اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن «شرح الدعاء/الحديث وفضله»

اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن

اليوم من كنز من الدعاء الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان يقول «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال». فالهم والحزن من أعظم ما يضعف قوة القلب، يشتته.

اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن

استعاذ النبي -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام- في هذا الحديث بجمع بين أصناف الشر التي يستعاذ منها العبد في أحواله، كل اثنين من صنف.

فالهم والحزن من صنف، وكذلك العجز والكسل من صنف، والجبن والبخل من صنف، وضلع الدين وغلبة الرجال من صنف.

شرح دعاء اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن

فأول ذلك: “‌الهم والحزن”، فالهم يتعلق بالمستقبل، مثل تلك الأمور التي يحذر من وقوعها، فيرجو حصولها، أو يهتم لأجلها، فيهتم أن لا تحصل. أما الحزن فهو الذي يتعلق بالحاضر والماضي، مثل أمور كان يطلبها، ففاتت، فيحزن لفواتها؛ أو أمور كان يكرهها، فيحزن لحصولها. أو كما قال -جل وعلا- في الآية ٢٣ من سورة الحديد {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.

ثم، “العجز والكسل” وهما اللذان يتعلقان بالفعل الذي ينبغي له فعله، فتارة يعجز عنه، وتارة لا يكون عاجزا، لكن يحصل له كسل وفتور في همته.

ثم “‌‌البخل والجبن” وهُما القرينان، فالجبان الذي لا يدفع الشر خوفًا على نفسه من عدوه، والبخيل الذي منع معروفه خوفا على ماله. فالأول يخاف حصول الضار والثاني يخاف زوال النافع.

وفي حديث أخرجه أحمد، وأبو داود يقول فيه النبي -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها-: “شر ما في المرء شح هالع، وجبن خالع”. وكلاهما يكون من هلع النفس وضعفها.

وصولًا إلى “‌‌ضلع الدين وغلبة الرجال” وهُما من جنس واحد؛ فإن المقهور تارة يقهر بباطل، كرجال اجتمعوا عليه فغلبوه. وتارة بحق، وهو المغلوب، وهو الذي ضلعه الدين.

وهذان كلاهما مقهور عاجز، الأول هو عاجز مقهور برجال يعارضونه ويغلبونه حتى يمنعوه من مصالحه وأشغاله؛ والثاني عاجز مقهور بحق غلبه، عليه أن يؤديه، وهو لا يقدر.

وقد رتبه المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ترتيبا محكمًا: فالهم والحزن متعلقان بالمصائب، مثل حصول مكروه وفوات مطلوب.

والعجز والكسل متعلقان بالأفعال التي يؤثرها، وهي نافعة له، فإذا لم يفعلها حصل له الضرر، ويكون تركها لعجز أو كسل.

وهذه الأربعة تتعلق بالعبد في نفسه، فمحلها نفس الإنسان.

وأما الجبن البخل، وضلع الدين وغلبة الرجال، فإنها تتعلق بأمور منفصلة عنه، الأولان يتعلقان بإرادته للأمور المتصلة، والآخران يتعلقان بقدرته على الأمور المنفصلة.

كما أن الأربعة الأول: الأولان يتعلقان بالمكروه والمحبوب، والآخران يتعلقان بالمقدور عليه والمعجوز عنه. فالبخيل الذي لا يريد أن يبذل ما ينفع الناس؛ لعدم إرادته الإحسان إليهم، أو لبغضه للخير وحسده للناس، أو لخوفه من إخراج النافع منه.

والجبان الذي لا يريد دفع المضرة؛ خوفا من حصول ما يضره، وزوال ما ينفعه، فيقع في أعظم الضررين خوفا من أدناهما، إما ضعف نفس بهلع يخلع قلبه وإما جهلا بحقيقة ما ينفعه ويضره.

والجبن والبخل متعلقان بما في النفس من قوة وضعف وإرادة وكراهة.

وأما ضلع الدين وغلبة الرجال؛ فكلاهما هو مما يكون في المرء مقهورا بغيره، قد عجزته الأمور المنفصلة عنه، ليس من عجز حصل في نفسه ابتداء. فالدين: مطالبة الغرماء به مع عجزه عن الوفاء له، وقهره: الرجال الغالبون يعجزون القادر ويمنعونه ويقهرونه.

فهذه الأمور التي استعاذ منها نبينا المصطفى -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات- فيها من الحكم الجوامع التي تجمع أنواع الشر المستعاذ منه، المتعلقة بنفس الإنسان، وأعماله الظاهرة والباطنة.

مزيد فائِدة

يقول عبد الله الداري: «كان أهل العلم بالله عز وجل والقبول عنه يقولون: إن‌‌ الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، وإن الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن».

وقال ابن مسعود: «إن الله تبارك وتعالى بقسطه وحلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط».

وكان دعاء رسول النبي ﷺ -أيضًا- “اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك“؛ فاللهم صلِّ عليه وعلى آله وأزواجه وذريته وسلِّمْ تسليماً كثيراً.

أين العلاج؟

وفي سنة رسول الله -‌عليه أفضلُ الصلاة وأطيب السلام- أخبار كثيرة من تفريج الكرب عند اشتدادها؛ مثل قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وسارة مع الجبار الذي طلبها من إبراهيم عليه الصلاة والسلام فرد الله كيد الظالم. وقصة الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة، فدعوا الله بأعمالهم الصالحة ففرج عنهم. وعندما اشتكى رجل إلى النبي -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام- وهو قائم يخطب يوم الجمعة، احتباس المطر وجهد الناس، فرفع رسول الله ﷺ يديه فاستسقى لهم، فنشأ السحاب ومطروا إلى الجمعة الأخرى، حتى قاموا إليه وطلبوا منه أن يستصحي لهم، ففعل فأقلعت السماء.. إلى غير ذلك من القصص والأخبار الثابتة.

والمؤمن معرض للفتن والمصائب، فقد تضيق عليه الدنيا وتشتد عليه الأمور، ويتمكن منه الهم والحزن؛ فإذا لم ييأس من نصر الله وفرجه، وصبر واحتسب، والتجأ إلى رب العباد -سبحانه- بالتضرع والدعاء في جميع أحواله، جاءه الفرج والنصر والتأييد.

يقول الشافعي:
صبرا جميلا ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمور نجا
من صدق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا

أضف تعليق

error: