هل يجتمع الإيمان والشرك في سلوك المؤمن؟

هل يجتمع الإيمان والشرك في سلوك المؤمن؟

أولا: يظن بعضهم أن الإيمان والشرك لا يجتمعان خاصة عند بحث بعض الأمور الشركية معهم، وهذا خلاف لقوله ﷻ: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}— (يوسف ١٠٦)، فيستمرون بمخالفة الحق زعما أن ذلك مجرد وجهة نظر لا حرج فيها.

ثانيا: لابد من العلم بحقيقة الإيمان والعمل بمقتضاه، يقول الله ﷻ: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه}— (الأنعام: ١٠٢). وترك ما يخالف ذلك: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير}— (فاطر: ١٣) فاجتنبوهم.

ثالثا: لقد آمن المشركون بربوبية الله، يقول الله ﷻ: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكّرون… بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون}— (المؤمنون: ٨٤-٩٠). قوله: {وإنهم لكاذبون} ليس بحقيقة ما أقروا به من ربوبية الله ولكن لم يؤدوا ما ترتب على ذلك من حق بتوحيد الله في عبادته، فأشركوا فانطبق عليهم قول الله ﷻ: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}— (يوسف: ١٠٦) آمنوا بالله ربا وأشركوا في عبادته إلها؟

رابعا: وفي تفسير ابن كثير للآية قال: دخل حذيفة -رضي الله عنه- على مريض فرأى في عضده سيرا فقطعه أو انتزعه ثم قال: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} وفي مسند الإمام أحمد عن عيسى بن عبدالرحمن قال: دخلت على عبدالله بن حكيم وهو مريض نعوده فقيل له: لو تعلقت شيئا، فقال: أتعلق شيئا وقد قال رسول الله ﷺ: «مَن تعلق شيئا وكل إليه»؟! ولأحمد من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله ﷺ: «من علق تميمة فقد أشرك» وفي رواية «من تعلق تميمة فلا أتم الله له» وفي رواية: «ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له» رواه أحمد والنسائي وغيرهما.

خامسا: الإقرار بالحق وحده لا يكفي في الدخول في دين الإسلام إلا بالعمل به وذلك بتحقيق معنى: «لا إله إلا الله» نفيا وإثباتا، ولقد تعجب كثير من المشركين الأوائل من الدعوة لإفراد الله بالعبادة، مع إيمانهم بما مر بنا فقالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} إلى قوله ﷻ: {إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب}— (ص: ١٤).

ولقد ضرب لنا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مثلا في ذلك (ولله المثل الأعلى) قال: ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حق لرجل فسأل أحدهما حقه فقال: ليس لك عندي حق فأنكر وجحد فلم يبق له منزلة يحقق بها ما قال إذا جحد وأنكر (قلت: وهذا هو الكافر) وسأل الآخر حقه فقال: نعم لك عليّ كذا وكذا (ولم يؤده) فليس إقراره بالذي يصل إليه بذلك حقه دون أن يوفيه؛ فهو منتظر له أن يحقق ما قال بالأداء ويصدق إقراره بالوفاء، ولو أقر ثم لم يؤد إليه حقه كان كمن جحده في المعنى إذ استويا في الترك للأداء (وهذا هو المشرك) فتحقيق ما قال أن يؤدي إليه حقه، انتهى (مجموع الفتاوى ٧/٣٢٣). أي بتوحيد الله ولا يشرك معه أحدا في حقه.

فالإيمان الحقيقي بالله وأداء حقه فيه مرتبطان بالتوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وهو عبادة الله وحده لا شريك له وهو توحيد الألوهية، وأما مجرد الإيمان بتوحيد الربوبية (أي الإيمان بأن الله هو الخالق) فهذا التوحيد كان في المشركين، يقول الله ﷻ: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}— (يوسف: ١٠٦) فهم ما أن يوحدوا الله بمعرفة حقه، إلا جعلوا معه شريكا من خلقه.

التعريف بالولاء والبراء

الولاء والبراءة من أعظم أصول الإسلام وهو علامة التمسك بالعروة الوثقى، وهي شهادة أن لا إله إلا الله والعمل بمقتضاها. وحدودهما واضحة وهي:

أولا: التعريف بالولاء

وهو الموالاة بعقيدة وتنظيم للعمل، وهو المحبة، والاتباع بإحسان، وهو النصرة، والتناصر بالحق بين فريقين.. وعليه فالولاء في الإسلام لله ورسوله وللمؤمنين، يقول الله ﷻ: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}— (المائدة: ٥٥-٥٦).

ويقول الله ﷻ: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}— (التوبة: ٧١).

وفي صحيح البخاري، عن أنس عن النبي ﷺ قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» وفي مصنف ابن أبي شيبة والمعجم الأوسط وغيرهما: قال ﷺ: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله…» الحديث وفي رواية: «أوثق عرى الإسلام» رواه البخاري.

واقرأ هنا: من هم المؤمنون حقا؟

ثانيا: مخالفوه

فإذا تقرر أن الولاء في الإسلام لله ورسوله وللمؤمنين فلابد من تركه مع من خالفهم وهم:

  1. الكفار: يقول الله ﷻ: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء}— (آل عمران: ٢٨). ويقول الله ﷻ: {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا}— (النساء: ١٣٩).
  2. وأهل الكتاب، يقول الله ﷻ: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}— (المائدة: ٥١).
  3. أقرب الأقرباء إذا ضلوا: يقول الله ﷻ: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}— (التوبة: ٢٣).
  4. عصاة المسلمين: يقول الله ﷻ: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}— (التوبة: ١١). وإن لم يتوبوا فلا مولاة لهم، يقول الله ﷻ: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا}— (الأنفال: ٧٢). المقصود هنا الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، ولعله يشمل أيضا من يُصر على ارتكاب المعاصي عموما ويجاهر بها ولم يهجرها، لقوله ﷺ في صحيح البخاري وغيره: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».

ثالثا: الاستثناء

يستثنى (بمودة وبدون ولاء) الوالدان الداعيان للشرك، يُحسن معاملتهما؛ لقوله ﷻ: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}— (لقمان: ١٥). فقوله (واتبع سبيل من أناب) أي الولاء للمؤمنين. وكذا من كف أذاه عن المسلمين؛ لقوله ﷻ: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}— (الممتحنة: ٨). أي تبروهم وتقسطوا إليهم، ولا موالاة لهم.

رابعا: عاقبة من خالف ذلك، يقول الله ﷻ

{ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون}— (المائدة: ٨٠) والله أعلم.

خامسا: التعريف بالبراء

هو خلاف الولاء، وهو التباعد والخلاص، وانقضاء العهد وانقطاعه، وعدم الصلة، يقال: برئت منه، أي انقطعت بيننا الصلة، ومنه برئت من الدين (القرض).. وعليه فالبراءة هي:

  1. براءة الله ورسوله من المشركين، يقول الله ﷻ: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله}— (التوبة: ٣).
  2. وبراءة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام من الشرك، فإبراهيم قال {يا قوم إني بريء مما تشركون}— (الأنعام: ٧٨). وهود قال {أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون}— (هود: ٥٤). ويأمر الله نبيه أن يقول: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون}— (الأنعام: ١٩).
  3. براءة الملائكة، يقول الله ﷻ: {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}— (سبأ: ٤٠-٤١).
  4. براءة من اتخذوهم شركاء مع الله من الأنبياء أو أهل البيت أو الأولياء وغيرهم، يقول الله ﷻ: {وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون}— (النحل: ٨٦). وكذا سادتهم ومُضلوهم وسدنة الأضرحة، يقول الله ﷻ: {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليكم ما كانوا إيانا يعبدون}— (القصص: ٦٢-٦٣).
  5. براءة المشركين من شركهم، يقول الله ﷻ: {ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون}— (الأنعام: ٢٢-٢٤). ودعاؤهم على من أضلهم، يقول الله ﷻ: {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا}— (الأحزاب: ٦٨). وبراءة الطرفين من بعضهما بندامة لسوء سلوكهما، يقول الله ﷻ: {قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلاق في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}— (سبأ: ٣٣).
  6. ومن العجب براءة الشيطان منهم: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين}— (الحشر: ١٦).

واقرأ كذلك هنا: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله

الخلاصة

لا بد من البراءة من المشركين وشركهم، يقول ﷻ: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}— (الممتحنة: ٤)، علما أن المسلم إذا فعل خطيئة في الشرع يُتبرأ من فعلته، أما الكافر فيتبرأ منه ومن فعلته لقوله ﷻ: {إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله}— (الممتحنة: ٤).

أما المسلم فقوله ﷻ: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما}— (الحجرات: ٩) فالبراءة من الذنب. {حتى تفيء}.

بقلم: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top