خطبة الجمعة عن الأمن والاستقرار وخطر التطرف والزيغ

تمت الكتابة بواسطة:

خطبة الجمعة , الأمن والاستقرار , خطر التطرف والزيغ

أضع أمامكم، وبين طيَّات هذه الصَّفحَة خطبة جمعة مكتوبة، معنونة بـ: الأمن والاستقرار وخطر التطرف والزيغ. فكلنا يعلم أن أكثر ما يشغَل الأوطان في هذه الفترة هو ما يتعلَّق بالأمن العام، سواء الأمن المجتمعي أو الفكري أو العقدي، أو الغذائي والصحي.

وإليكم الخطبة، ولا تنسونا من صالِح الدعاء؛ ونتطلَّع لمزيد تعاون باستقبال ملاحظاتكم واقتراحاتكم.

مقدمة الخطبة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه وصفيه وخليله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على طريقته ونهجه، وعنا معهم بمَنه وعطفه وكرمه.

الخطبة الأولى

أما بعد، فيا عباد الله؛ اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

معاشر المصلين، نِعمُ الله -جل وعلا- على عباده كثيرة، يقول -سبحانه- {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا}.

ومن تِلك النعم، نعمة الأمن؛ أدامها الله علينا ورزقنا الله شكرها بالقول والعمل.

أيها المسلمون؛ إنَّ الأمن مطلبٌ لكل البشرية، فلا يستطيع الإنسان أن يقوم بواجباته الدينية والدنيوية إلا بالأمن، فالصلاة والحج وغيرها من العبادات لا يستطيع الإنسان القيام بها إلا مع الأمن والاستقرار.

والأمن من أجَلّ نِعَم الله -جل في علاه- تقدَّست ذاته وأسماؤه وصفاته. يقول -عز وجَل- {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.

وقال حبيبنا عليه الصلاة والسلام «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».

وإذا اختلَّ الأمنُ، اضطَّرب الناس وحصل الخوف والقلق ولا يأمن الإنسان على نفسه ولا على ماله ولا على عِرضه. والشريعة جاءت بحِفظ الضروريات الخمس: الدين والنفس والعقل والمال والعِرض.

فإن الأمن يا عباد الله نعمه يجب أن نتعاون جميعًا على شكرها.

والأمن ليس على رجال الأمن فقط، بل إنَّ الجميع عليه مسئوليةٌ على حسب قدرته. فالوالِد في بيته والوالدة في بيتها يربون الأبناء على حِفظ الأمن وعلى احترام رجال الأمن وتقديرهم، وعلى الدور الذي يقومون فيه.

إن رجال الأمن أيها المسلمون هم آباؤنا وأبناؤنا وإخواننا وجيراننا وزملاؤنا، ولهم حقٌ علينا أن نحترمهم وأن ندعو لهم بالتوفيق والسَّداد والإعانة والرَّشاد.

وإن ما تقدمه أيضًا الدولة لها، فإن على المقتدرين، لا سيما على أصحاب البنوك وعلى الشركات والمستوصفات والمستشفيات، أن يقدموا لهم بعض الخدمات التي تُشعِرهُم بمكانتهم ومنزلتهم.

أيها المسلمون؛ إن من الخطر العظيم أن يستهين الإنسان بدماء المسلمين، وأن يستهين بدماء رجال الأمن.

إن قتل النفس التي حرم الله -جل وعلا- من أبشع الجرائم. قال الله -جل وعلا- [وتأملوا هذه العقوبات العظيمة لمن قتل نفسًا بغير حق]، قال الله -جل وعلا- في الآية ٩٣ من سورة النساء {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}. نسأل الله السلامة والعفو والعافية.

يقول ابن عباس -رضي الله عنه-: إن قاتِل النفس ليس له توبة.

وفي الآية ٣٢ من سورة المائدة يقول الله -جل وعلا- {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}.

فالقَتل من أبشع الجرائِم.

قال حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين «اجتنبوا السبع الموبقات؛ الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».

ويقول حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراما».

ويقول النبي -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام- «من حمل علينا السلاح فليس منا».

وفي حديث آخر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه، حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه».

تأمَّل؛ من حمل السلاح! فكيف بمن حمل السلاح وأطلق النار؟ وكيف بمن استباح الدماء والعياذ بالله؟

ويقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء. [وفي رواية]: يحكم بين الناس».

ويقول نبينا محمد -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها- كما في الحديث الذي حسَّنه بعض أهل العلم «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم».

يا الله! ما أعظَم هذا الجُرم! إن الاستهانة بهذا الأمر جُرمٌ عظيمٌ وخطير، وإن السبب في ذلك هو الخلل في الأفكار، فإذا اختل الفكر اختلَّت التصرفات؛ وأخذ الإنسان يُكَفّر النَّاس، وإذا كَفّر الناس وكَفّر رجال الأمن فإنه -من الطبيعي- سيستبيح دماءهم والعياذ بالله.

يفعلون هذا الفِعل -ونسأل الله السلامة- ويرون أنه من القربات والطاعات لله -جلَّ وعلا-. نعوذ بالله من الزيغ والضلال.

فإذا انحرف الفِكر، فإن الإنسان يتصرَّف تصرفاتٍ همجيَّةٍ ويستبيح دماء المسلمين، ويعتدي على أموالهم وعلى إعراضهم.

فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا- ولا يأخذ العِلم إلا من أهله، مِمن شابت لحاهم في العلم، ولا يأخذ العلم من المجاهيل، ولا يأخذ العلم من الشبكة العنكبوتية بأسماء وهمية، وبرموزٍ يوجهونه من خارج هذه البلاد.

إن هذه البلاد محسودة على ما أكرمها الله -جل وعلا- به؛ من تطبيقٍ لشَرع الله، من وجود المحاكم الشرعية، ومن استقرار واستتباب الأمن؛ فإنَّ أعداء الإسلام يُحَرِّضون على هذا البلد وعلى أهله، ويستغلون الشباب الصغار، وينفثون السموم في عقولهم عبر وسائل التواصل الاجتماعية، حتى يوجهوا سهامهم إلى أهليهم وإلى أوطانهم وإلى رجال الأمن.

فإن علينا جميعًا أن نُحَذِّر من هذه الأفكار ومن خطورتها، ومن ضررها، وأن نُحَصِن الناشئة بالعِلم الشرعي، بالكتاب والسنة، بنور القرآن ونور السنة، والسَّير على ما سار عليه سلف هذه الأُمَّة، ويأخذ العلم من الأكابر، من الذين شابت لِحاهم في العلم والتعليم والتدريس.

ولنحذر من التشكيك بالعلماء الكِبار؛ وأنهم علماء مال، وعلماء سلطان، وأنهم يريدون ويريدون..

وأقول لمن يقول هذا الكلام: اتق الله، فإنك تصد الناس عن كتاب الله وعن سُنَّة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّ العلماء إذا تكلموا يقولون: قال الله، وقال رسوله -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.

ولم يأتوا بشيءٍ من عِند أنفسهم، بل يستدلون على كلامهم بكتاب الله وبسنة رسول الله -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات-.

فلنتمسَّك يا عباد الله بديننا وبعقيدتنا وبإسلامنا، وأن نلزم العِلم وأهل العلم {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ}.

ويقول -جل وعلا- في سورة الأنعام {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.

اللهم أَدِم علينا نعمة الأمن والاستقرار، واكفنا شر الأشرار. من أرادنا أو أراد سائر بلاد المسلمين بشر فأبطِل كيده واجعل تدبيره في تدميره يا رب العالمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد؛ فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، وحَكِّموا الشرع والعقل، وتأملوا بأحوال من اختل عندهم الأمن، هنا وهناك.

لمَّا جاء ما يسمى بالربيع العربي واختل الأمن في بعض البلاد العربية والإسلامية؛ اسألوا من يعيشون ومن اِكْتَوَوْا بنار هذه الفتنة وكيف تشردوا وحصل الاعتداء عليهم وعلى أموالهم وعلى بيوتهم وعلى أعراضهم!

نعم، ويتمنَّون أنهم لم يفعلوا ولم ينادوا بهذه الأفعال. لأن الأمن يا عباد الله مطلبٌ لكل البشرية. لا طعم للأكل ولا للشرب ولا للنوم إذا اختل الأمن. فلا يهنأ الناس بأكلٍ ولا بشربٍ ولا بنومٍ ولا بأي أمرٍ من أمور الدنيا إذا اختل الأمن.

اسألوا من اختل الأمن عندهم، وكيف يحدثونك بدموعهم قبل قلوبهم من المآسي التي حصلت في بلدانهم. أسأل الله أن يُعيد الأمن إليهم عاجلا غير آجِل.

تأمَّلوا بهذا يا عباد الله، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وتعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.

الدعاء

اللهم يا حي يا قيوم، نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، أن تُديم علينا نِعمة الأمن والأمان والاستقرار.

اللهم احفظ علينا عقيدتنا وأمننا واستقرارنا يا رب العالمين.

من أرادنا أو أراد أحدًا من المسلمين على وجه الأرض بسوء فأشغله بنفسه.

اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه يا رب العالمين.

اللهم أبطل كيد الكائدين وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين، واحفظ شبابنا من الزيغ والضلال والانحراف يا رب العالمين.

اللهم نَوِّر قلوب وبصائر شبابنا بنور القرآن والسنة، اللهم ارزقهم الحق حقا وارزقهم اتباعه، وأرهم يا رب الباطل باطلا وارزقهم اجتنابه.

اللهم ردنا إليك ردا جميلا.

اللهم من أراد شبابنا بسوءٍ اللهم اكفنا شرَّه. اللهم إنا نعوذ بك من شره، ونجعلك في نحره يا رب العالمين.

اللهم من استهدف شبابنا عبر وسائِل التواصل الاجتماعي، اللهم أبطل كيده واجعل كيده في نحره يا رب العالمين.

اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وسدد أقوالهم وأعمالهم. اللهم اجعلهم سِلمًا لأوليائك يا رب العالمين، حربا على أعدائك.

اللهم انصر بهم دينك وكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين.

اللهم اجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة.

اللهم احفظ رجال الأمن واجزهم عنا أحسن الجزاء وأتمَّه وأوفاه.

اللهم اجز رجال الأمن في الداخل واجزهم على الحدود، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وأنزل النصر والتمكين والسكينة والطمأنينة على قلوبهم يا رب العالمين؛ وأعِدهم إلى بلادهم سالمين آمنين مطمئنين منتصرين يا قوي يا عزيز.

اللهم أعِد الأمن في اليمن وفي بلاد الشام والعراق وكل بلدان المسلمين يا كريم يا عظيم.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم فرج هم المهمومين، وأصلح أحوال المسلمين، واجمع كلمتهم وقلوبهم على الكتاب والسنة يا رب العالمين.

اللهم صل وسلم وبارك وتفضل وأنعِم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

هنا أيضًا خطبة مقترحة ليوم الجمعة: خطبة عن الأمن وأهميته


خطبة عن الأمن والاستقرار وخطر التطرف

ألقاها: فضيلة الشيخ د. عبدالعزيز الفايز.

عنوانها هنا: الأمن والاستقرار وخطر التطرف والزيغ.

فحواها: ألقى الشيخ الجليل الضوء عن كثب على أهمية نعمة الأمن ومسؤولية الجميع في الحفاظ عليه. كما وأسهَب في الثناء على دور رجال الأمن في الحفاظ على الأمن والاستقرار.

كما وجَّه الشيخ الحديث للجميع في النظر عن كثْب إلى من ينتهجون التطرف والانحراف والزيغ، ثم يصلون بأوطانهم إلى الهاوية.


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: