الحج والعمرة خطوة بخطوة كأنك في الرحلة

إذا كنت ممَّن يهتمون ويريدون مزيد تفصيل حول رحلتي الحج والعمرة خطوة بخطوة؛ فنحن هنا من أجل أن نُلَبي طلبك ونعمل على أن نسوق لك تِلك المعلومات والتفاصيل بشَكل سهل ومُنظَّم وأكثر يُسرًا، حتى يتسنَّى لعامَّة المسلمين فهم ومعرِفَة ما سيفعلونه في رحلتهم الإيمانيَّة الكبيرة هذه؛ سواءً كانت حجًّا أو عُمْرَةً.

وأتموا الحج والعمرة لله

إن الحج إلى بيت الله الحرام ركنٌ عظيم من أركان الإسلام وشعيرةٌ من شعائِره العِظام. يقول ربنا -تبارك وتعالى- ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. وقال النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- «أيها الناس.. قد فرض عليكم الحج فحجوا».

فمن تيسير الله -تعالى- ورحمته على عباده أنه -سبحانه وتعالى- ما فرضه إلا مرَّة واحدة في العمر. ومن تيسير الله أيضًا على خلقه وعباده أنه -تعالى- ما فرضه على الناس جميعا، وإنما فرضه على المستطيع منهم؛ ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾.

من وفَّقه الله -تبارك وتعالى- لأداء هذه الشعيرة العظيمة الكريمة ينبغي عليه أن يُخلِص النيَّة في قصدة لله -تبارك وتعالى-. وذلك بأن يجعل حجه وعمرته لوجه الله رب العالمين، ولا يقصد بهما إلا وجه الله -عز وجل-. لأن الحج عبادة من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه -تبارك وتعالى-. وما دام الحج عبادة، فلن يُقبَل من العبد إلا بشرطين كبيرين عظيمين:

فأما الأول: أن يُخلِص النية والقصد ابتغاء وجه الله رب العالمين. لا يقصد شيئًا من أغراض الدنيا الفانية، لأنه إذا قصد بحجه وعمرته سُمعه أو رياءً فلن يقبل الله رب العالمين منه حجه ولا عمرته ولا شيء من أعماله. فينبغي عليه أن يُحَرر نيته وقصده، لأن الله -تبارك وتعالى- لا يقبل من العمل إلا ما كان خالِصًا وابتُغيَ به وجه الله رب العالمين.

كذلك ينبغي على العبد أن يتأسَّى بالنبي ﷺ في حجه وعمرته. فهو القائل -صلى الله عليه وسلم- «خذوا عني مناسككم». أي خذوا عني وحدي، لا عن غيري؛ تأسَّوا بي وحدي. ولا يكون الاقتداء إلا به وحده -صلوات الله وسلامه عليه-. فينبغي على من أراد حج بيت الله الحرام أن يعرف هدي النبي الإمام في إحرامه وفي سَعيه وطوافه وفي إفاضته ورميه.

ولا سبيل إلى التأسّي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بمعرفة هديه. فيجب على الحاج إذا عزم حجًا إلى بيت الله رب العالمين أن يتعلم مناسك الحج والعمرة وأن يعرِف ما ثبت في السنة عن النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-. لأن كثيرًا ممن أنعم الله -تعالى- عليهم بحج بيته الحرام، يذهبون من غير معرِفةٍ ولا علم ولا شيء؛ فيقعون في محظورات الإحرام وهم لا يعلمون. ومنهم من يأتي بمبطلٍ لحجة أو يأتي بمفسد لطاعته وعبادته، ومنهم من لا يقف على عرفة أصلا، وهم من يجب عليه دمٌ وهو لا يعلم. لأنه لم يتعلم ما ثبت عن النبي -صلى الله وسلم وبارك عليه- فيذهَب ويتكلَّف مالا ونفقة وتعبًا ونصبًا، ثم يعود إلينا كما ذهب؛ وقد تكون حجة الإسلام، ولا يتمكن العبد بعد ذلك من الذهاب إلى بيت الله الحرام.

الحج والعمرة خطوة بخطوة

هدي النبي في الحج

الأمر -إن شاء الله رب العالمين- هَيّنٌ يسير على من وفَّقه الله رب العالمين. فالعبد إذا نوى الحج أو قصده، ففرض عين عليه أن يتعلم هدي النبي -صلى الله وسلم وبارك عليه-.

عند الخروج للسَّفر

وينبغي إذا خرج في سفره أن يقول ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «بسم الله»، فإذا استقر على الدابة فليذكر نعمة الله رب العالمين عليه، ثم ليقل «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بعده. اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل والولد» كما كان يقول النبي -صلى الله وسلم وبارك عليه-.

وإذا صعد مرتفعا كبَّر الله رب العالمين قائِلا «الله أكبر». وإذا نزل مُنخفضًا فعليه أن يسبح الله رب العالمين قائلا «سبحان الله»، كما كان يفعل أصحاب محمد مع النبي ﷺ.

حج المرأة

ولا يجوز للمرأة أن تسافر إلى الحج والعمرة إلا ومعها محرمٌ كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-. شابَّة كانت أو عجوزا، في رفقةٍ أو غير رفقة؛ لقول النبي -صلى الله وسلم وبارك عليه- في صحيح البخاري: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم».

فإن كانت قوية وعندها المال والطريق آمِن، ولكنها لا تجد محرما فليست بمستطيعة -على القول الراجح من أقوال أهل العلم-. وينبغي على الحاج ألا يمُر من على الميقات إلا إذا كان مُحرما. لأن هنالك ممن يذهبون إلى حج بيت الله الحرام يمرون على الميقات من غير إحرام، ويجب عليهم دم وهم لا يعلمون ولا يشعرون.

زمان ومكان الحج

قد جعل الله رب العالمين للحج نظاما معينا، زمانًا ومكانًا. فأما زمان الحج ووقته، فكما قال الله رب العالمين في سورة البقرة «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَات». فيبدأ في شوال ثم في ذو القعدة ثم في ذو الحجة، كما أخبرنا النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- في العشر الأُوَل منه.

فهذا زمانه ووقته. فمن حج في غير هذا الوقت لا حج له عند الله رب العالمين.

واهم المواقيت المكانية فلا ينبغي لمُحرمٍ خرج من بيته بنيَّة الحج والعمرة قاصدا بيت الله الحرام أن يجاوز الميقات إلا إذا كان محرما، كما علمنا النبي -صلى الله وسلم وبارك عليه-.

هي مواقيتٌ شرعيَّة، حددها إمام البشرية، ثبتت في السنة النبوية عنه -صلى الله وسلم وبارك عليه-.

ذو الحليفة

فأما الميقات الأول فهو ذو الحليفة، وهو ميقات أهل المدينة. ومن وَرَدَ من غير أهل المدينة مِمن كانت المدينة طريقًا له. يعني كان من غير أهلها، لكِن لا دخول له إلا عن طريق المدينة.

وذو الحليفة هو المعروف في أيامنا هذه عند عوام المسلمين بأبيار علي -رضي الله عنه-.

الجحفة

وأما الجحفة فهي ميقات أهل الشام والمغرب ومصر، ومن وَرَدَ طريقهم. وهي اليوم في مدينة رابغ. وهي تبعد ثلاثة وثمانين ومائة كيلومترا عن مكة -زاده الله رب العالمين تشريفا وتعظيما-.

قرن المنازل

وأما قرن المنازل فهي ميقات أهل نجد ومن وَرَدَ طريقهم. وهي اليوم المعروفة بالسيل الكبير.

وهي تبعد 75 كيلومترا عن مكة المشرفة.

يلملم

وأما يلملم فهي ميقات أهل اليمن ومن وَرَدَ طريقهم. وهي المعروفة اليوم بالسعدية.

وهي تبعد 92 كيلومترا عن مكة المشرفة.

ذات عرق

وأما ذات عرق فهي ميقات أهل العراق ومن وَرَدَ طريقهم.

فعلى العبد ألا يجاوز الميقات إلا مُحرِما، إذا خرج من بيته بنية النُسُك.

أخطاء يقع بها أهل مصر مع ميقاتهم

ومعلومٌ أن أهل مصر لهم ميقات، وهو المعروف بـ: الجحفة وهي المعروفة اليوم بـ: رابغ. هذا ميقات أهل مصر، لا ينبغي لعبدٍ أن يمُر عليه، ولا أن يحاذيه -إذا كان في الجو- إلا إذا كان محرما كما حدد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولكن كثيرا ممن يذهبون إلى الحج والعمرة يُجاوزون هذا الميقات ويدخلون إلى المدينة غير محرمين ثم بعد ذلك يُحرِمون من أبيار علي، وهي ميقات أهل المدينة ومن مرَّ على طريقهم مِما لم يكن منهم.

وأما أهل مصر فقد مَرّوا على مكان إحرامهم [وهو رابغ] ولم يُحرِموا منه. والذين مع الحجاج يُضلونهم بذلك. ويجب على الحاج دمٌ وهو في حقيقة الأمر لا يعلم. هذا لأنه جاوز ميقات أهل مصر وهو لم يُحرِم.

فعليه أن يُحرِم قبل أن يُجاوِز هذا الميقات؛ وألا يُمر عليه إلا محرما كما قال النبي -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات-.

أنواع الحج

الحج على ثلاثة أنواع: إفراد وقران وتمتع، كما هو معلوم في الشريعة المطهرة المكرمة.

حج القران

وهو لمن ساق هديه معه. الهدي هو ما يتقرب به العبد إلى ربه -تبارك وتعالى- من ذبيحة الأنعام في يوم العيد أو أيام التشريق. يكون قد ساق الهدي معه وخرج مُحرِما بالعمرة والحج جميعا؛ قائلا -عند التلبية-: لبيك اللهم عمرة وحجا لا رياء فيها ولا سُمعَة. كما علمنا الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

فإذا وصل مكَّة طاف طواف العمرة، وهو طواف القدوم. ثم سعى بين الصفا والمروة للعمرة والحج سعيا واحدا. يسعى للعمرة والحج بنيَّة واحِدة سعيا واحِدا، ويستمر على إحرامه؛ لا يخلع ملابس الإحرام لأنه قارِن، حتى يحِل منه في يوم العيد.

حج الإفراد

وأما النوع الثاني فهو حج الإفراد، وهو أن يذهب الرجل إلى الحج وحده، لا ينوي عمرة ولا يقصد اعتمارا. فإذا خرج حاجًا مفردا يقول عند التلبية: لبيك اللهم حجًا لا رياء فيه ولا سمعة.

فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، وسَعى سعي الحج. ويستمر على إحرامه حتى يحل منه في يوم العيد.

والحاج المفرد ليس عليه هَدي. وأمَّا القارِن فعليه هدي؛ كما أخبرنا النبي صلى الله -وسلم وبارك عليه- لأنه قام بالنُسُكَين معًا، حجًا وعمرة دون المُفرِد.

حج التمتع

وأمَّا حج التمتع؛ وهو أفضل الأنواع الثلاث، وهو النوع الذي رضيه النبي -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات- لأُمَّته من بعده.

فهو القيام بالعمرة في أشهر الحج. يعني يخرج العبد من بيته بنية العمرة والحج، فيفعل العمرة في أشهر الحج: في شوال – ذي القعدة – ذي الحجة. في أي شهر من أشهر الحج. فإذا ما انتهى من عمرته تحلَّل، ويفعل ما يفعله في إحلاله. فإذا كان في يوم التروية أهَلَّ بالحج من موضعه الذي يقيم فيه.

فهذا يتمتع، يُحرِم بالعمرة؛ فإذا ما انتهى منها أحَل، ثم بعد ذلك يحرم بالحج في اليوم الثامن؛ قائلا عند التلبية: لبيك اللهم عمرة متمتعا بها إلى الحج لا رياء فيهما ولا سمعة.

وهذا النوع هو الأيسر على النفس، وهو الأفضل في اتباع الشرع. وقد أمر به النبي -صلى الله وسلم وبارك عليه- أصحابه بقوله «مَنْ حَجَّ مِنْكُمْ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّةٍ، أَوْ فِي حَجَّتِهِ».

العبد المتمتع عليه هدي يتقرب به إلى ربه -تبارك وتعالى- إن استطاع، فإن لم يستطع فعليه بصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا عاد إلى بلده ووطنه وأهله سالما غانما -إن شاء الله- رب العالمين.

ولكن كثيرا من الناس لا يذبحون الهدي، ويكونون واجدين لثمنه، ويدخلون بمالهم لشراء حاجاتٍ يرجعون بها إلى الناس بعده؛ فيُقَصِّرون في حَق أنفسهم ويُفَوّتون الخير على أنفسهم. يأتون بأشياء تذهب في المنتهى إلى لا شيء.

لكن؛ على العبد أن يحرص على حَجه وعليه أن يحرص على عمرته؛ وإن قَبِل الله رب العالمين منك حجك وعمرتك، لا عليك بعد ذلك إذا رضيَ الناس أو كرهوا.

أنت في عبادة، قد لا تذهب مرَّة ثانية إلى هنالك ولا يعلم إلا الله. فإن مَنَّ الله رب العالمين عليك بالحج والعمرة متمتعا، وكنت للمال واجدا، وكنت مستطيعا للهدي فعليك بذبحه؛ تقربا إلى ربك -جل جلاله-، فلا تبْخَل.

وعلى العبد أن يحرص على طاعة الله رب العالمين وأن يتقرب إلى الله -تبارك وتعالى- في حجه وعمرته في كل أنواع الخير وبكل أنواع البر، حاجًا كان أو معتمرا؛ مؤديًا للصلاة، فاعِلا للمعروف، مسارعًا إلى الخيرات، وأن يتجنب ما نهى الله رب العالمين عنه من اللغو والرفث والفسوق والجدال والعصيان، وأن يتحاش أذيَّة المسلمين بالقول أو بالفعل، وإن يتجنب محظورات الإحرام.

مناسك الحج والعمرة

محظورات الإحرام

ومحظورات الإحرام هي ألا يأخذ من شعره أو أظفاره شيئًا إذا دخل في إحرامه، ما دام محرمًا. ون سقطت من ذلك شيءٌ بدون قصدٍ فلا شيء عليه؛ وإن كان ذلك في وقت الإحرام فلا شيء عليه.

ولا يجوز للمُحرِم أن يتطيَّب في بدنه أو ثوبه. ولا بأس بما بقيَ من أثر الطيب الذي وضعه على البدن قبل إحرامه.

ثم لا يجوز للمحرم أن يتعرَّض للصيد البري بقتل أو تنفير أو تهييج أو إعانةٍ عليه، ما دام محرما.

وليس للمحرم -ولا لغير المحرم- أن يقطع شيئًا من شجر الحرم ولا من نباته الأخضر ولا يلتقِط اللقطة -أي الأشياء الواقعة على الأرض- إلا ليُعرَّفها. فإما أن يُعَرِّفَهُ بنفسه أو أن يذهب به إلى الجهات المعنية المسؤولة لتعرفه على الناس حتى يعود إليها من فقد شيئا حتى يجد متاعه، أو ماله.

وليس للمحرم أن يخطب النساء ولا أن يعقِد علهِنَّ عقد النكاح؛ لا لنفسه ولا لغيره.

وليس له المباشرة بشهوةٍ، فضلا عن الجماع. وهذه المحظورات على الذكر والأنثى.

وأما الذكر فإنه يختص بما يلي:

  • لا يضع على رأسه ملاصِق ولا يغطي رأسه بملاصِق. وأما تظليله بالمظلَّة أو بسقف السيارة أو بوضع المتاع عليه، فلا بأس إن فعل ذلك.
  • وعليه ألا يلبس القميص أو ما في معناه من كل مخيط. ولا يلبس العمائِم ولا السراويل ولا شيء من ذلك؛ إلا إذا لم يجد النعلين، فليلبس الخفين ولا حرج.
  • وينبغي على العبد إن لبس مخيطًا وكان محرِمًا أو غطى رأسه أو تطيَّب أو أخذ من شعره شيئا أو قلَّم أظفاره ناسيًا أو جاهلا فلا فدية عليه؛ ويزيل ما تجيب إزالته متى ذكر ذلك أو علِمَ كما أخبر أهل العلم. وأما إن كان عالمًا فعليه الفدية.
  • ويجوز للمحرم أن يلبس السماعة في أذنه وأن يلبس ساعة اليد، وأن يضع الحزام والأداة التي تُحْفَظ بها الأموال والأوراق.
  • كما يجوز له أن يغير الثياب وأن يغتسل في رأسه وبدنه، وإن سقط بذلك شعر دون قصد فلا شيء عليه، كما لا شيء عليه في الجرح يصيبه.
  • وبالنسبة للمرأة على وجه الخصوص: حيث يحرم على المرأة -وقت الإحرام- أن تلبس القفازين في يديها. وكذلك يحرم عليها أن تستر وجهها بالنقاب أو البرقع؛ لكن إذا كانت بحضرة الرجال فينبغي عليها أن تغطي وجهها بالخمار، كما كانت تفعل الطاهرة المطهرة أم المؤمنين عائشة -رضوان الله عليها-؛ حيث كانت إذا حاذَت الركبان غطت وجهها.

خطوة بخطوة..

وإذا أراد العبد أن يُحرِم بالعمرة؛ فالمشروع أن يتجرَّد من ثيابه ويغتسل كما يغتسل للجنابة، ويتطيب بأطيب ما يجِد من دهن عود أو غيره، في رأسه وفي لحيته. ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام. يعني إذا وجد الرائحة بعد إحرامه فلا حرج لأن هذا الطِيب إنما وقع منه قبل إحرامه؛ فلا بأس عليه إذا بقي الأثر بعد إحرامه. لأن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأطيب ما كنت أجد من الطيب، حتى أرى وبيص الطيب في رأسه، ولحيته ، قبل أن يحرم». أيْ بعد أن يدخل في الإحرام.

الاغتسال عند الإحرام سنة في حق الرجال والنساء؛ حتى لو كانت المرأة حائضًا أو نفساء. لأن النبي -صلّى اللهم عليه أفضل صلاة وأتمَّها- أمر أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل عِند إحرامها.

فالاغتسال سُنَّةٌ من سنن النبي الإمام صلى الله وسلم وبارك عليه.

ثم بعد الاغتسال والتطيّب يلبس ثياب الإحرام ثم يصلي الفريضة إذا كانت حاضرة، وبالطَّبْع هذا لغير الحائض والنفساء، فلا صلاة عليهما؛ وإنما تغتسل المرأة حتى ولو كانت حائِضًا أو نُفساء.

الدعاء للحاج , حج مبرور وذنب مغفور

ينبغي على العبد أن يصلي الفريضة إذا كان في وقت فريضة، وإلا صلى ركعتين لله رب العالمين ينوي بهما سنة الوضوء، لأنه ليس في السنة ما يقال له سنة الإحرام.

بعد ذلك؛ إذا فرغ من صلاته، أحرم؛ قائِلا: لبيك اللهم عمرة. ثم يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك؛ إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

يرفع الرجل صوته بذلك. وأما المرأة فترفع الصوت قليلا حتى تُسمِع من بجوارها ولا تزيد. فهذه تلبية النبي صلى الله وسلم وبارك عليه.

وإذا كان العبد مريضًا أو خائِفا من عارِض ألَّا يُتِم نُسكَهُ، فله أن يشترط عند إحرامه، فيقول: إن حبسني حابِسٌ فمحلي حيث حبستني. أي: إن منعني مانِعٌ من إتمام نُسُكٍ من مرض أو تأخر أو عذر، فإني أحِل من إحرامي. كما علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم-. فإذا كان له عذرٌ أو أصابه مرض وتحلل من إحرامه فلا شيء عليه.

وإذا كان لا يخاف من عارض ولا مرض ولا شيء، فلا يشترط. لأن النبي -صلّى اللهم عليه أفضل صلاة وأتمَّها- لم يأمر بالاشتراط كل أحدٍ من أصحابه، وإنما أمر به أصحاب الأعذار.

وينبغي للمحرم يُكثِر من التلبية خصوصًا عند تغير الأحوال والأزمان، كأن يعلو مرتَفعا أو أن ينزل منخَفضًا أو يقبل الليل أو يُدبِر النهار؛ وأن يسال الله -تبارك وتعالى- رِضوانه والجنَّة وأن يسأله الرحمة والرضوان، وأن يستعيذ برحمته -تعالى- من النار.

والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام -يعني منذ أن يدخل في الإحرام- إلى أن يبتدئ الطواف. فإذا ابتدأ الطواف انقطعت التلبية في حق من كان محرمًا مهلا بالعمرة.

وأما في الحج فإنه من الإحرام يُلَبي، ولا ينقطِع إلى أن يبتدئ برمي جمرة العقبة يوم العيد. فإذا ابتدأ برمي الجمرة -جمرة العقبة- يوم العيد انقطعت التلبية.

فمنذ أن يُحْرِم إلى أن يبتدئ في رمي جمرة العقبة يكون في تلبيةٍ لله رب العالمين؛ مكثرا من الذكر والتلبية لله -عز وجل-.

وإذا قرُب من مكة ينبغي عليه أن يغتسل لدخولها، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فإذا ما دخل المسجد الحرام قدَّم رجله اليمنى قائلا: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله. اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم.

ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف، فيستلم الحجر بيده اليُمنى ويُقَبِّلُه. أو قبَّل يده بعد استلامه بها. يعني إذا استطعت أن تُقَبِّل الحجر فافعل، وإن لم تستطِع فقبَّل يدك إذا مسَّت الحجر.

فإن لم يستطع أن يستلم الحجر ولم يتيسَّر له ذلك فإنه يشير إليه بيده إشارة، ولا يُقَبِّل يده، وإنما يكون التقبيل اليد إذا مسَّت الحجر.

والأفضل ألا يُزاحِم على الحجر فيؤذي الناس أويتأذَّى هو بهم؛ لقول النبي -عليه أفضلُ الصلاة وأطيب السلام- لعُمَر «يا عمر إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف. إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله فهلل وكبر».

ويقول عند استلام الحجر -إن استطاع-: بسم الله، والله أكبر. اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-. ثم يأخذ ذات اليمين، ويجعل البيت عن يساره. فإذا بلغ الركن اليماني استلمه من غير تقبيل، فإن لم يتيسر فلا يزاحم عليه، ويقول بينه وبين الحجر الأسود -يعني بين الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر- يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

وكلما مَرَّ بالحجر الأسود في طوافه كَبَّر الله رب العالمين. ويقول في بقية طوافه ما أحَب من ذِكر ودعاءٍ وتلاوة واستغفار. فإنما جُعِلَ الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله -عز وجل-.

في هذا الطواف -طواف القدوم- ينبغي للرجل أن يفعل شيئين:

  • أحدهما الاضطباع: من بداية الطواف إلى انتهائه. وصفة الاضطباع أن يجعل وسَط ردائه داخل إبطِه الأيمن، وطرفيه على كتفه الأيسر، كما علمنا الرسول -صلى الله عليه وسلم-. فإذا فرغ من الطواف في أعاد رِداءه إلى حالته قبل الطواف. لأن الاضطباع محله الطواف فقط -في الطواف وحده- ومع ذلك تجد كثيرًا من الحجاج مضطبعين في عرفات وفي مِنى غير ذلك.
  • والسنة الثانية هي الرَّمَل: وهي إسراع المشي مع مقاربة الخُطى. وأما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمل، وإنما يمشي كعادته. فإذا أتمَّ الطواف سبعة أشواطٍ تقدم إلى مقام إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم- ثم يقرأ قال الله -تبارك وتعالى- ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾. ثم يصلي ركعتين خلف المقام، يقرأ في الأولى -بعد الفاتحة- قل يا أيها الكافرون؛ وفي الثانية قل هو الله أحد -بعد فاتحة الكتاب-. وإن تيسَّر أن يصلي خلف المقام – وقد صار المقام اليوم في وسط المطاف، فالصلاة وراءه من أعسَر ما يكون، ثم إنها تعترض مسار الطائفين- فليفعل؛ وإلا صلى بإزائه بعيدا. وإذا لم يتمكن من هذا ولا ذاك فليصلي في أي موضع من المسجد الحرام، ولا شيء عليه.

إذا فرغ من صلاته الركعتين رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه إن تيسَّر له ذلك، وإلا فإنه يخرج من المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾. ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة. وما زال إلى اليوم إذا رقى العبد الصفا فإنه يرى الكعبة -إن شاء الله- رب العالمين. فيستقبل الكعبة ويرفع يديه حامدًا ربه -تبارك وتعالى-، داعيا بما شاء أن يدعو بِه. وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الموضع «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده؛ أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده». يكرر ذلك ثلاثا كما كان يفعل الرسول -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام-، ويدعو بين ذلك.

ثم ينزل من الصفا إلى المروة ماشيا، فإذا بلغ العَلَم الأخضر ركض ركضًا شديدا بقدر ما يستطيع، بشرط ألا يؤذي أحدا من إخوانه من أمه محمد ﷺ. فقد رويَ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسعى حتى تُرى رُكبتاه من شدة السعي؛ وفي لفظٍ «وإن مئزره ليدور من شدة السعي».

فإذا بلغ العَلَم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا. ثم ينزل من المروة إلى الصفا فيمشي في موضِع المشي مشيا، ويسعى في موضع السعي سعيا؛ فإذا وصل الصفا فعل كما فعل أول مرة.. وهكذا حتى يكمل سبعة أشواط؛ في ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، وفي الرجوع من المروة إلى الصفا شوط.

ويقول في سعيه ما أحب من دعاء وذكر وقراءة.

فإذا أتم سعيه بين الصفا والمروة سبعة أشواط، حلق رأسه إن كان رجلا، وإن كانت امرأة فإنها تأخذ من كل قرن -يعني من كل ضفيرة- أُنمُلة. ويجب أن يكون الحلق للرجال شاملا لجميع الرأس. وكذلك التقصير يعم به جميع الجهات. والحلق أفضل من التقصير، لأن النبي ﷺ دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة كما ثبت الأمر بذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

بعد حلق رأسه يتحلل.

وبهذه الأعمال تكون قد تمَّت العمرة. فتكون العمرة هي الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير. ثم بعد ذلك يحل منها إحلالا كاملا. ويفعل كما يفعله المحلون من اللباس والطيب وإتيان النساء وغير ذلك.

ثم إذا ما كان يوم التروية، وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة؛ أهَلَّ بالحج من موضعه الذي هو فيه.

نصيحة لكل مُعْتَمِر

الأمر يسير بأمر الله رب العالمين. ولكن الإنسان إذا لم يمارس العمل مرة ومرة، وإذا ذهب من غير علم ولا معرفة وإن كان من كان على رأس الرحلة جاهلا، وبالسنة وعنها غافلا؛ يجد العبد مشقَّة وعُسرًا وصعوبة.

أما إذا كان مُلِمًا ببعض الأمور، عالمًا ببعض هذه الأشياء، ووفقه الله -تعالى- لصحبة أهل العِلم فإن الأمر -إن شاء الله- يكون من أيسَر لما يكون.

أخيرًا يتبقَّى بعض الخطوات للحاج؛ كالوقوف بعرفة ورمي الجمار.. وسوف نسوق إليكم مقالا آخر مفصلا أو تكميليًا -إن شاء الله تعالى- فتابعونا..

أضف تعليق

error: