من هو الإنسان سريع الحيلة

تمت الكتابة بواسطة:

صورة , رجل , رجل أعمال , سريع الحيلة

بالعربية نُسميه حَذِق أي سريع الحيلة، وبالعامية نقول “فين ما تكُبُّه يقف”، وكلها تعبيرات عن شخص يعرف كيف يستخدم موارده وخبراته لتخطي مشكلات كثيرة، فما هي أهمية الموارد؟ وكيف يمكن استغلالها؟

ما هي الموارد؟ وكيف نستخدمها للتملص من المشكلات؟

قال المدرب في علم النفس الإيجابي “ميلاد حدشيتي”. يوجد أشخاص أينما وضعتهم ظرفياً ومكانياً يمتلكون القدرة على التأقلم، ويملكون الحيل لتفادي المشكلات وحلها، وبشكل عام يمكن إعتبار مثل تلك التصرفات موهبة، إلا أنها أيضاً تشتمل على بعض من الذكاء الإجتماعي والذكاء العاطفي وفن القيادة، وبالتالي سرعة الحيلة هي خليط متكامل من عدة موارد وقدرات نفسية وعقلية للتعامل مع المواقف المختلفة.

وأردف “حدشيتي” قائلاً: فالموارد داخل الإنسان تتشابه مع الموارد الموجودة في الطبيعة، فكما أن موارد الطبيعة تكونت عبر سنوات، فأيضاً موارد الإنسان وقدراته تتكون عبر السنوات والخبرات العملية حتى يصل ذلك الإنسان إلى امتلاك عدد ضخم من الموارد، ومن ثَم يقوم بإستخراج المورد المناسب بحسب الموقف أو المشكلة، وبذلك نجد صنف آخر من الناس الذين تمر عليهم الخبرات الحياتية ولكنهم لا يستفيدون منها ولا يستخلصون منها العِبر لإستغلالها مستقبلاً، كما أن بعض الناس قد يستخلصون العِبرات من مواقف الحياة إلا أنهم يفشلون في استغلالها مرة أخرى حين تضعهم الظروف في نفس التجربة الحياتية.

ويكمن الإستغلال الأمثل للموارد في تفريغ أسباب وطريقة علاج كل مشكلة أو تجربة يومية، فعلى سبيل المثال إذا ما وقع شخص في مشكلة ما مع صديقه، عليه أن يُعدد الوسائل التي استخدمها لحل تلك المشكلة، ولنفترض أن تلك الوسائل هي سماع الصديق بعناية، تقبل الصديق، تطوير الحديث المشترك وتضمينه أفكاراً إيجابية…. وهكذا إلى ما لا نهاية، وبالتالي عند تكرار مشكلة أخرى مع نفس الصديق أو شخص آخر يعود المرء إلى وسائل الحل والعلاج التي استخدمها في التجربة السابقة، ومن خلال إعادة استغلال نفس الوسائل والموارد ستتكرر نفس النتيجة كما المرة الأولى، أي أن مواردنا هي أسلحتنا النظيفة في مواجهة المشكلات والظروف.

وتابع “ميلاد” قائلاً: وتكمن المشكلة في أن كثير من الأشخاص لا يعرفون ما يمتلكونه من موارد، إما لجهل منهم وعدم الوقوف بعد كل تجربة حياتية لتحديد الوسائل، وإما لكون هول صدمة المشكلة يُصيب بالجمود ويشوش على التفكير بما يمنع من إعادة استغلال الموارد، ويمنع أيضاً من إعادة استحضار تلك الأسلحة للمواجهة، ولتفادي تلك المشكلة لابد من تكرار تنبيه الذات بإمتلاك هذه الأسلحة، وكذلك تنبيهها بإمتلاك القدرة على إستخدامها وتحقيق النتائج الإيجابية، فكما أن الإنسان يتفقَّد حسابه المصرفي أو ما يمتلكه من نقود بين الحين والآخر، عليه تفقُّد ممتلكاته من الموارد الذاتية التي تُستخدم في مواجهة مشكلات الحياة.

كيف نُربي أطفالنا على إمتلاك الموارد وتنميتها؟

يتجه علم النفس الإيجابي حالياً إلى البحث في الطرق المثالية لتنمية الذكاء المعرفي والعاطفي للأطفال حتى يصبح بمقدورهم إستخدام مواردهم، ولذلك نجد أن الإتجاهات الحديثة في التربية والتنشئة تبتعد عن حل مشكلات الطفل، وتتجه صوب تعديد خطوات وخيارات الحل أمامه، فالطريقة القديمة مع مشكلة الطفل في عدم قدرته على ربط الحذاء – مثلاً – كانت تتمثل في مساعدته على ربط شريط الحذاء وانتهت المشكلة عند ذلك الحد بحجة أنه يوماً ما في المستقبل سيكبر ويتعلم الكيفية، لكن علوم التربية الحديثة وطبقاً للدراسات أصبحت تمنع من هذا التصرف وتستبدله بمناقشة الطفل والإستماع إليه في مدى معرفته عن خطوات ربط شريط الحذاء، مع حثه على ملاحظة كيفية إتمام البالغين لذلك، وهكذا مع كل تجارب الطفل مع ما يستجد أمامه من مشكلات.

بل أشارت الدراسات إلى أن تدريب الأطفال على إستغلال الموارد يكمن في استحضار مشكلة قديمة وطرق حلها حتى تنمو وتتفعل لدى الطفل هذه الخاصية، فإذا ما وقع الطفل في مشكلة جديدة – بعد مشكلة رباط الحذاء – على الأهل إستحضار مشكلة رباط الحذاء وكيفية علاجها ليستفيد الطفل من الحل في مواجهة مشكلته الجديدة، وهكذا دواليك مع مشكلات اللعب والمذاكرة …. إلخ، كما أن الدراسات أكدت على فاعلية الشعور الإيجابي على النمو العقلي والإجتماعي عند الطفل عندما يقوم هو بحل المشكلات، وكذلك أكدت على قبح الأثر السلبي على الطفل حين يقوم الأهل بحل كل مشكلاته بأنفسهم، لأن ذلك يُشعر الطفل بالضعف وقلة الحيلة.

ما الحد الفاصل بين سرعة الحيلة وبين التذاكي؟

الحد الفاصل بين الشخص الحَذِق وبين المُتذاكي الذي يستغبي الآخرين ويلعب على ذكاؤهم دقيق جداً، بل والأساس في وجود حد فاصل هو النية، ومن هنا على الإنسان أن يسأل نفسه بعد كل موقف أو ظرف عن دوافعه الداخلية في حل المشكلة، فهل الدافع هو شعوره بغباء الآخرين وأنه أكثرهم عقلانية أم أنه طمح فعلاً إلى تفادي المشكلة أو علاجها، وبشكل عام المُتذاكي لن تسلم معه كل المواقف ولن تُحل، لأن إستهانته بالآخرين ستنكشف حتماً في بعض المواقف أو لبعض الناس، وهو ما يقابله صد وعرقلة عن وصوله إلى غايته.

والخلاصة أن حل المشكلات لا يستدعي التذاكي أو تحقير الآخرين، ولكن كل ما يحتاجه الإنسان هو إستدعاء طرق حل مواقف قديمة تُشبه الموقف الحالي، ومن ثَم إعادة إستخدام نفس وسائل الحل والعلاج، وحتى إن فقد الفرد ثقته بإمتلاكه لمهارات الحل من الوارد أن يعزز تلك الثقة بسؤال أقرب المحيطين به إلى قلبه ووجدانه.

واختتم “ميلاد” قائلاً: وفي النهاية يمكن أن نطلق دعوة لكل الناس مفادها عدم الإستسهال أو التراخي، فكل شخص على الأرض يمتلك العديد من الخبرات والموارد التي تمكنه من تخطي العقبات، ولكن عليه أن يبحث عنها ويستحضرها بقوة.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: