خطبة الجمعة عن مولد النبي ﷺ — مكتوبة

تمت الكتابة بواسطة:

وفي سَردنا لأجمل وأقوى الخُطَب في رسول الله «صلى الله عليه وسلم» نُوفِّر لكُم هنا خطبة الجمعة لهذا الأسبوع عن مولد النبي ﷺ. الخطبة مكتوبة ومُراجَعة وتم تنسيقها ليسهل على الخطيب والإمام إلقاءها من على المنبر بكل ثقة لكل المسلمين الذين يحضرون لقاء الجمعة المباركة في مسجده.

وكما اعتدنا وإيّاكُم في موقع المزيد، وتحديدًا في ملتقى الخطباء فيه، الذي نطرح عليكم من خلاله عذْب الخطب المنبريَّة ليوم الجمعة والمناسبات المختلفة، فإن خطبتنا هذه كُتِبَت ودُققت لكم ومن أجلِكُم.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.

الخطبة الأولى

أما بعد؛ عباد الله إن أصدق الحديث كلام الله «جل وعلا»، وخير الهدي هدي محمد «صلى الله عليه وسلم» وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أعاذني الله وإياكم منها.

أيها المباركون حياكم الله، وأسأل الله «جل وعلا» أن يُسعدكم في الدارين، وأن يكثر عليكم ذرياتكم وأزواجكم، وأن يُسدد على طريق الهدى والحق والرشاد خطاكم، وأن يوفقني الله وإياكم لما يُحب من القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ذكرى مولد النبي ﷺ

أيها الأحبة في الله موعدنا معكم في هذه الدقائق المباركة، مع ذكرى مولد النبي، مولد خير البرية وسيد البشرية، سيد الأولين والآخرين، ذكرى من أضاءت الدنيا بمولده، ذكرى من بعثه الله «عز وجل» للعالمين بشيراً ونذيرا، ذكرى من بعثه الله «عز وجل» بالرحمة والسلام، ذكرى حامل لواء الحمد وصاحب الحوض المورود والشفاعة العروى، ذكرى من زكى الله «جل وعلا» لسانه فقال (وما ينطق عن الهوى)، وزكى الله قلبه فقال (ما كذب الفؤاد ما رأى) وزين عقله فقال (وما صاحبكم بمجنون) وزين خلقه «جل وعلا» فقال (وإنك لعلى خلق عظيم).

ذكرى من شرح الله صدره، ورفع ذكره، ووضع عنه وزره، فغفر الله «عز وجل» له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ذكرى مولد النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد نواف من ولد إسماعيل عليه السلام.

سماه الله «جل وعلا» محمداً فهو المحمود في الأرض والسماء، والمحمود في الدنيا والآخرة؛ فهو محمداً وأحمداً صلوات الله عليك يا خير الورى بأبي أنت وأمي يا رسول الله.

مولد النبي ﷺ ونسبه

ولد نبي الهدى ومصباح الدجى يوم الاثنين في عام الفيل، وقيل أنه ولد بعده بثلاث سنوات، ولد عليه السلام في الثاني عشر من ربيع الأول.

كان النبي «صلى الله عليه وسلم» أشرف الناس نسبا، وأعظمهم قبيلة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنَّ اللَّهَ اصطفى مِن ولدِ إبراهيمَ، إسماعيلَ، واصطَفى من ولدِ إسماعيلَ بَني كنانةَ، واصطَفى من بَني كنانةَ قُرَيْشًا، واصطفى من قُرَيْشٍ بَني هاشمٍ، واصطَفاني من بَني هاشمٍ).

النبي محمد خير الخلق

وقال  «صلى الله عليه وسلم» (إن الله خلق الخلق، فجعلني من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم خير القبائل، فجعلني من خير القبيلة، ثم خير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا، وخيرهم بيتا).

لما ولد النبي صلى الله عليه وسلم أضاءت الدنيا بعد ظلامها، لما حملته أمه في بطنها رأت أن نوراً قد خرج منها، فأضاء لها قصور الشام. طهر الله «عز وجل» باطنه كما طهر ظاهرة.

لما بلغ النبي «صلى الله عليه وسلم» سبع سنوات جاءه جبريل عليه السلام ومعه ملك فشق صدره وأخرج قلبه، وأخرج حظ الشيطان منه، ثم أعاده إلى صدره، فقال أحدهم لصاحبه: زنه برجل فوزنت رجل فرجحته ثم قال زنه بعشرة فوزنوني بعشرة فوزنتهم فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فوزنوني بمائة فرجحتهم ثم قال زنه بألف فوزنوني بألف فرجحتهم فجعلوا ينشرون علي من كفة الميزان فقال أحدهما للآخر لو وزنته بأمته كلها لوزنها  “رجحها”).

هو دعوة إبراهيم عليه السلام لما قال: (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ۚ إنك أنت العزيز الحكيم).

وهو بًُشرى عيسى بن مريم عليه السلام، لما قال الله «عز وجل» عنه (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد).

نبينا.. أجمل الناس خلقاً وخُلقاً

في مولد النبي ﷺ ؛ يجب أن يعلَم كل مسلم أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» كان أجمل الناس خلقاً وخُلقاً، فقد قال حسان بن ثابت في شعره واصفاً إياه ﷺ:

وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني
وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ

خُلِقتَ مُبَرَّءً مِن كُلِّ عَيبٍ
كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ

يقول أبي هريرة «رضي الله عنه» (والله ما رأيت أحسن من رسول الله، كأن الشمس تجري في وجهه).

يقول أنس «رضي الله عنه» (ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة قط أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فوالله ما قال لي: أف قط، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلت كذا ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا).

حب النبي ﷺ دواء للقلوب

وفي ذكرى مولد النبي ﷺ؛ كم تشتاق النفوس والعيون لرؤياه، كيف لا وقد حن إليه الجذع، وما يُسلي النفس ويُصبر القلب أن النبي ﷺ قال وأخبر أن المرء يوم القيامة يكون مع من أحب؛ اللهم إنا نُشهدك على حبك وحب رسولك ﷺ.

جاء «ثوبان» مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه، ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “ما غير لونك يا ثوبان؟!”.

قال: يا رسول الله.. ما بي ضر ولا وجع غير أنى إذا لم أراك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك، لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين، وأنى إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك وخشيت أن لا أراك، وإن لم أدخل لا أراك أبداً، فأنزل الله «عز وجل» قوله -وهذه بشرى لك أيها الحبيب وبشرى لكِ أيتها الفاضلة- “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً”، (قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).

نسأل الله «جل وعلا» بفضله ومنه وكرمه ورحمته أن يجمعنا بالنبي ﷺ في جنته ودار كرامته. أقول قولي هذا وأستغفر الله.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، فهو خليله وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا ضال، صلوات ربي وسلامه عليه.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون). أيها الأحبة في الله، محمد رسول الله هو الرحمة المهداة والسراج المنير، أرسله الله «عز وجل» ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.

قال الله فيه: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا | وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) وقال (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).

محمد رسول الله. أمته خير أمة أخرجت للناس، فهنيئاً ثم هنيئاً  ثم هنيئاً لمن كان من أمة هذا النبي الكريم، فوالله إنها من أعظم النعم أن جعلك الله «عز وجل» من أمته؛ (قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).

كيف لا والنبي «صلى الله عليه وسلم» وقف بين يدي ربه ثم بكى أمته وقال: يا رب أمتي يا رب أمتي، فقال الله «جل وعلا» يا محمد إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.

كيف لا وربه وعده أن يُدخل الجنة من أمته سبعين ألفاً من غير حساب ولا عذاب. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين. كيف لا وقد وعد الله «عز وجل» نبيه بأن يجعل نصف أهل الجنة من أمته عليه السلام.

حب النبي دين وإيمان

كما يجدر القول أيضًا في ذكرى مولد النبي «عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام» أن حبه دين وإيمان، لا يدخل الإيمان عبدٍ حتى يُحب رسوله ﷺ أعظم من حبه لنفسه. النبي عليه الصلاة والسلام يقول (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).

يدخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إنك أحب إلي من كل شيء إلا نفسي، فقال النبي «صلى الله عليه وسلم» لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك.

فنظر عمر قليلاً ثم قال: أنت الآن أحب إليّ من كل شيء حتى من نفسي يا رسول الله.، فقال النبي ﷺ: الآن يا عمر، الآن يا عمر.

حب النبي ﷺ إذا وقع في قلب عبد ذاق حلاوة الإيمان، فصلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، وذكر منها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

أيها الأحبة في الله؛ إن من أعظم دليل على حب العبد لرسول الله ﷺ الإيمان به، والتصديق بكل ما أخبر، وطاعته فيما نهى وأمر، ونصرته حياً وميتاً، واتباع هديهِ، ونشر سنته والدعوة إلى منهجه، والإكثار من الصلاة والسلام عليه -عليه الصلاة والسلام-، وترك الابتداع في الدين، فالابتداع في الدين مخالف لمحبة النبي ﷺ.

يقول الإمام مالك «رضي الله عنه»: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد خان الرسالة، لأن الله قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.

يقول الله «تبارك وتعالى» (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون).

الدعاء

  • بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
  • اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
  • اللهم وفقنا لما تُحب وترضى من القول والعمل.
  • وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تفاصيل الخطبة

  • عنوانها: خطبة الجمعة القادمة عن مولد النبي ﷺ.
  • للشيخ: عبدالرزاق بني ياسين.
  • المناسبة: خطبة جمعة في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قد يُمكن جعلها مُرادِفةً لما خصَّته وزارة الأوقاف من عناوين: النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في بيته وحياته | النبي صلى الله عليه وسلم معلما ومربيا.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: