أقوى خطبة عن النزاهة ومكافحة الفساد – مكتوبة

أقوى خطبة عن النزاهة ومكافحة الفساد – مكتوبة

عناصر الخطبة

  • الإسلام دين الله الخالق الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وأنعم عليه من نعمه السابغة التي لا تعد ولا تحصى.
  • المسلم الصالح ينزه نفسه عن الرذائل ويزكيها لتصبح مطمئنة تقبل الصلاح وتحارب الفساد والفاسدين.
  • الإسلام نور يكرم الصلاح والمصلحين بنوره.
  • من محاسن شريعة الإسلام أنها جاءت لتحقيق مصالح الأنام وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب.

الخطبة الأولى

خلق الله ﷻ الخلق ليعبدوه، واستخلفهم في الأرض ليعمروها، وأقام الموازين فيها على أساس العدل والخير والصلاح، فالإسلام هو دين الصلاح والإصلاح، وقد جعل الله ﷻ الإصلاح سبباً لمحبته ورضوانه، والصلاح عنواناً على الإيمان به، ووعد المصلحين بالفوز والأجر العظيم في الدنيا والآخرة، قال ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ الأعراف: 170، فبالصلاح والإصلاح يتحقق النمو والازدهار، والرفعة والرقي للبلاد والعباد، وهو حصن للأمة من الشرور والفتن، ما ظهر منها وما بطن، قال ﷻ: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ هود: 117.

ومن أعظم مظاهر الإصلاح في الأرض أن ينزه المؤمن نفسه وأبناءه عن الكسب الحرام والمال السحت، فيصون المسلم نفسه عن التهمة، ويجنبها مواضع الشّبهة، ويتذكر دائماً أنه مسؤول أمام الله ﷻ عن جميع أعماله، وما جنى من ماله، من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وأنه راعٍ ومسؤول عن رعيته، فتستقيم بذلك الحياة، وتطمئن النفوس، وتُحفظ الأموال العامة والخاصة من الهدر والضياع، والرشوة والفساد.

ومتى التزم الإنسان بهذه الأخلاق فقد حفظ نفسه وسمعته، فالناسَ إنما يتذكرون النزيه العفيف فيمدحونه، ويذكرونه بالخير في حياته، وبالكلمة الطيبة بعد مماته، وهم كذلك يذمّون المفسدين والمرتشين والفاسدين، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ البقر: 220.

وعلى المسلم أن يكون حريصاً على سمعته في حياته وبعد مماته، بأن يعفّ نفسه عن الحرام ويبتعد عن أخذ ما ليس له به حق، ولا يسعى إليه بطرق غير مشروعة، بل يكون ممتثلاً لأمر الله ﷻ بترك الحرام والكفّ عن أكل المحرمات، ففي الحديث الشريف بيّن النبيّ ﷺ المنهاج القويم للنزاهة،: «وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مُقْسطٍ متصدقٍ موفقٍ، ورجلٌ رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال» ← رواه مسلم.

فهذه المرتبة الرفيعة التي ينالها صاحب العفة الشريف، الذي مطعمه حلال، ومشربه حلال، وغُذي بالحلال، ينالُها في الآخرة جزاءً له على حُسن عمله وصلاحه، وهو في الدنيا من الذين يحبهم الله ﷻ، فيحبب الناس فيهم، ودعاؤهم مستجاب عند ربهم جزاءً لهم على حُسن خلقهم وعملهم، يقول رسول الله ﷺ: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ» ← رواه ابن ماجه.

عباد الله: لقد أمرنا الله ﷻ بوجوب الالتزام بالمنهج القويم والطريق المستقيم الذي ينهض بالمجتمع ويرتقي بالأمة، في حين حذّرنا كذلك من الفساد في الأرض وعدم إصلاحها، وهدم أركانها، والتعدي على مقدراتها التي وضعها الله ﷻ قواماً لحياة الناس ومعاشهم، فقال ﷻ: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ الأعراف: 56.

ووصف الله ﷻ المصلحين بأنهم أصحاب التقوى والهداية، والمفسدين أصحاب الفجور والغواية، فقال ﷻ: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ ص: 28.

وما ذاك الوصف وهذه المقارنة بين أهل الصلاح والفساد إلا لأن الفساد معصية عظيمة وكبيرة من الكبائر، وتولٍ عن الطريق القويم والصراط المستقيم، وضرره إذا وقع فإنه يعمّ الناس وتتعدد آثاره لتلحق الضرر بكافة عناصر المجتمع، فآثار الفساد وويلاته لا تقع على المفسد وحده فقط، بل يقع على المجتمع بأسره، وقد سُئل النبي ﷺ: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» ← متفق عليه.

وما أحسن تعبير القرآن الكريم في قوله ﷻ: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ البقرة: 205، إذ يصرح بأن المفسد يهلك الحرث والنسل ، لا أنه يهلك نفسه فقط فانتشار الفساد في البلاد يجعل المجتمع الإسلامي هزيلاً ممزقاً لا يقدر على النهوض بأعباء الحياة اليومية، فتجد الموظف يتساهل في واجب وظيفته، وترى العامل لا يتقن صنعته، وترى المسؤول يفرط في مسؤوليته، بل ترى رب الأسرة والأم في البيت يتهاونون في ما وجب عليهم من الأمانات المنوطة بهم، ولذلك فإن ضرر الفساد يتجاوز المفسد ويعم المجتمع الإسلامي بأسره.

عباد الله: إن من صور الفساد التي يجب محاربتها: أكل الأموال العامة والخاصة بالباطل: يقول الله ﷻ: وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة: 188، فكما يحرم الاعتداء على الأموال الخاصة فإنه يحرم كذلك الاعتداء على المال العام، بل هو أشد حرمة، قال ﷺ: «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة» ← رواه البخاري.

وبين أن استغلال الشخص لمنصبه ووظيفته لمنافع شخصية يعد نوعاً من أنواع الرشوة: فقال النبي ﷺ: «ما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول: هذا من عملكم، وهذا أهدي لي، فهلاّ جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر يُهدى له أم لا» ← متفق عليه.

والواجب على كل مواطن –موظف أو غير موظف– أن يكون أميناً وناصحاً للأمة؛ يحفظ أموال الأمة وأوقاتها بصدق وإخلاص وعناية؛ حتى تبرأ ذمته، ويطيب كسبه، ويُرضي ربه، وينصح لوطنه ولأمته، هذا هو الولاء لله والانتماء للوطن.

ولا بدّ كذلك من ضرورة إنفاذ القانون وتطبيقه والضرب بيد من حديد على هؤلاء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون والله ﷻ يتولى المصلحين وينصرهم ويعينهم على المفسدين، قال ﷻ ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ الأعراف: 169، فانتشار الفساد يسيء يؤدي إلى ظلم الآخرين والإضرار بسمعة الوطن، وهو إفقارٌ للمواطن، واعتداء على حقه وحرمانه من فرصة مالية واستثمارية تعينه في هذه الحياة.

ومن صور الفساد التي حرمها الإسلام كذلك: الإهمال في أداء الواجب في الوظائف العامة والخاصة وعدم مراعاة حقوق العباد والبلاد، وقد قال النبي ﷺ: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة» ← متفق عليه.

فعلى المسلم ومن تكلّف بشيء من أمر الناس أن يحافظ على أموالهم وأن يرعى مقدرات وطنه، ويراعي حقوق أبنائه، وأن يحافظ على المال العام كما يحافظ على ماله من السرقة، فكل مسؤول أو موظّف سواء في القطاع العام أو الخاص مسؤول عن رعيته، يقول النبي ﷺ: «ألَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ← متفق عليه.

⬛️ وهذه: خطبة عن مخاطر استباحة المال العام والحق العام؛ مُكْتَسِيَة بآيات وأحاديث وقصص معبرة

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران:102.

عباد الله: إن الواجب علينا جميعاً أن نكون من المصلحين وأن نقدم مصالح الأمة والوطن على مصالحنا الشخصية، وأن ننصح لله ورسوله، قال ﷺ: «الدين النصيحة: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» ← رواه البخاري.

فميدان الإصلاح واسع شامل، وهو الوظيفة التي شرف الله بها هذه الأمة، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل خيريتها متعلقة بهذا الفعل العظيم، قال ﷻ: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾ آل عمران: 104.

ومعرفة المسلم بمهمته في هذا الوجود يقتضي الاستغلال الأمثل لكافة طاقاته وقدراته ليحقق الغاية من وجوده، فيسعى كل فرد في الأمة ويجتهد في سبيل خدمة أمته، ويسخر مواهبه لنصرتها ورقيها، ويستنهض همم باقي أبنائها لتكون بحق أمة صالحة مصلحة على نهج نبيها ﷺ، فالصالحون من عباد الله هم الوارثون على الحقيقة، ومنهج الصلاح والإصلاح هو الذي ستكون له الغلبة في العاقبة، قال الله ﷻ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ الأنبياء: 105.

والحمد لله ربّ العالمين..

أضف تعليق

error: