الغفلة عن الموت.. خطبة مكتوبة ومؤثرة، تبكي القلوب قبل العيون

تمت الكتابة بواسطة:

وما أحوَجنا لمثل تلك الخُطَب التي تبكي القلوب قبل العيون، وتوقِظ الغافلين واللاهين عن الحساب والدار الآخرة. هذه خطبة مكتوبة ومؤثرة؛ بعنوان: الغفلة عن الموت. نسأل الله -العلي القدير- أن ينفعنا وإياكُم بها وسائِر المسلمين.

هذه بمثابة محاضرة عن الموت سوف تبكي كثيراً من يسمعها ويستوعبها قلبه وعقله.

الغفلة عن الموت , خطبة مكتوبة ومؤثرة , تبكي القلوب قبل العيون

مقدمة الخطبة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وبالعمل بطاعته تطيب الحياة وتنزل البركات. سبحانه، له الملك والحكم والقهر والأمر وهو على كل شيء قدير.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. القائل في كتابه العزيز ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ | وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾.

ونشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه. البشير النذير، والسراج المنير. بدَّد دياجير الجاهلية بنور الحق المبين، ورد الحائر إلى الطريق المستبين، وأنقذ الغارِق في بحار الظلمات إلى نور رب الأرض والسماوات. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد؛ فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي الفقيرة إلى الله أولا بتقوى الله، والعمل بما فيه رضاه. فاتقوا الله وراقبوه، وامتثلوا أوامره ولا تعصوه، واذكروه ولا تنسوه، واشكروه هو لا تكفروه.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون؛ تعلمون أن مرور الليالي والأيام، وتصرم الدهور والأعوام؛ آية من آيات الله في الأنام. يقول -جل وعلا- ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾. فهذا يوم قد ذهب ومضى، وذاك شهر قد انصرم وانتهى. وهكذا تقترب الآجال، وتتغير الأحوال. ولكن مما يؤسف له أن كثيرا من الناس لا يزالون في غفلة مستولية، وآمالٍ متشعبة، وانهماك في الشهوات، وتلذذ بالنزوات، وتلهفٍ على ما فات؛ وأفكار تدور على جمع الحطام، ونفوسٍ تتلوث بأوضار الذنوب والآثام.

إعلموا عباد الله أن الدنيا قد أدبرت وآذنت بانقطاع، وأن الآخرة قد أقبلت وأشرقت باطلاع. ألا وأنكم في أيام أمل وعمل من وراءها أجل. فمن وفّي في أيام عمله قبل حضور أجله، نفعه عمله ولم يضره أمله. ومن فرَّط وقصر في أيام عمله قبل حضور أجله، ضرَّه عمله ولم ينفعه أمله.

فما على الواحِد منا إلا أن يقف مع نفسه وقفة المحاسب لها، المعاتب لها عما فعلته وقارفته من زلات وهفوات.

إلى متى ونحن في سكرة الدنيا؟ وحتى متى ونحن في حظيرة اللهو والهوى؟ متى تستيقظ قلوبنا؟ وتتنور بصائرنا ونجعل همنا ما أمامنا من القدوم على الله؛ والسؤال عن الصغير والكبير والجليل والحقير من أعمالنا.

لقد زجرنا القرآن بمواعظه وآياته، والدهر بنوازله وتقلباته. ولكنا في ثياب الغفلة رافلون. وعما بنا غافلون. ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ | مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُون | لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾.

كل زمان في هذه الدنيا إلى انتهاء، وكل حيّ فيها صائر إلى الفناء، وكل شيءٍ ما خَلا اللَه باطِلُ وَكُلُّ نَعيمٍ في هذه الدنيا لا مَحالَةَ زائِلُ وذاهب وراحل.

عباد الله؛ كم من أُناسٍ غفلوا عن الموت. تمتَّع الواحد منهم بقوته وشبابه. لا يخطر لهم الضعف ببال، ولا الموت في حال من الأحوال. هجم عليهم المرض فجأة، وجاءهم الضعف بعد القوة، وحل الغم والكرب محل الفرح في نفسه. فصار الواحد منهم يفكر في عُمرٍ أفناه، وشباب أضاعه وأبلاه، ويتذكَّر أموالا جمعها، ودورا بناها، وقصورا شيَّدها. ولكن هيهات هيهات. ما الحيلة عباد الله إذا استفحل الداء ولم يفد الدواء؟ وتحير الطبيب في علاجه؟ حينها، يستشعر الندم على ما فات ومضى.

﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْل﴾.

وقد روي عن ابن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- أنه قال: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء. وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.

هكذا، وكم من زلت به القدم بدون سابق مرض أو ألم، فاستلبه الموت دون إمهال أو انتظار، وترك هذه الدار، وانطبق فيه قول العزيز الجبار ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ | وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ | وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ | لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾.

فأما إن كان من الطائِعين المُسارعين إلى القربات المبادرين إلى الخَيرات، فذاك راحة له من دار الأنكاد والأكدار. وأما إن كان من أهل الشِّرك والمعاصي والهفوات والزلات والموبقات، فهي أخْذت أسفٍ وندمٍ وحسرةٍ وعذاب.

كم نشاهد كثرة الرَّاحلين إلى دار القرار، وتنوع أسباب الموت. فمنهم من ينقَض عليه الموت وهو على فراشه، ومنهم من تتربص به المنيَّة فتأخذه دون سابق إنذار. فأسباب الموت كثيرة، ولا تكاد تقع تحت حصر. ولا يدري الإنسان ما النصيب الذي قسمه الله -تعالى- له من جُملتها؟

فما هذه الغفلة واللهو؟ وإلى متى ونحن في سِنَةٍ وسهو؟ كأن الموت كتب على غيرنا أو الحق وجب على سوانا!

أذلك شك منا فيما بنا يراد! أم حرص على بقاء نظنه وهو نفاد! أم تعلق بأذيال الغرور، حتى إذا ترادفت الزفرات، وتتابعت الحسرات، والتفت الساق بالساق، وانكشف الغِطاء عما لا يطاق، حينها ﴿يَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾.

فانتبهوا رحمكم الله من رقدة الغافلين، ومن سكرة اللاهين؛ عن اليوم العظيم. يوم التغابن الأكبر، يوم الهول الأعظم، ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ | إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

نفعني الله وإياكم بهدي الكتاب، وسنة النبي الأوَّاب -صلى الله عليه وسلم-.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب. فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم. وادعوه يستجب لكم، إنه هو البَر الكريم.

الخطبة الثَّانية

الحمد لله رب العالمين. الحمد لله علام الغيوب، غفار الذنوب، ستار العيوب. سبحانه، أعَدّ الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا، وخلق النار لمن عصاه ولو كان جبارا عتيا.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. خلق فسوى، وقدر فهدى.

ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد؛ فيا عباد الله، يا ابن آدم بادِر إلى العمل ما دامت الأركان قوية، والجوارح سوية، فإن أول من يشهد عليك يوم القيامة هي أعضاؤك التي تقارِف بها المنكرات، وجوارحك التي تنتهك بها الحرمات. ألم تسمعوا قول الله -تبارك وتعالى- ﴿وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ | وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ | حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ | وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾.

حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم. فمن حاسب نفسه قبل أن يُحاسَب، خَفّ في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبة ومآبه. ومن لم يحاسب نفسه، دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخِزي والمقت والهلاك سيئاته.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بأمر ابتدأ فيه بذاته العلية، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلث بكم أيها المؤمنون فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن خلفاء رسول الله الراشدين. وعن أزواجه أمهات المؤمنين. وعن سائر الصحابة أجمعين. وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

الدعاء

اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا ولا من بيننا شقيا ولا محروما.

اللهم أعِز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واقطع اللهم شأفتهم ولا تدع لهم من باقية يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك فِعل الخيرات وترك المنكرات وحب الصالحات ورحمة المساكين. وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين.

يا الله يا الله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم يا أمان الخائفين، يا من عِند قلوب المنكسرين؛ نسألك اللهم أن تغفر لنا ذنوبنا، وإن تستر لنا عيوبنا، وأن تختِم بالباقيات الصالحات أعمالنا.

اللهم أن نسألك الراحة عند الموت، والعفو والتيسير والثبات عند الحِساب، والفوز بالجنة والنجاة من العذاب.

اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قولٍ وعمل ونية واعتقاد، ونعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول وعمل ونيةٍ واعتقاد.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة وقنا عذاب النار.

عباد الله؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. اذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على واسِع نِعمه يزدكم؛ ولذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


ألقى فضيلَة الشَّيخ سليمان الشريقي خطبة بعنوان: الغفلة عن الموت. أطنَبت الوَعظ حول الموت المفاجئ. نسأل الله -سبحانه- أن تنال إعجابكم واستحسانكم، وأن ينتَفِع بها المسلمون عامَّة.

هنا أيضًا مقترحًا من أجلِكُم: خطبة عن الموت مكتوبة وكاملة ومختتمة بدعاء مؤثر. علَّكم أن تحصلوا معه على مزيد مواعِظ.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: