سنة حلوة.. يا «روزة»!

سنة حلوة.. يا «روزة»!

لم يكن من عادتي أبدًا أن أحتفل بليلة رأس السنة، ولم يحدث قط أن قضيت هذه الليلة خارج بيتي.. ولكن قبل نهاية هذا العام (2023) بأيام هاجمتني موجة اكتئاب وإجهاد وملل بعد موسم مليء بالعمل والضغوط.. فقررت أن أعيش ليلة “استثنائية” ألتقط فيها أنفاسي وأنعش مشاعري وروحي وجوارحي.. وكانت هي ليلة رأسًا لسنة!!

لم يكن الأمر سهلاً، فالظروف عنيدة، والتحديات شرسة.. أين أذهب؟ وكيف؟ وأين أترك أولادي الأربعة؟، ولكن السؤال الأول كان هو الأهم (أين أذهب؟) لأن الإنسان عندما يعرف إلى أين يريد أن يذهب فإنه يستطيع بعد ذلك أن يجيب عن باقي الأسئلة، ويسخِّر كل الوسائل لخدمة غايته. وأنا أجبت عن السؤال الأول.. واخترت أن أذهب إلى حفل “نصير شمة” في ساقية (الصاوي) بالقاهرة!!

أنا أحلم بحضور هذا الحفل منذ سنوات!!

ويبدو أنه قد حان الوقت الآن.

وكانت ليلة!!

“نصير شمة..” العازف الذي يعشق آلته فتعشقه آلته، والقائد الذي يقدر فريقه فيقدره فريقه، والمبدع المثقف الذي يحترم جمهوره فيحترمه جمهوره..

لم يكن هذا مجرد عزف، بل حالة من الذوبان والتوحد: “نصير شمة”.. المشاعر.. الأصابع.. العود.. الفرقة الموسيقية.. الإضاءة.. الجمهور.. كل هذا كان كتكلة واحدة تبكي مع “الصبا” وأحزانه، وتبتهج مع “النهاوند” ورشاقته، مع “العجم” وجديته، وتتمايل مع “البياتي” وشجونه، وتتهيب مع “الحجاز” وجلاله.. امتلأ قلبي حسرة وألماً عندما استمعت إلى “سلامًا إلى بغداد”، وتراقصت دقات قلبي في طفولة وبراءة مع “يا حلاوة الدنيا يا حلاوة”، ودمعت عيني مع “بلاش العتاب”، وحلق فؤادي في الفضاء مع “على جناح فراشة”.. وهكذا.. وكأن كل المشاعر التي يعرفها البشر تحركت داخل قلبي على مدار ثلاث ساعات من الإبداع..

وعرفت لماذا يحب الله الجمال؟.. لأن الجمال يبعث الحياة في النفوس والأرواح.. واشتقت لرؤية (جمال الله).. إن كان هذا هو جمال البشر.. كرهت الجمود والركود والبلادة التي تحاصرنا في كل مكان.. وازداد إيماني بالإبداع الذي هو سر الحياة ختم “نصير شمة” حفله بمقطوعة موسيقية -كانت الأروع- ولكن أعجب ما فيها أنه ظل لمدة 5 دقائق يعزف على العود.. بيد واحدة!!

تبارك الله.. العزف على العودة يحتاج اليدين معا!! كيف هذا؟ لا أدري.. يبدو أنه لم يكتفِ بحالة (الذهول) التي وصلنا إليها من شدة الجمال والإبداع والإتقان، فأصرّ أن يصل بنا إلى (الجنون نفسه)!!

أنا سعيدة بهذا (الجنون) فهو الذي يغذي (العقل) في الحقيقة!! طالما أنه لم يتعدَ شرعًا أو حدًّا من حدود الله..

وبدأ عام جديد

قبل منتصف الليل بثوانٍ، بدأ المهندس محمد الصاوي مدير وصاحب (الساقية) ومعه الجمهور في العد التنازلي 10 – 9 – 8 – 7 – 6- 5- 4- 3 -2 -1 ثم هبطت لوحة من سقف القاعة وقد كتب عليها 2024 بألوان فسفورية مضيئة.

عندما رأيت رقم (8) في عام 2008 تذكرت رقم (8) في عام 1968، وعندئذ أدركت أني في عامي الأربعين!!..

وتذكرت قوله تعالى: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه}، فحمدت الله وشكرته في قلبي.

وهنا بدأ الجمهور ينشدون في صوت جماعي للعام الجديد:

سنة حلوة يا جميل

سنة حلوة يا جميل

سنة حلوة..

سنة حلوة..

سنة حلوة يا جميل

وهنا اقترب زوجي مني قليلاً وهمس في أذني – بنفس اللحن: «سنة حلوة يا (روزة).. سنة حلوة يا جميل»..

بقلم: د. فيروز عمر

⇐ وهنا تقرأ أيضًا:

أضف تعليق

error: