خطبة عن هجر القرآن – مؤثرة/مكتوبة

وبعد أن تحدثنا عن نفس الأمر مع المساجد؛ نتابع اليوم ونقدم لكم خطبة عن هجر القرآن. هذا سيكون مع آيات من كتاب الله ﷻ ومن سُنَّة الحبيب المصطفى ﷺ ، فضلا عن أقوال السلف، وكلام مؤثر كثير في هذا الموضوع.

الخطبة مكتوبة، كاملة؛ نسأل الله ﷻ أن تنتفعوا بها دنيا وآخِرة.

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب العالمين الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ﴾.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، لا شريك له في ربوبيته، ولا شريك له في ألوهيته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، شرح الله له صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره.

وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ
إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ

وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ
فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ

اللهم صل وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اقتفى أثره، واهتدى بسنته وسيرته إلى يوم الدين.

الخطبة الأولى

أما بعد، فقد أخرج الإمام البخاري ومسلم في الصحيح من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال ﷺ «ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها طيب».

هجر القرآن

دعونا أيها الأكارم أن نعيش مع هذا الوصف النبوي الكريم لحال كثير من المسلمين اليوم.

هل سمعتم بالمسلمين أو بمسلمين من غير روائح؟ هذا الوصف يحدده رسول الله ﷺ بأقوام طالت بهم القطيعة مع القرآن، أقوام هجروا القرآن، أقوام لا يعرفون من القرآن إلا تلك الرسومات التي توضع في بيوتاتهم أو في مراكبهم تبركًا.

أقوام لا يسمعون القرآن إلا في المواسم، لا يتواصلون مع الكتاب إلا إذا ما نزلت بهم نازلة.

أقوام اتخذوا القرآن تحفة من التحف، توضع في صناديق من خشب، وتُغطى بأجود أنواع الأقمشة لتوضع بعد ذلك في ذلك الرف البعيد.

أقوام هجروا التلاوة، هجروا التدبر، هجروا العمل بالقرآن، هجروا التحاكم إلى القرآن، هجروا الاستشفاء بالقرآن، هجروا لغة القرآن، هجروا روح القرآن، هجروا نور القرآن.

هجروا لغته وأخلاقه، هجروا حلاله وحرامه.

مختصر وصفهم «مؤمنون بلا روائح» مسلمون بلا طيب، هذا هو وصف رسول الله ﷺ لهؤلاء.

آثار هجر القرآن

ثم نتساءل بعد ذلك لماذا قست القلوب؟ الله ﷻ يقول ﴿وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ﴾، طال أمد التواصل مع الكتاب ﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.

ثم نتساءل لماذا ضاقت البيوت بساكنيها؟ وابن مسعود يقول: أصغر البيوت، بيت ليس فيه شيء من كتاب الله.

ثم نتساءل لماذا عشعشت الشياطين؟ والله ﷻ يقول ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾.

ثم نتساءل لماذا تكدر الحال وذهبت الطمأنينة؟ والله ﷻ يقول ﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾.

ثم نتساءل لماذا الأمة متفرقة؟ لماذا الأمة ضعيفة؟ لماذا الأمة تعيش في حال لا يسر إلا العدو؟

نجد أن الأمة بعيدة عن القرآن قولا، وعملا، قراءة وتلاوة، فعلا وتدبرا، تحاكما واستشفاء، وكلنا سيشهد ذلك الموقف الذي سترفع فيه تلك الشكوى يوم القيامة.

المشتكي رسول الله ﷺ، المشتكى عليه أقوام من أمته، القاضي الملك الذي لا يظلم أو لا يظلم عنده أحد، ونص الشكوى ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾.

هجروا تلاوته، هجروا النور وهجروا الروح، تصور ذلك المثال القبيح الذي يصف فيه رب العزة -جل وعلا- أولئك الذين قاطعوا القرآن، وهجروا القرآن، فيقول ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ | كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ﴾.

حمير لكنها حمير شاردة أيضًا، هذا وصف لأولئك الذين أنزل فيهم القرآن لكنهم لم يعرفوا قدره، بُعث فيهم القرآن لكنهم لم يتواصلوا معه.

وصفهم وسماهم ربنا ﷻ بالمجرمين، قال ﷻ ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾.

أي أوصاف أقبح من تلك الأوصاف؟ وأي وعيد أشد من وعيد الصواعق؟ ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾.

من يعرض عن القرآن ستنزل عليه صواعق القدر

من يعرض عن القرآن، من يقاطع القرآن ستنزل حتما عليه صواعق القدر، إما أن يعود إلى أصله وإما أن يأتيه.

إن الله ﷻ أمر الرسول ﷺ ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ | وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ﴾.

هذا أمر لرسول الله ﷺ ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ﴾.

آيات يؤمر فيها رسول الله ﷺ، وتؤمر فيها الأمة، من وراء هذا النبي العظيم نحن بحاجة ونحن ننظر إلى أحوال الأمة أن تجدد العهد مع القرآن.

لأولئك الذين عاشوا أعمارا بلا روائح، أوقاتا بلا روائح، تركوا الطيب والمسك والعنبر هذا أوان العودة، أوان التمسك، أوان القراءة، أوان تلاوة القرآن، ليجدد كل واحد منا ذلك العهد.

لا تكن كذلك المحروم، المغبون الذي كان في تلك الصحراء، المظلمة ووجد ذلك القبس من النور ثم أبى أن يأخذ من ذلك القبس، وارتضى أن يسير في تلك الظلمات، وهو تائه حائر.

اذهبوا إلى القرآن

تأمل إلى العاقل موسى عليه السلام، يقول ربنا -جل وعلا- عنه ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾.

هذا هو فعل العاقل إذا كان في صحراء، صحراء مظلمة لا دليل له ولا هادي له ولا نور بين يديه.

العاقل هو أن يذهب إلى ذلك المصدر، إلى ذلك النور، قال ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾.

وفي آية أخرى ﴿لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾، هذا هو فعل العاقلين.

استمدوا النور من القرآن

العاقل هو الذي يذهب إلى القرآن في ساعة التيه، بل في كل ساعة. العاقل هو الذي يستمد النور من مصدره من كتاب الله ﷻ.

إن هذا القرآن ليخلق في جوف أحدكم، ذكر ذلك معاذ ابن جبل، قال: إن القرآن يخلق كالثوب البالي فيتهافت، ونحن بحاجة إلى أن نجدد ذلك التواصل.

هاجر القرآن عدو لله ورسوله

نحن بحاجة إلى أن نجدد العهد مع القرآن، شيخ الإسلام ابن تيمية حينما وقف مع قول النبي ﷺ في تلك الشكوى ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾.

قال: وهاجر القرآن عدو لله ورسوله، بل قال ابن حجر -رحمه الله- قال: ومن الكبائر هجران القرآن، وصور الهجران كثيرة، سواء بالتلاوة، أو بالتدبر أو بالعمل أو بالتحاكم أو بالاستشفاء.

نحن بحاجة إلى أن نجدد العهد مع القرآن، يا من فقد رائحته الطيبة، يا من فقد العطور الزكية هذا هو موسم التواصل مع القرآن ليكن عهدك مع القرآن بعد هذا اليوم مختلف تمامًا أدم النظر فيه ولو في كل يوم صفحة واحدة.

لا يمر عليك يوم إلا وأنت تنظر في آياته، وتقلب صفحاته حينها تستمد ذلك الطيب وسترى أثر هذا الطيب في حياتك، وفي قبرك، وستراه يوم القيامة حينما يقول ربنا -جل وعلا- «اقرأ وارتق ورتل».

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

كذلك؛ نجِد هنا خطبة عن واقع المسلمين اليوم.. الأسباب والحلول

الخطبة الثانية

وبعد حمد الله إني أشهد أن لا إله مستحقا يعبد إلا الإله الواحد والفرد الصمد من جل عن زوج وند وولد.

وأن طه خير من قد أرسل، يدعو إلى التوحيد سائر الملأ؛ صلى عليه الله ذو الجلال، ما دامت الأيام والليالي، وآله وصحبه الكرام، السادة الأئمة الأعلام.

أما بعد، يقول خباب بن الأرت -رضي الله عنه- وأرضاه: ما تقرب متقرب إلى الله بمثل ما تقرب إليه بتلاوة القرآن.

وهذه مؤثرة أيضًا؛ خطبة عن وصف النار وأهلها وعذابهم

الدعاء

  • اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، ذكرنا منه ما نسينا، علمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.
  • اللهم إنا نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمونا، وسائقنا وقائدنا إليك إلى جناتك جنات النعيم.
  • اللهم ارزقنا حفظ القرآن، وفهم القرآن، وتدبر القرآن، والعمل بالقرآن، والعيش مع القرآن.
  • اللهم ارزقنا حب القرآن، اللهم وفقنا لخدمة القرآن، ونصرة القرآن، أنزل على قلوبنا سكينة القرآن، وطمأنينة القرآن، وسعادة القرآن، واجعلنا من أهل القرآن في شهر القرآن يا رب العالمين.
  • ربنا تقبل صيامنا وقيامنا، اللهم إنك تعلم ولا نعلم، وتقدر ولا نقدر، وأنت على كل شيء قدير، من أرادنا أو أراد ديننا، أو أراد بلادنا بسوء فاكفنا شره وسوءه وادفع عنا حقده ومكره وغيظه يا قوي يا متين.
  • اللهم أدم نعمة الأمن والأمان على هذا البلد وسائر بلاد المسلمين.
  • اللهم جنب هذا البلد الفتن ما ظهر منها وما بطن، وسائر بلاد المسلمين.

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ | وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ | وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وأقم الصلاة.

الآن إخواني؛ وبعد أن قدمنا لكم أعلاه خطبة عن هجر القرآن؛ والتي ألقاها الشيخ د. حسام السامرائي -جزاه الله خيرا-. نوصيكم أيضًا بالاطلاع على خطبة عن وصايا لقمان − مكتوبة؛ وهي أيضًا خطبة رائعة ومؤثرة. نسأل الله العليم الكريم — أن ينفعنا وإياكم بكل ما يُقدَّم لكم هنا بموقع المزيد.

أضف تعليق

error: