو ليس مجرد طقوس لا تتصل بعبودية العبد لربه ﷻ، بل إنّ المسلم الحقّ يتقرب إلى الله ﷻ بشتّى أنواع العبادات والطاعات والقربات، وهو ما ينعكس على خلقه وسلوكه وحياته، امتثالاً لتوجيه الله ﷻ وتأسّياً بخلق النبيّ ﷺ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وإن المسلم يعبر بأخلاقه عن دينه بقلب حي مستشعراً عظم المسؤولية الدينية، وما من خلق سوي إلا وحث عليه الإسلام.

وحديثنا اليوم عن خلق عظيم من الأخلاق الإسلامية الفاضلة، ألا وهو خلق الحياء، وخلق الحياء من الأخلاق التي تميزت بها أمة سيدنا محمد ﷺ، والمسلم حين يلتزم بهذا الخلق يستشعر معنى ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾، فهو يستحي من الله أولاً وقبل كل شيء، ولذا قال ﷺ: «إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء». وقال أيضًا «الحياء لا يأتي إلا بخير».

فالحياء هو أساس المكارم ورأسها وهو شعبة من شعب الإيمان، ويمثل استجابة العبد لإيمانه بالله ﷻ وملائكته الكرام البررة الحافظين على العباد، ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان».

والحياء هو الوقار، ولهذا قيل: إذا ذهب الحياء عمّ البلاء، ووصّى الإسلام أبناءه بهذا الخلق السامي، وجعله أبرز ما يتميز به الإسلام من فضائل، بل إنَّ الحياء خلق عالمي، فما من ديانة سماوية إلا وأوصت أتباعها بهذا الخلق العظيم، قال ﷺ: «إِنَّ مِمَّا أَدرَكَ النَاسُ مِن كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذا لَم تَستَحْيِ، فاصْنَعْ مَا شِئتَ»، فدلّ الحديث على أنَّ الحياءَ سنة من سنن الأنبياء عليهم السلام، وهدى من هداهم عليهم السلام الذي يقتدي به المؤمنون، ذلك أنَّ الحياء خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، وقد «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا».

إنّ الحياء يحمل المسلم على فعل الطاعات وترك المنكرات، فيستحي أن يراه الله حيث نهاه، وهذا من أجل الأعمال وبواعث الإخلاص، لأن في ذلك مراقبة لله ﷻ في القول والعمل، والسر والعلن، قال ﷻ: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾، وروى الترمذي عن النبي ﷺ قال: «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار».

والحياء ملاك الخير كله، فهو يدخل في كل الأعمال، وهو زينة كل عمل، حيث ورد عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء إلا زانه»، وقد مدح الله ﷻ بنت الرجل الصالح بحيائها وخلقها، لمّا بعثها أبوها إلى سيّدنا موسى عليه السلام ليقابل أباها، فجاءته بصورة محتشمة بصوت خفيض، قال الله ﷻ: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾، وسيّدنا موسى عليه السلام من جهته كان في غاية الحياء أيضاً، فقد رفض أنْ يسير خلفها، بل سار أمامها في الطريق.

إن من أعظم درجات الحياء، هو أن تستحي من الله، ومعنى ذلك أن لا يراك الله حيث نهاك، وأن تفعل ما قد ارتضاه، وقد بين النبي ﷺ لأصحابه هذا المعنى العظيم فقال: «استحيوا من الله حق الحياء»، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: «ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحياء من الله حق الحياء».

يقول بعض السلف: خف الله على قدر قدرته عليك، واستح منه على قدر قربه منك. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه”.

ولله در القائل:

وَإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ
وَالنَفسُ داعيَةٌ إِلى الطُغيانِ

فاِستَحي مِن نَظَرِ الإِلَهِ وَقُل لَها
إِنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني

ومن استحى من الله فعليه أن يستحي من عباد الله، فلا يرى الناس منه ما يكرهون، فيحترم كبيرهم، ويوقر عالمهم، ويرحم صغيرهم، ولا يظهر منه شيء يعاب به، فهذا جزء من خلقه ودليل على كمال دينه، ولولا خلق الحياء لم يقرَ الضيف، ولم يوفَ بالعهد، ولم تؤدَّ أمانة، ولم تقضَ لأحد حاجة، ولا ستر له عورة، ولا آثر الجميل على القبيح من الأقوال، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “لو كان الحياء رجلاً، لكان رجلاً صالحاً، ولو كان البذاء رجلاً، لكان رجل سوء”، وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: “لا خير فيمن لا يستحي من الناس”، وقال الشاعر:

إذا قل ماء الوجه قل حياؤه
ولا خير في وجه إذا قل ماؤه

حياؤك فاحفظه عليك وإنما
يدل على فعل الكريم حياؤه

ومن أنواع الحياء: الحياء من النفس، ويكون بالعفة وصيانة الخلوات، وهو أشرف أنواع الحياء، لأنّ المرء إذا استحيا من نفسه فهو من غيره يكون أشد استحياءً، والحياء يصد الإنسان عن إتيان السيئات، فإذا تجرد من الحياء صار كأنه مأمور بارتكاب كل ضلالة واقتراف كل سيئة.

قال بعض الحكماء: ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من غيرك، وقال بعض الأدباء: من عمل في السرِّ عملاّ يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر، فلا ينبغي للمسلم أن يستحي من الناس ولا يفعل المنكر خوفاً منهم، لكنه إن اختلى ونفسه انتهك حرمات الله، ولا يراعي موضع نظر الله إليه، فالحياء من النفس في خلواتها من أعظم الأدلة على الإخلاص ومراقبة الله ﷻ في السر والعلن.

وما أحسن قول القائل، إذ يقول:

إذا لم تخش عاقبة الليالي
ولم تستح فاصنع ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء

وهذه السيدة فاطمة الزهراء من شدة حيائها حتى بعد موتها تخشى أن يراها أحد بعد موتها، فإنها يوم مرضت مرض الموت، دخلت عليها أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وهي من أوائل من أسلم من الصحابة، وهاجرت إلى الحبشة، فلما زارت السيدة فاطمة رضي الله عنها، قالت لها الزهراء رضي الله عنها: والله إني لأستحي أن أخرج غداً على النعش، ويراني الناس ﴿النعش كان مثل الحمالة، ويوضع على الميت قطعة قماش﴾، فقالت لها أسماء: أولا نصنع لك شيئاً رأيته في الحبشة؟! فصنعت لها النعش المغطى من جوانبه بما يشبه الصندوق، فلما رأته السيدة فاطمة رضي الله عنها قالت لأسماء: سترك الله كما سترتني.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أيها الإخوة المؤمنون: الحياء غير الخجل، فالحياء خلق سوي يدفع صاحبه إلى العمل، وهو من كمال الإنسان، أما الخجل فهو صفة نقص يدفع صاحبه إلى التقاعس عن العمل، وإلى التهرب مما عليه من واجبات، فالحياء يمنع من الوقوع في المعصية والخجل قد يدفع صاحبه إلى الوقوع في المعصية ويدفعه إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل ذلك نقص لا كمال فيه.

والمسلم يستحب أن يكون عنصراً فاعلاً في مجتمعه وأمته، وخلق الحياء يتطلب من المسلم أن يكون متعاوناً محباً للخير نافعاً للناس، خلوقاً ودوداً معهم، ليكتمل لديه هذا الخلق العظيم الذي هو من أجلّ الأخلاق الإسلامية.

وقد ضرب أصحاب النبي ﷺ أروع الأمثلة في الحياء، فكانوا منارات علم وعمل وحياء، وقد ورد عن عائشة –رضي الله عنها–، قالت: كان رسول الله ﷺ مضطجعا في بيتي، كاشفاً عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله ﷺ، وسوى ثيابه –قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد– فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة»، وقال ﷺ: «إن عثمان حيي ستير، تستحي من الملائكة».

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد ﷺ.

⇐ تسعى لتجِد المزيد من الخطب؟ حسنًا؛ إليك البعض أدناه:

أضف تعليق

error: