خطبة المفهوم الأوسع للصدقة (الرسمية – مكتوبة)

ننشر لكم خطبة الجمعة من وزارة الأوقاف بعنوان: المفهوم الأوسع للصدقة.

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن الإسلام دين البذل والعطاء، أمر بالصدقة وجعلها من أجل الطاعات وأعظم القربات، ووعد المتصدقين بالأجر العظيم، حيث يقول (عز وجل): {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}، ويقول تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (ما تصدق أحد بصدقة من طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – إلَّا أخذَها الرحمنُ بيمينِهِ ، وإِنْ كانتْ تَمْرَةً ، فتربُو في كفِّ الرَّحمنِ حتى تَكونَ أعظمَ مِنَ الجبلِ).

لقد شرعت الصدقة طهرة للنفس من الأخلاق الرذيلة، ودفعا للشح والبخل وقسوة القلب، حيث يقول تعالى: {ځذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم)، كما أنها تدفع عن النفس خوف الفقر، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (ما نقص مال عبد من صدقة)، وبها يمحو الله تعالى الذنوب والآثام، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار).

ومفهوم الصدقة في الشريعة الإسلامية واسع ومتنوع، فيشمل الصدقة بالمال وبغيره، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (على كل مسلم صدقة، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : يعين ذا الحاجة الملهوف، قال : قيل له : أرأيت إن لم يستطع؟ قال : يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال : يمسك عن الشر، فإنها صدقة)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (تبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ وأمرُكَ بالمعروفِ ونَهيُكَ عنِ المنْكرِ صدقةٌ وإرشادُكَ الرَّجلَ في أرضِ الضَّلالِ لَكَ صدقةٌ وبصرُكَ للرَّجلِ الرَّديءِ البصرِ لَكَ صدقةٌ وإماطتُكَ الحجرَ والشَّوْكَ والعظمَ عنِ الطَّريقِ لَكَ صدقةٌ وإفراغُكَ من دلوِكَ في دلوِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ).

ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (يُصْبِحُ علَى كُلِّ سُلَامَى مِن أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِن ذلكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُما مِنَ الضُّحَى)، وفي ظل ما يشهده عالمنا المعاصر من انتشار العديد من الأوبئة مثل (كورونا)، و(الفطر الأسود) وغيرهما يتأكد لدينا أهمية دوام طلب العفو والعافية من رب العالمين، والأخذ بأسباب ذلك، وإدراك أن الصحة نعمة عظيمة تتطلب منا شكرها بشتى السبل والتي تعد الصدقة من أهمها، سواء أكانت الصدقة مادية، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (داووا مرضاكم بالصدقة)، أم كانت معنوية، فمن لم يتيسر له الصدقة بالمال فقد فتح له الإسلام آفاق أوسع للصدقة من الذكر، والتسبيح، والتحميد، وسائر أبواب عمل الخير، فالخير يدفع الشر والبلاء.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين.

لقد شرع الله (عز وجل) الصدقة لغايات نبيلة، وحكم جليلة، تتحقق بها المصالح، وتتألف بها القلوب، وتقضي بها الحوائج، ويستعان بها على النوائب، وهي صورة من صور الأمن والأمان للفرد والمجتمع، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة).

على أننا نؤكد أن دفع المرض وعلاج الفقراء من أولى الأولويات في الصدقات، خاصة في أيام النوازل، وهو أهم من دفع الجوع، بل إن ذلك يعد من مصارف الزكاة الواجبة، فهذا سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) لما قدم اليمن قال لأهلها: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير، فإنه أهون عليكم، وخير للمهاجرين بالمدينة، وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم؛ وذلك لأن المقصود دفع الحاجة، والمعاونة فيما ينفع الناس.

فما أحوجنا إلى فهم مقاصد الشريعة التي جاءت لإسعاد البشرية، ورفع الحرج، وبث روح التكافل، والتعاون على كل ما فيه مصلحة البلاد والعباد، فيتحمل كل إنسان مسؤوليته الدينية والوطنية، فيعطي مما عنده من علم، أو مال، أو نصح؛ بما يسهم في دفع الفقر، والقضاء على الوباء؛ إرضاء لله رب العالمين، وخدمة للدين والوطن، حيث يقول سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

اللهم فقهنا في الدين، واجعلنا من المنفقين المقبولين

أضف تعليق

error: