شهر رجب وفضله وسننه وبدعه

تمت الكتابة بواسطة:

ما فَتِئَ المُسلِم يتحرَّى نفحات ربه حتى ينال ثوابًا يُقَرِّبه أكثر فأكثر إلى رضوان رَب العالمين -سبحانه-. وبذلك الخصوص نسوق لكم ما ورد في شأن شهر رجب وفضله وسننه وبدعه التي ما انفَكَّ المُسلِمون في كل عامٍ يبحثون عنها ويسألون فيها ليقِفوا على الصحيح منها ويعرِفعون المُبتَدَع فيها؛ فينالوا الخير ويتفقَّهوا في دينهم.

شهر رجب وفضله وسننه وبدعه

ما ثبت في فضل شهر رجب

يقول ربنا -تبارك وتعالى- في سورة الحشر ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشَّريف «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، وفي حديثٍ آخر أورَده الإمام البخاري في صحيحه؛ يقول رسول الله -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام- «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد».

في هذا الشهر الفضيل العظيم، في هذا الشهر المحرم بتحريم الله رب العالمين وبتحريم النبي الكريم -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها- لم يثبُت له فضلٌ أكثر من ذلك. فهو شهر حرام بحُرْمَة الله رَبّ العالمين له. فلا يجوز للعبد أن يظلم فيه نفسه، ولا أن يظلم فيه غيره، ولا أن يعصي فيه ربه. فإن الاسم فيه كبيرا وأن الذنب فيه عظيم.

هل شهر رجب تضاعف فيه السيئات؟

أما كلمة -تضاعف- فلا، . لكِن أهل العلم قالوا أن السيئة فيه أعظَم وأخطر من غيره، ولكنها لا تُضَاعَف.

وقالوا أيضًا أن الأمر ليس مُتعلقًا بشهر رجب فحسْب، لكِن في الأوقات الفاضِلة عمومًا. فالذنب والمعصية في شهر رمضان أعظَم وأخطر من معصيةٍ في وقتٍ غيره. وكذلك إذا فُعِلَت المعصية في مكان فاضِل أيضًا، فذنب في مكة والمدينة والحَرَم أشد وأعظم من أماكِن أُخرى.

بل وزاد العلماء أيضًا أن المعصية إن وقعت من شخصيَّة يُقتدى بها مثل الحاكِم أو وليّ الأمر أو الأب أو العالِم أو الإمام؛ أعظَم مِمَّن دونهم. لأن هؤلاء أعطى لهم رب العالمين -سبحانه- مزيَّة وفضلا عن غيرهم.

هل شهر رجب تضاعف فيه الحسنات؟

لم يَرِد هذا في حديثٍ صحيح أو آية قرآنية أن صلاةً أو صدقة أو أيٍّ من أفعال الخير والبر تُضاعف لها الحسنات في الأشهر الحُرُم -الذي من ضِمنها شهر رجب- عن غيرها.

وبشكلٍ عام؛ لا يوجد دليل صريح في حديث لرسول الله -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- يُبيِّن فيه أن السئات تتضاعف أو الحسنات تتضاعف خلال شهر رجب أو غيره من الأشهر الحُرُم. وإنما هذه بعض استنتاجات واجتهادات الفقهاء في هذا الخصوص.

بِدَع شهر رجب

لقد اعتاد بعض الناس في هذا الشهر أن يقوموا بأعمالٍ لم يأتِ بها النبي -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات- ولم ترِد في سُنَّةٍ ولا كتاب، ولم تثْبُت عن أحدٍ من أصحاب النبي المُهَاب.

وكل خير في اقتفاء أثره وفي السير على منهاجِه -صلى الله عليه وسلم-. من هذه الأعمال التي لم يشرعها النبي ﷺ:

صلاة الرغائب

الصلاة التي تُعْرَف بصلاة الرغائِب. وهي تُفْعَل في أوَّل جمعة، في ليلتها، من أول شهر رجب.

وهي صلاة عبارة عن ثنتي عشرة ركعة [١٢ ركعة] يُسَلِّم العبد بين كل ركعتين. يقرأ في كل ركعة سورة الفاتحة، ويقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاثا، ويقرأ سورة الإخلاص ثنتي عشرة مرة [١٢ مرَّة] في كل ركعة.

هذه الصلاة أثبتها بعض الناس وتناقلها الناس بعضهم عن بعض، وهي لم تثبت عن النبي -صلى الله وسلم وبارك عليه- ولا عن أحد من أصحابه الكِرام. ولو كان خيرا لسبقونا إليه. ولو كان خيرا لدلَّنا للنبي -صلى الله عليه وسلم- عليه.

وهنا يجدُر التنبيه على أمر عظيم؛ الناس يتناقلون على وسائل التواصل الحديثة كثيرا من القصص، وكثيرا من الأحاديث، وكثيرا من الأعمال؛ يثبتون لها الثواب الكثير العظيم. وإذا ما فتَّشت عن صحتها، وجدتها لم تثبت عن النبي الكريم -صلّى اللهم عليه أفضل صلاة وأتمَّها-.

ولو أن انشغلنا بما صَحَّ وثبت، ولو أننا تمسَّكنا بما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- من غير زيادة ولا نقصان لكنا على الصراط السوي المستقيم.

فهذه الصلاة ليست من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا تُفْعَل فرادى ولا في جماعة. لأنها لم تأتِ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاحِب الشفاعة.

فضل الصيام في شهر رجب

كذلك اعتقاد أن الصيام في رجب له فضلٌ عظيم، أو أن القيام في رجب له فضلٌ أفضل من ليالي غيره. فهذا أيضا مما لم يأت عليه نَصٌّ صحيح ولا دليل ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

من أراد أن يصوم في رجب فليكن على عادته. من كان يصوم يوما ويفطر يوما فكذلك في هذا الشهر. ومن كان يصوم الإثنين والخميس فهو على عادته. ومن كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فليستمر على ذلك. فإن هذا من أحَبّ وأفضل الأعمال عند الله رب العالمين.

أما أن يصوم رجب كاملا، وأن يصوم شعبان كاملا، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أتَمَّ صيام شهرٍ إلا رمضان. وكان أكثر صياما في شعبان.

وأما في رجب؛ فالعبد يكون فيه على عادته. صُم ما شِئت ولكن لا تُكْمِل الشهر، ولا تعتقد إن لهذا الصوم فضلٌ على غيره من أيام العام.

لم يثبت فضل قيام الليل في شهر رجب «خصيصًا»

ومع الصيام، هناك القيام أيضًا. فمن كان يقوم الليل فليقُم على عادته من غير أن يعتقد أن القيام في رجب له فضلٌ على غيره من الشهور.

فلم يأتِ ذلك عن النبي -عليه أفضلُ الصلاة وأطيَب السلام-.

عمرة رجب

كذلك العمرة في رجب. من أراد أن يعتمِرَ في رجب لأنه يريد أن يعتمر لله -تبارك وتعالى- فلا حرج. فالعمر فيه مشروعة، وهي عن بعض الصحابة ثابتة.

وبعْض أهل العلم قال في الأسانيد ما قال. لكن لم يرِد في فضل عُمرة شهر رجب حديث نبوي شريف؛ فالعمرة في أي وقت هي العمرة، ليس لها فضل إلا في رمضان؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح في صحيح البخاري «عمرة في رمضان تقضي حجة -أو حجة معي-». وفي رواية ابن ماجة وأحمد «عمرة في رمضان تعدل حجة».

ولم يأتي هذا الفضل لا في رجب ولا في شعبان ولا في ربيع. لم يثبُت عن الرسول إلا في رمضان.

فالعمرة في رجب كالعمرة في شعبان، كالعمرة في شوال، كالعمرة في ربيع.. هي العمرة.

زيارة القبور في شهر رجب

ومما اعتاد عليه الناس أيضا الذهاب إلى المقابر في أول جمعة من رجب. ونحن نعلَم أن النبي -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام- حثَّنا على زيارة القبور. قال ﷺ في الحديث الصحيح «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، فإنها ترق القلب، و تدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجرا».

فترى كثيرًا من الناس يقصِدون الجمعة الأولى من رجب بالزيارة، ويخصصون القبور بالزيارة في الجمعة الأولى من رجب. وكذلك تفعل الكثيرات من نساء المسلمين. وهذا لم يثبت فيه أثرٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

الزيارة على الدوام، طول العام وفي كل الأيام. أما أن نعتقد أن الزيارة في الجمعة الأولى من رجب لها فضلٌ ولا ثوابٌ ولها مميزةٌ عن الزيارةِ في غيره من الأشهر والأيام؛ فأين الدليل على ذلك من كلام النبي الإمام ﷺ؟

خِتامًا؛ أمنَّى أن يكون ما قدمته وسِيْق لكم أعلاه مِما وَرَدَ في شهر رجب وفضله وسننه وبدعه ينال إعجابكم وأن تنالوا منه الفائِدة المنشودة، وأن يكون على قدرٍ كبير من المصداقيَّة التي لطالما اعتدتُم عليها مِنَّا.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: