الطفل التوحدي.. ما مصيره؟

الطفل التوحدي.. ما مصيره؟

تفاصيل الاستشارة: بداية آسف جدًّا على طول الاستشارة، ولكن أحببت أن تكون المعلومات كاملة وتغطي جميع الجوانب؛ كي تمكنكم من المساعدة بشكل أسهل.

كنت قد كتبت لكم عدة استشارات، بعضها موجودة وإجاباتها في أسفل رسالتي هذه، بخصوص ولدي الذي يبلغ الآن حوالي 5 سنوات، ووضعه الآن هو كالآتي:

أولاً: تبين أن عنده بعض سمات التوحد بخصوص عدم تنويعه بالأكل، وتعلقه بريموت التلفزيون والموبيلات للآن واللعب بصنبور الماء، وكذلك إلى الآن لا يستطيع أن يذهب للشراء وحده قد يكون السبب خوفنا عليه وعدم إعطائه الفرصة لذلك، وحتى فترة قريبة كان عند مرور سيارة يهم بالركض باتجاهها مباشرة، ولكن بعد أن حذرته من مخاطر ذلك أصبح يبتعد نوعًا ما وأصبح أفضل مما سبق، وأحيانًا يجلس أمام التلفاز بالمقلوب.

ولكني لا أعرف هل هذا سلوك توحدي أم أن أي طفل يمكن أن يفعلها خلال فترات معينة، وكذلك غالبًا ما نطعمه نحن وأحيانًا يأكل وحده، ولكنه يوسِّخ ملابسه ويمل سريعًا ويطلب منا إكمال ذلك له.

وكان متعلقًا بمفاتيح الكهرباء، ولكنه تركها الآن، وهو أحيانًا يرمي بعض ألعابه أو حاجياته من شباك السيارة ونحن نسير على الطريق، ولكنني إذا نبهت عليه وهددته بعدم فعل ذلك فإنه لا يفعله، وهو الآن يستطيع أن يلبس ثيابه السفلى ويخلعها وحده إلا الحزام، أما الملابس العليا مثل القميص فبدأ يتعلم لبسها حديثًا ويتقدم بذلك جيدًا.

أما النوم فهو يرفضه بقوة؛ فأمه لا تستطيع أن تقنعه بالذهاب إلى سريره للنوم إلا إذا أطفأت البيت كاملاً، ليس لأنه يخاف، بل كي يقتنع بالذهاب إلى النوم، أما إذا طلبت منه أنا الذهاب للنوم فإنه يذهب مجبرًا كنوع من الخوف مني؛ لأني أحيانًا أعاقبه على عناده.

بخصوص تعليمه استخدام المرحاض فقد تعلم ذلك في سن 3 سنوات و8 أشهر، ولم نتمكن من تعليمه في سن أصغر من ذلك لظروفنا الاجتماعية (تغيير البيت عدة مرات ومجيء مولود أخ له… إلخ)، وهو متأخر في النطق والمشي، حيث إنه حتى الآن مشيه متأخر عن أقرانه بالمشي والركض وصعود ونزول الدرج ويتعب بسرعة، وهو منذ عام ويزيد يواظب على دروس النطق لدى معلمة متخصصة وهو يتطور ولكن ببطء… إلخ.

ثانيًا: تبين أن هناك زيادة شحنات كهربائية بسيطة في الدماغ (مايوكلونيك أيبليبسي)، حيث لاحظنا أنه أحيانًا في بداية نومه يجفل وتشخص عيونه للأعلى، ويرفع يديه وكل هذا لمدة ثانية أو ثانيتين ولا تحدث إطلاقًا في أوقات النهار، وهو الآن يأخذ دواء (كونفوليكس) مرتين يوميًّا 4 مليجم من عيار 50 مليجم رفعها الدكتور في الزيارة الأخيرة إلى 5 ملي مرتين يوميًّا كون هذه الحالة ما زالت تأتي، ولكن أقل قليلاً من السابق.

وطمأننا طبيب الأعصاب أنها حالة بسيطة جدًّا غالبًا ما تزول مع الاستمرار في العلاج، ولكني قلق من هذا الجانب كون الحالة ما زالت تأتي، مع أنه يأخذ الدواء بدقة، وألاحظ عليه عندما نوقظه من نومه ويفتح عيونه يكون شاخصًا بصره إلى أعلى، وهي ليست الحالة المذكورة أعلاه، حيث إنني إذا تكلمت معه هنا يتجاوب ويتمتم ببعض الكلمات حتى يصحو تمامًا، لا أعرف هل هذا طبيعي أم ما هو؟.

ثالثًا: بموضوع الأكل فإنه ما زال على التزامه بأنواع الأكل المذكورة بأدناه، ما أريد أن أسأل عنه هو:

أولاً: هل يمكن أن يتطور التوحد مع المريض إلى مستوى أسوأ، أم أن مستوى التوحد إن لم يتحسن فلن يتطور للأسوأ؟.

ثانيًا: بموضوع التوحد، بما أن التوحد لديه بسيط ويكاد أن يكون في حدوده الدنيا، حيث إن مظهره طبيعي جدًّا، والأمر الوحيد الظاهر للناس هو نشاطه المفرط، وحيث إن إدراكه جيد ويستوعب كل ما نقوله بدقة، ولكن المشكلة تكون في العناد، ولا أدري هل هو عناد أم أنه بسبب التوحد لا يستطيع أن يكون مطيعًا؟.

وسؤالي هنا عن مستقبله هل سيستطيع أن يميز عندما يكبر أن السلوكيات التوحدية أعلاه مثلاً هي لا تليق أو خطرة فيبتعد عنها؟ أي باختصار هل سيميز بين الصواب والخطأ، ويكون شخصًا سويًّا؟ أم أن هذه المشكلة ستكون مانعًا بينه وبين تمييز الصواب، أم أنه قد يعرف الصواب ولا يقدر على السير فيه أو اتباعه؟.

ثالثًا: كما ذكرت أعلاه عنده تأخر في النطق وآخذه أسبوعيًّا إلى معلمة متخصصة، وهو يتحسن وكان قبل هذه الدروس لا ينطق إلا كلمات قليلة، والآن أصبح ينطق الكثير من الكلمات ولكن ليس بوضوح، ولكنه مفهوم لنا ونوعًا ما للآخرين.. وسؤالي من فضلك هل سيكون كلامه في طفولته اللاحقة ومراهقته وشبابه طبيعيًّا؟.

رابعًا: كيفية التعامل معه في الثواب والعقاب في التربية، حيث عندما نطلب منه ألا يفعل سلوكًا سيئًا يفهم منا ما نقول، ولكنه يخالف، أي أظنه عنادًا وليس عدم فهم؛ لأنه يفهم كل ما نقول على وجه الدقة.. مع شكري الجزيل مقدمًا.

⇐ د. نبيل حنفي زقدان «أخصائي طب الأطفال» تفضَّل بالإجابة؛ فقال: أخي العزيز أجهدت نفسك في الاستشارات المتكررة بخصوص موضوع “التغذية”؛ فأنا أذكر أني قلت لك منذ الاستشارة الأولى بأن الابن العزيز ليس لديه مشكلة حقيقية في موضوع التغذية، وإنه ليس مطالبًا بتناول كل ما تقدمونه له، ومر وقت غير قليل قبل أن نطوي صفحة التغذية، ومن ثَم نفتح صفحة “التوحد”.

وبداية.. دعني أتفق معك ومع الإخوة المختصين الذين ناظروا الطفل بأن هذا الطفل لديه بعض الأعراض التوحدية، ولقد أسهبت في شرح هذه الأعراض بصورة تكفي لتشخيص هذه الحالة، خاصة أنه لا يوجد لدينا حتى الآن وسيلة تشخيصية محددة لهذه الظاهرة، سواء كانت مخبرية أو شعاعية غير رواية الأسرة ومناظرة المختصين، وقد يرجع الافتقار إلى وسيلة تشخيصية محددة لهذه الظاهرة إلى غياب سبب واضح ومحدد لها، وكل الأسباب المقترحة تندرج تحت بند “الاحتمالات المتعددة” والتي يكون بعضها عيوبًا تشريحية أو خللاً كيماويًّا في المخ، بالإضافة إلى احتمالية أن يكون للجينات الوراثية دور في هذا المجال.

أما من يعتقد بأن هذه الظاهرة هي نتيجة أمراض معينة، مثل الحصبة وغيرها أو نتيجة أخطاء تربوية فليس له أساس من الصحة.

أما من ناحية أعراض هذه الظاهرة:

  • اجتماعيًّا: بكون الطفل انطوائيًّا خجولاً منغلقًا على نفسه، ويتجنب التواصل البصري والتعامل مع الآخرين، كما أنه لا يتفاعل مع الأحداث المحيطة بالقدر الكافي.
  • لغويًّا: يتأخر الطفل في اكتساب هذه المهارة، ثم يتخلف بعد ذلك في إجادتها؛ فهو قد يتمتم ويغمغم بكلمات غير مفهومة، وقد يكرر بعض الكلمات أو الأسئلة بصورة مملة ورتيبة، وقد يستخدم الكلمات في غير مواضعها ويسمي الأشياء بغير أسمائها.
  • نفسيًّا: قد يصاب الطفل في مرحلة متقدمة من العمر ببعض الأعراض النفسية (القلق – الاكتئاب – الوسواس القهري).
  • عصبيًّا: هناك عدة أعراض قد يكون أهمها التشنجات.
  • سلوكيًّا: فرط النشاط، قلة التركيز، حركات متكررة وقد تكون غير ذات معنى (هز الرأس بصورة متكررة – عدم المقدرة على تقدير الخطأ والضرر؛ وهو ما قد يلحق الأذى بالطفل نفسه – التعلق بأشياء معينة دون غيرها أغلب الوقت مثل لعبة معينة أو صنبور المياه). كما يكون هذا الطفل نمطيًّا ويكره التغيير في طعامه وشرابه وملبسه، وحتى في الأشخاص الذين يتعامل معهم. وقد يكون في هذا تفسير لكل المشاكل الغذائية التي عانيت منها مع هذا الطفل لمدة 5 سنوات.
  • ذهنيًّا: يكون لدى هؤلاء قدر من الإعاقة الذهنية المتفاوتة، ولكنها في كل الأحوال تكون أقل بكثير مما تظهره اختبارات الذكاء؛ لأن هذه الاختبارات تعتمد على التواصل اللغوي والاجتماعي والذي عادة ما يكون متخلفًا لدى هؤلاء الأطفال.

وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن هذه الأعراض تظهر عند هؤلاء الأطفال بنسب متفاوتة من حيث الكم والحدة.

وفي غياب سبب محدد فإنه لا يوجد علاج محدد، وإنما يتم التعامل مع الأعراض الظاهرة وذلك من خلال إلحاق الطفل بأحد المراكز المتخصصة لرعاية أطفال “التوحد” أو مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث توجد برامج متخصصة ومتنوعة لرعاية هؤلاء الأطفال وتأهيلهم نفسيًّا ولغويًّا وسلوكيًّا، كما أن هذه المراكز تتولى تدريب أسر هؤلاء الأطفال من أجل إعداد بيئة مناسبة لهم في المنازل لإجادة التعامل والتواصل معهم.

ولذلك أنصحك بإلحاق طفلك بأحد هذه المراكز المتخصصة، ولحسن الحظ أيضًا فإن هناك بعض العقاقير الطبية والتي جرى استخدامها حديثًا للسيطرة على كثير من الأعراض، ويمكن أن تسأل عنها المختصين في هذا المجال، بالإضافة إلى ما يتناوله الطفل -فعلاً- من علاج للتشنجات.

وختامًا.. ومع المحطة الأخيرة في هذا المشوار وهي الإجابة على أسئلتك المحددة وكلها تدور حول معنى واحد وسؤال واحد هو “ما هي عاقبة أمر الطفل التوحدي”؟.

فأقول لك إنه لا يمكن أن نصدر حكمًا عامًّا على أي حالة مرضية، ولكن يجب التعامل مع كل حالة على حدة، فمثلاًَ هناك أطفال عانوا في بداية حياتهم من بعض أعراض التوحد، ولكنهم في نهاية المطاف صاروا أشخاصًا طبيعيين واندمجوا في المجتمع وأكملوا تعليمهم وحصلوا على وظائف، بل وأصبح لديهم أسر، وفي المقابل هناك توحديون لم يستطيعوا أن يغادروا منازلهم التي ولدوا فيها وعاشوا حياتهم عالة على أسرهم وعلى المجتمع.

ولكن ما هي الأسس التي يترتب عليها هذا التباين الشاسع في هذا المصير، ولعلِّي أجتهد برأيي فأحصر هذه الأسس في النقاط الآتية:

  1. طبيعة المرض وحدته.
  2. مدى الاهتمام والحرص على العلاج ومتابعة الحالة.
  3. مدى استجابة المريض للعلاج.
  4. إرادة الله وقدره من قبل ومن بعد.

فإذا أخضعنا حالة طفلنا العزيز لهذه الأسس فإننا نقول إن هذا الطفل مرشح بأمر الله لتجاوز هذه العقبة، فمن خلال رسالتك نقول: إن التوحد لديه بسيط ويكاد يكون في حدوده الدنيا، وإن الطفل مظهره طبيعي جدًّا؛ وهو ما يدل على أن حدة المرض بسيطة، كما أنك تشير إلى أن الطفل قد استجاب للتأهيل اللغوي بصورة ملحوظة، وذلك بالرغم من أنك لم تلحقه بعد بمركز متخصص في هذا المجال. أما عن مدى الاهتمام والحرص على العلاج والمتابعة فليس لدي أي شك في أن هذا الطفل محظوظ بك كأب، ونسأل الله تعالى أن يجزيك خيرًا لقاء صبرك ومثابرتك مع هذا الطفل.

⇐ وهنا نجد كذلك:

وأخيرًا.. نسأل الله عز وجل أن يرزق طفلك الصحة والعافية، ويرزقك الصبر والسعادة به.. اللهم آمين.

أضف تعليق

error: