دعاء الاستخارة مكتوب مع شرح كيفية الصلاة — لكل مسلم أهمَّه أمر ويتردد فيه

دعاء الاستخارة , صلاة الاستخارة

نسعى أن نقرأ ونحفظ دعاء الاستخارة حتى نُردِّدهُ في صلاة الاستخارة لطلب العَون من الله -سبحانه- في أمرٍ انتابتنا الحيرة فيه. فهذه تستخير في الخطوبة؛ هل هذا الشاب مناسب لي أم لا؟ وهذا يستخير في الزواج؛ هل قرار الزواج بتلك الفتاة صائب أم لا؟ وهي تستخير في ترك العمل الحالي والانتقال لآخر جديد، وآخرون يستخيرون في أمور حياتيَّة أُخرى.

لذلك؛ كان السَّعي إلى صلاة الاستخارة والابتهال بالدعاء فيها سبيلا طيبًا لكل مسلم أهمَّه أمرًا ما ويسعى للبت فيه، فيرجوا العون من رب الأرباب ومُسبِّب الأسباب -تبارك وتعالى-.

متى تُجرى الاستخارة؟

يقول الشيخ الدكتور بندر بن نافع بن بركات «أستاذ كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم»: أولاً الاستخارة هي طلب خير الأمرين؛ فهي مشروعة في الأمر الذي يهم به الإنسان ويتردد فيه؛ هل يقدم عليه أم لا، فالمقصود أنه يستخير يستخير في الأمر ولا يتردد فيه، إما لأنه يشك في مصلحته أو لأنه يعلم مصلحته لكن يشك هل من المصلحة أن يفعله الآن أو لا.

فمثلاً في أمر السفر؛ تردد الإنسان في أن يسافر اليوم أم غداً، أو أراد أن يدخل في صفقة تجارية فيتردد هل يدخل فيها أو لا. أو أراد أن يتزوج وذكرت له امرأة، فيتردد هل يُقدم على خطبتها أم لا.

فالمراد أنه هم وتردد هل يفعل أو لا، وهنا تشرع الاستخارة.

أما الأمور التي عزم على فعلها فإنه لا يستخير لها، فالله تبارك وتعالى قال (فإذا عزمت فتوكل على الله). وكذلك الأمور التعبدية المحضة لا يستخير لها.

فمثلاً إذا أراد شخص أن يذهب إلى العُمرة، فلا يستخير في ذلك، أما إذا تردد في أن يذهب إلى العمرة في هذا الشهر أو الشهر الآخر فيستخير، وكذلك في اختيار الوسيلة التي يُسافر بها، هل يُسافر بالطائرة أم الباخرة، وهكذا. فأصل العمرة لا يستخير لها. ولكن يستخير في كيفية الذهاب إليها، ومع من، ومتى يذهب إليها.

كيفية صلاة الاستخارة

تعرِفون أن الأمر لا يحدث عبثًا؛ فلابد من تعلُّم كيفية صلاة الاستخارة بشكل صحيح، وذلك استنادًا على ما وَرَدَ من سُنَّة رسول الله ﷺ.

ففي صحيح البخاري عن جاد (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن؛ يقول: إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال: عاجل أمري وآجلهفاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال: في عاجل أمري وآجلهفاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني قال: «ويسمي حاجته»).

هذا هو دعاء الاستخارة الصحيح مكتوب وكامل كما جاء عن حبيبنا المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.

مضمون حديث الاستخارة

لقد تضمن الحديث عدة أمور منها:

١. صلاة الاستخارة ركعتين

أنهما ركعتان مستقلتان؛ أي ركعتين الاستخارة.

والحكمة منهما أنهما كالمقدمة لدعاء الاستخارة، يقبل الإنسان بهما على ربه، وربما يكون قد سبقهما وضوءٍ سابغ ولم يحدث فيهما نفسه فيُغفر له ما تقدم من ذنبه، فيكون لدعائه محل.

٢. يقرأ في صلاة الاستخارة ما تيسر من القرآن

أنه لم يرد في السنة تعيين ما يقرأ في هاتين الركعتين، فيقرأ الإنسان بعد الفاتحة ما تيسر.

وبعض العلماء ومنهم النووي رحمه الله استحب أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية قل هو الله أحد. وقال بعضهم لأنهما سورتا الإخلاص تناسب الإتيان بهما في صلاة المراد منها إخلاص في الرغبة.

٣. دعاء الاستخارة يكون بعد الصلاة

أنه يدعو بدعاء الاستخارة بعد الصلاة، وهذا ما يدل عليه ظاهر الحديث. ويرفع يديه لأن الأصلح في الدعاء رفع اليدين، ولا يفتتح دعائه بشيء بل يبدأ مباشرة بدعاء الاستخارة.

والأفضل أن يُكرره ثلاث مرات لأن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كان إذا دعا، دعا ثلاثاً.

أما إذا ضاق على الشخص الوقت ولم يستطيع أن يصلي صلاة استخارة، أو امرأة لديها عذراً؛ فاعلَم أن صلاة الاستخارة لا تُصلى في وقت النهي؛ إلا إذا كان الأمر المستخار له لا يُمكن تأجيله إلى خروج وقت النهي، فهنا لا حرج في صلاة الاستخارة في وقت النهي.

وكذلك المرأة فهي كالرجل يُشفع لها أن تُصلي صلاة استخارة إذا همت بأمر وترددت فيه، لكن إذا كانت معذورة (حائض) فإنها لا تُصلي، لكنها تستقبل القبلة وترفع يديها وتقول الدعاء الوارد «دعاء الاستخارة».

علامة قبول الاستخارة

كيف يعرف الإنسان مثلاً أن الأمر الفلاني هو الأمر الذي فيه الخيرة؟ وهل لابد أن يرى الشخص رؤية؟

علامة القبول هو العزم على أحد الأمرين بعد الصلاة؛ فإذا عزم على أحد الأمرين فليفعل، لأن جعل العزيمة في قلبه هو من عند الله عز وجل، وليس المراد بانشراح الصدر كما يظنه بعض الناس، فقد ينشرح بالأمر الذي يهواه مسبقاً. فالعزم على الأمر هو علامة على قبول الاستخارة.

لكن إذا لم يعزم على شيء وبقي مترددا، فإنه يُعيد الاستخارة ثلاث مرات، لأن من عادة النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه يُكرر الدعاء ثلاث مرات، ثم إذا لم يظهر له شيء، فإنه يترك الخيرة فيما يختاره الله عز وجل له، فإذا لم يظهر لك شيئاً، ولم تعزم على شيء مما استخرت الله له أو فيه اترك الأمر لله.

فالاستخارة هي لفعل الشيء أو لا. أو في الحيرة بين أمرين او ثلاثة. وما يعزم عليه بعد الاستخارة هو الذي يفعله، ويكون ذلك بالعزم على فعل الشيء وليس بالانشراح كما يظنه البعض، فقد يفعل الإنسان الشيء ولا يجد انشراحاً، بل يجد عزيمة وإقبالاً لا انشراحاً؛ وليس شرطاً أن يتعلق الأمر برؤية؛ فقد يرى الإنسان في منامه وقد لا يرى.

قد يبقى بعض الناس في تردد، وقد يصل بهم الأمر إلى الاستخارة 9 مرات مثلاً، فيزيد تردده بدلاً من أن تكون الاستخارة علاج للتردد والحيرة.

فإذا كان لدى الإنسان وساوس أو شكوك عليه أن يتوجه إلى الله بالدعاء، فالإنسان هو حاسوب نفسه.

في دعاء الاستخارة نجد الاستقرار والرجوع إلى الله عز وجل وتضرع وتوكل. بمعنى أن الإنسان وهو يدعو بهذا الدعاء يستحضر افتقاره إلى الله عز وجل ولجوئه إليه، وأن الخيرة فيما يختاره الله له، وفيما يوجهه إليه.

وإذا ظل لدى الإنسان شكوك ووساوس فعليه أن يتركها، فإذا فتح على نفسه هذا الباب سيدخل في متاهة لا آخر لها. وإذا عزمت فتوكل على الله، فإذا ما وقع في قلبك العزم على أمر ما استخرت له فافعله واترك جميع ما يتعلق بـ الوساوس والشكوك التي ترد عليك بعد ذلك.

ولكن بعض الناس ربما يفعل هذه السنة أو هذه الاستخارة فقط ليأتي بسنة الاستخارة، ويكون قد عزم على أمر قبل ذلك، فهذا في الغالب لا يوفق، فليعلم الإنسان إذا كان لديه عزم سابق على أمر معين، ويأتي بالاستخارة تطبيقاً للسنة، فهذا لم يأتي إلى الله عز وجل، ولم يفتقر إليه.

في بعض الأمور يقوم جميع الأفراد بعمل استخارة معينة في أمر ما مثل تقدم خطيب للبنت، فيتفق الجميع على استخارة معينة؛ فاستخارة الجميع لا بأس بها ولا حرج فيها، فهي من التعاون على البر والتقوى، ولكن لا تربط استخارة أحد الأشخاص أو أحد الأهل بالآخر؛ فقد يجد أحد الأشخاص عزم والآخر لا يجد، فليس شرطاً أن يتفقون، فقد يختلفون.

ولكن كونهم يتفقون على الاستخارة، وحثهم لبعضهم البعض، لا بأس بذلك ولا حرج.

دعاء الاستخارة مع الشرح

والآن، وتيسيرًا على المسلم فَهْم دعاء صلاة الاستخارة سوف نقوم بشرحِه؛ بشكل كامل ومُفصَّل.

اللهم إني أستخيرك بعلمك؛ بمعنى أسألك الخيرة، فالإنسان يتوجه إلى الله عز وجل، فالله يعلم مالا يعلمه العبد.

فالإنسان يفوض أمره إلى الله عز وجل، ويختار الله له ما يشاء.

وكذلك؛ أستقدرك بقدرتك؛ أي أسألك أن تجعل في قلبي قدرة منك على هذا الأمر الذي سأعزم عليه.

فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر؛ أي أن الله عز وجل يُقدر العبد مالا يقدره العبد حتى ولو عزم على أحد الأمرين.

تعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب؛ اللهم إن كنت تعلم الأخير لي؛ أي أن الله عز وجل يُبارك له فيما استخار الله فيه، وفيما عزم عليه وأن يُيسره له، لأن الإنسان إذا لم يتيسر له الأمر، وإذا لم يقدره الله له، ولم يوفقه له لم يتيسر ولم يوفق فيه ولم يستطع أن يفعل شيئاً فيه.

ما يتضمَّنه دعاء الاستخارة

ولهذا يظهر في هذا الدعاء تحصيل الخير ودفع الشر؛ لأن الخيرة ستكون في اختيار الله (عز وجل) للعبد لا في اختياره لنفسه. ولهذا تضمن الدعاء الافتقار إلى الله عز وجل واللجوء إليه، والإقبال عليه.

كما يتضمن هذا الدعاء تحقيق الطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره، فيرد عنه الهم والحزن الذي قد يحدث له بسبب اختياره لنفسه؛ لأنه إذا اختار ما وجهه الله (عز وجل) له، وعزم عليه بعد الاستخارة فإنه سيطمئن قلبه وينشرح صدره، بخلاف ما لو اختاره لنفسه دون أن يستخير الله (عز وجل).

وفي الدعاء كذلك حصول البركة للمستخار له في قوله: بارك لي فيه.

والأفضل للشخص أن يجمع بين الاستخارة والاستشارة؛ (لا خاب من استخار ولا ندم من استشار) فلا حرج على المرء من استشارة أهل الخبرة والعلم في الأمر الذي يُريد أن يُقدم عليه.

الاستخارة تكون في كل أمر مباح

نعم؛ فلنحاول سويًا تخيّل شخص يحاول الاستخارة في أحد الأمور المُحرَّمة أصلا.

فهذا فلان، يسأل عن استخارة في قبول عمل إجرامي أم لا. وهذا آخر، استخارته ستكون في فرض الربا على من يقترض منه أم لا، وصاحبنا هذا يستخير في حِرمان أحد أبناءه من الميراث الشَّرعي.

تخيَّل؛ هل هذه الأمور يجوز الاستخارة فيها؛ بالطبع هذه أمور مُحرَّمة ومفروغ من حرمتها. ولا استخارة فيما هو معروف خيره أو شره؛ وذلك مثل العبادات، المعاصي والمنكرات وصنائع المعروف.

أضف تعليق

error: