خطبة: اغتنام العطلة الصيفية

خطبة: اغتنام العطلة الصيفية

عناصر الخطبة

  • العطلة الصيفية فرصة ينبغي لأولياء الأمور اغتنامها لتوجيه الأبناء توجيهاً إيجابياً.
  • الوقت نعمة عظيمة تستثمر فيما هو مفيد ونافع في حياة المسلم.
  • شباب المسلمين عماد الأمة وبناة المجتمع وقوته، فينبغي العناية بهم ووضع البرامج الهادفة لتنمية قدراتهم الفكرية والبدنية ومواهبهم النافعة.
  • المراكز الصيفية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم والبرامج الهادفة حصانة لأبنائنا من الانحراف وتضييع الأوقات.

الخطبة الأولى

اعتنى الإسلام بالوقت لما له من أهمية في حياة الإنسان، باعتباره يمثل الحياة التي يعيشها، وقد بيّن الله ﷻ أهمية الوقت في القرآن في كثير من المواضع، منها قوله ﷻ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: 62]، كما أقسم الله ﷻ في العديد من الآيات الكريمة بالوقت والزمن، فقال ﷻ: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1، 2].

وأقسم ﷻ بأجزاء الوقت كما في قوله ﷻ: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ [سورة الشمس 1–4]، وقال ﷻ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: 1–2]، وقال ﷻ: ﴿وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ [الضحى 1–2]، وغيرها كثير من الآيات الكريمة التي تبين عناية الإسلام بالوقت.

عباد الله: يستقبل أبناؤنا هذه الأيام العطلة المدرسية الصيفية بعد أن أتموا مناهجهم ومقرراتهم الدراسية، وقد أدى المعلمون والمربون الكرام دورهم التربوي المبارك، ونظراً للوقت المتسع لدى أبنائنا في هذه العطلة الصيفية كان لا بدّ من اغتنام وقتها الاغتنام الإيجابي النافع بما يعود بالنفع على أبنائنا ومجتمعنا.

والعطلة الصيفية هي الفترة التي ينال فيها أبناؤنا الطلبة قسطاً من الراحة بعد وقت طويل من الدراسة والمثابرة والجدّ والاجتهاد في طلب العلم ليأتي بعدها وقت الترفيه عن النفس والترويح عنها، وهو أمر حثّ عليه الإسلام وندب إليه، لما فيه من شحذ للهمةّ والاستعداد لعام مقبل يكمل به مشواره التعليمي، وقد جاء الصحابي حنظلة إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا فقال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» ← رواه مسلم.

وكان من هدي النبي ﷺ أن يلاطف الصبيان ويمازحهم، فيدخل في أنفسهم الفرح والسرور، وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه– قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ، فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَرَآهُ قَالَ: «أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» ← متفق عليه.

فالنفس الإنسانية بحاجة إلى الترويح عنها خاصة عند الشباب المقبلين على الحياة وتملأ نفوسهم الطاقات والهمم العالية، غير أن العطلة الصيفية لا تعني الانفلات والطيش واللهو بدون ضوابط، بل هي فرصة ثمينة ينبغي أن يغتنمها أولياء الأمور لمعاشرة أبنائهم وزيادة روابط الحب والاهتمام، وتقوية الأواصر الأسرية بين أعضاء الأسرة، وهي فرصة ذهبية لزيارة الأرحام وصلة ذوي القربى الذين باعدتنا عنهم مشاغل الحياة والتزاماتها، وقد قال ﷺ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» ← متفق عليه.

وفي هذه الفترة فرصة للآباء لتوجيه أبنائهم توجيهاً إيجابياً لاستغلال أوقاتهم بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع والخير، فهي سلاح ذو حدين وتحدّ كبير يواجه الآباء والأبناء بين الاستفادة منها بتنمية قدرات الأبناء الفكرية والبدنية ومواهبهم الإيجابية، أو قضائها في الحيرة وضياع الوقت والانحراف ورفقاء السوء.

ولا شك أن العطلة الصيفية بالنسبة للطالب المقبل على الحياة هي أحد أهم الأوقات التي ينبغي اغتنامها بالتربية السليمة والتوجيه الصحيح وعدم تضييعها فيما لا فائدة فيه، ودور الأهل وأولياء الأمور توجيه الأبناء إلى النشاطات التي تشحذ هممهم، وترتقي بهم فكرياً وجسدياً وتؤهلهم لاستقبال الحياة، وقد قال رسول الله ﷺ: «لا تزول قدمُ ابنِ آدم يومَ القيامة من عند ربّه حتى يسأل عن خمسٍ: عن عُمره فيمَا أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عَمِلَ فيما علم» ← رواه الترمذي.

وقد حمل كل واحد منا المسؤولية في موقعه، فحمّل الوالدين مسؤولية تربية الأبناء وتوجيههم لإعدادهم وتأهيلهم بما فيه مصلحتهم ومصلحة مجتمعهم وأمتهم، فقال ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ← رواه البخاري.

وقد حثّ النبي ﷺ على توجيه طاقات الشباب التوجيه الصحيح بما يستثمر هذه الطاقات ويعد جيلاً مؤهلاً لبناء المستقبل ومواجهة تحدياته، يقول النبي ﷺ: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَاكْتَنَفَاهُ فَقَالَا لَهُ: اقْرَأْ وَارْتَقِ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَنْزِلَا بِهِ حَيْثُ انْتَهَى عَمَلُهُ مِنَ الْقُرْآنِ » ← رواه الإمام أحمد

فينبغي الحذر من تضييع هذه الأوقات في غير فائدة، وترك أبنائنا دون رقيب أو حسيب يجلسون في الطرقات فلا هم يستفيدون من أوقاتهم ولا يفيدون المجتمع الذي ينتمون له، وعلى أبنائنا أن يعلموا أن لهذه الطرقات حرمة وآداب ينبغي المحافظة عليها ومراعاتها، فقد نهى النبي ﷺ عن الجلوس في الطرقات لمن لا يلتزم آداب الطريق وأخلاقه فقال ﷺ: «إياكم والجلوس في الطرقات» قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله ﷺ: «فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه» قالوا: وما حقه؟، قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» ← رواه مسلم.

وما كان هذا النهي من نبينا ﷺ إلا لأن الجلوس في الطرقات لا يربي ولا يؤدب ولا يصنع علماءً ينهضون بأوطانهم، أو رجالاً يحرسون بلادهم، وترك الأبناء بلا مراقبة قد يؤدي بهم إلى مخالطة رفقاء السوء الذين يشكلون خطراً على الأبناء بما يتركونه من أثر سلبي وسلوكيات ضارة كالتدخين والمُسْكِرَات والمخدرات والعلاقات المُحَرّمة، والبُعْدِ عن طريق الخير، فقد صحّ عن النبي ﷺ أنه قال: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً» ← رواه البخاري.

وقد ذكر لنا القرآن الكريم قصة الصحبة والرفقة الصالحة لأصحاب الكهف الذين سمّى الله ﷻ سورة في كتابه العزيز باسم كهفهم وخلد ذكرهم العطر والطيب ليكونوا قدوة للأجيال والشبان والفتية المؤمنون الصالحون المصلحون، فقال ﷻ: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الكهف: 9–15].

عباد الله: إنّ العمل على توجيه أبنائنا للاستفادة من العطلة الصيفية هي مسؤولية وطنية جماعية يتحملها كل منا في موقعه من خلال وضع البرامج الهادفة والنافعة والمراكز الصيفية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم والمراكز الرياضية من قبل المربين والمؤسسات الوطنية الحكومية والخاصة لاستقطاب أبنائنا في العطلة الصيفية لحمايتهم من الانحراف وتضييع الأوقات.

كما إن توجيه الأبناء لاغتنام الوقت في حفظ القرآن الكريم وتجويده يجعلهم يعيشون في مرضاة الله ﷻ وتعلم الأخلاق الحميدة وتعلم شرع الله والابتعاد عن مواقع الفساد والمعاصي والجريمة.

والمطلوب من أولياء الأمور تحمل مسؤوليتنا تجاه أبنائنا في الاستفادة من العطلة الصيفية بتنمية قدراتهم البدنية من خلال حضور حلقات العلم، والنشاطات التي يقيمها المسجد من خلال وزارة الأوقاف، والمراكز الرياضية النافعة في مختلف الرياضات التي تجعل من أجسادهم ومناعتهم قوية سليمة من الأمراض والضعف والعجز والكسل.

⬛️ وهذه خطبة: ماذا تفعل في الإجازة؟ «مكتوبة»

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].

عباد الله: إن الله ﷻ خلق الليل والنهار ليكونا محلّ عمل وجهد في الطاعة والعبادة، كما قال ﷻ: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان:61–62]، (خلفة): يخلف بعضهما بعضاً، ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾، أي: أن يغتنم هذا الوقت.

والله ﷻ أمر بالمسارعة إلى اغتنام العمر بالأعمال الصالحة وفعل الخيرات والعمل النافع الذي يخدم المجتمع والوطن والإنسان، فقال ﷻ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، وأمرنا بالتنافس في فعل الخيرات، فقال ﷻ: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين 22–26].

فينبغي ألا يضيع الإنسان عمره بما يضره ويفسده، وإنما عليه أن يغتنم هذا العمر والوقت بما ينفعه ويصلحه، وهذا ما نريد أن نحققه لأبنائنا في العطلة الصيفية ونربيهم عليه ليدركوا أهمية الوقت وقيمته وكيف يستثمرون أوقات فراغهم.

والحمد لله رب العالمين..

⬛️ وهنا أيضًا: خطبة عن استثمار الإجازة

أضف تعليق

error: