طرائف من لطف الله بخلقه

القرآن الكريم ، Koran ، صورة

يا صاحب اللطف الخفي بك نستجير ونستعين ونكتفي، فهبنا من لدنك حكمة وصبرا نرقب به الأقدار برضا وثقة بأنها خير كلها، ما أحببنا منها وما لم نحب. فالحمد لله أن ربنا الله اللطيف الخبير، يعلم ما لا نعلم فيمنح لخير ويمنع لخير، ويعطي لخير ويأخذ لخير، نحن نتقلب بين ألطافه ورحمته الخفية التي لا نعلم عنها شيئا ولكن ننجو بها من العثرات، وننهض بفضلها بعد السقطات، ونكمل المسيرة بعد الحوادث والانكسارات، فالحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وبالغ لطفه، ثم أما بعد:

فإن الله عز وجل خلقنا ورزقنا من البصر والبصيرة ما نستوضح به الطريق بحيث لا نتعثر أقدامنا ولا تضل خطانا، ولكن بصرنا وبصيرتنا محدودان قاصران لا يدركان من الأشياء إلا ما ظهر، ومن الحقائق إلا ما اتضح، واستأثر جل وعلا لنفسه بعلم الغيوب، وإدراك بواطن الأمور وعواقبها، وخباياها، فهو اللطيف الخبير، وعوض عجزنا عن إدراك المستقبل، ومعرفة بواطن الأقدار بلطفه الذي يحيط بنا ويشملنا من المهد إلى اللحد، وهنا سنسوق طرفا من الطرائف واللطائف في أحداث حقيقية تجلى فيها لطف الله عز وجل بعباده، لنذكر أنفسنا وإياك عزيزي القارئ بعظيم لطف الله بنا، فنحمده بما يليق به من المحامد، ونطمئن للطفه ونرضى عن جميع قضائه وقدره.

من اللطف أن يعفي عباده مما لا يطيقون

أذكر صديقة لي تقدم لها ابن عمها طالبا الزواج منها، بعد فترة من الارتباط العاطفي الكبير جداً، وكانا قد قررا أن يتزوجا في غضون أيام، حيث لم يكن هناك ما يدع لتأخير الزواج، ولكن فوجئ الشاب برفض عمه، الذي لم يكن له ما يبرره، وكانت صديقتي حريصة على الموضوع، وراغبة في اتمام هذا الزواج إلى أبعد حد، وفعلت كل المحاولات لأقناع والدها ولكنها لم تفلح، وكادت تموت حزناً وحسرة على فوات تلك الفرصة التي تنتظرها طويلاً.

مضى عام أو بعض عام وأغلق هذا الباب تماماً، وصديقتي لا تزال في حسراتها، وكانت تردد دائما: (لا أريد إلا أن أفهم شيء واحد لم يحرمني الله من أغلى أمنية عندي؟)، وبعد مرور بضعة أشهر فقط جاءها الجواب.

فقد أصيب ابن عمها بالسرطان، وتدهورت حالته سريعا ولم يستمر المرض طويلا بل توفى بعد أشهر قلائل، تقول صديقتي، والله كدت أفقد صوابي عند رؤيته مريضاً وكاد قلبي يتوقف حين عرفت الخبر، واستغرقت وقتا طويلا وأنا محبوسة في حزني، وقلبي مفطور من ألم الفراق، ولكن ما هون علي شيء واحد، وهو أننا لم نتزوج ولم أعش معه في بيت واحدا، والله لولا ذلك لما استطعت أن أتجاوز الأمر أبداً.

وفي حرماننا مما نحب لطفاً

أذكر شاباً كان يدرس في كلية الطب وكان من المتفوقين والأوائل على الكلية، وحدث أن أعلنت الكلية عن منحة مجانية لمدة سنة للدراسة في أحد الجامعات الأجنبية الكبرى، وبعد أن قبل هذا الشاب ضمن المختارين لتلك المنحة الهامة، وشى به بعض زملائه وشاية وسعى لحرمانه منها، وبالفعل حدث.

حاول الشاب بكل وسيلة أن يحصل على تلك الفرصة التي انتظرها وأعد نفسه لها، ومنى نفسه بتحقيقها، ولكن بلا جدوى، فقد اعتمدت الكلية أسماء المرشحين للمنحة، وكانوا عشرون طالبا لم يكن هو منهم.

مضي شهرين على هذا الموقف حتى تقرر السفر، أعد الطلبة المسافرين أنفسهم للرحلة، والشاب في حسراته يتميز غيظا وحزنا على ما ضاع منه، ولم يمض على إقلاع الرحلة سوى يومين، وجاء خبر وقوع حادث مروع للعشرين طالب مات منهم سبعة طلاب، ونجا منهم ثلاثة عشر طالبا كلهم بإصابات خطيرة، وقد باءوا بعاهات مزمنة، فمنهم من فقد ساقيه ومنهم من فقد زراعيه ومنهم العاجز وغيره، فكانت تلك المنحة فعلا نقطة فارقة في مسار هؤلاء الطلبة، ولكن…

ثمار معرفة لطف الله بخلقه

إن ثمار تلك المعرفة خير كلها، فمتى عرف الإنسان أن له ربّاً لطيفاً يقدر له الخير، ويدبر له شئونه، ويقوده إلى ما فيه صلاح حاله ومآله، ارتاح قلبه ونام قرير العين، متوكلا على الله، راضيا بحكمه واثقا من حكمته، صابرا على كل ما يكره شاكرا على كل ما يحب. فيا الله هبنا معرفة ويقينا بلطفك يرضينا ويسعدنا، وهبنا من لطفك ما يقيل عثراتنا وينقذنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top